icon
التغطية الحية

تكريس الدمار واستبعاد سينما الحقيقة: قنبلة "أوبنهايمر" تحصد جوائز أوسكار 2024

2024.03.11 | 10:21 دمشق

aoskar
أحمد طلب الناصر - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

كما كان متوقعاً، حصد فيلم  "أوبنهايمر" كبرى جوائز الأكاديمية الأميركية (أوسكار) لهذا العام، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل رئيسي وثانوي، بالإضافة إلى 3 جوائز أخرى ليصبح المجموع كاملاً 7 جوائز أوسكار.

وجميع المؤشرات السابقة لحفل توزيع جوائز "أوسكار 96" الذي اختتم فعالياته فجر اليوم الإثنين، جاءت لتؤكد ذلك الفوز الساحق لـ "أوبنهايمر"، خصوصاً بعد نيله العديد من الجوائز السينمائية العالمية، كجائزة "غولدن غلوب" و"بافتا" و"ستالايت"، بالإضافة إلى جوائز جمعية النقاد ونقابة المنتجين والمخرجين الأميركيين، والعديد من جوائز المهرجانات الأخرى.

والفيلم الذي يسلط الضوء على سيرة حياة "ج. روبرت أوبنهايمر" صانع القنبلة الذرية "الأميركية"، التي تم رميها بعد أقل من شهر على اختراعها (آب 1945) على مدينة هيروشيما اليابانية لتحولها إلى تلّة رماد بعد القضاء على قرابة 80 ألف مدني في لحظات؛ استطاع بطريقة ما تصدير فكرة مفادها أن العالِم خاض مرحلة صراع "أخلاقي" خلال سنيّ حياته التي قضاها بعد ابتكاره القنبلة، نتيجة اصطفافه إلى جانب الشرّ المتمثل في أقوى القنابل المدمرة والقاتلة، محاولاً التكفير عما فعله.

كذلك الأمر، ركّز الفيلم على جزئية إخضاع المخترع "أوبنهايمر" للمساءلة والتحقيق من قبل سلطات الولايات المتحدة الأميركية، ومحاسبته على نواياه وأفعاله. في محاولة لإظهار جانب إنساني وقانوني "منقطع النظير" لدى تلك الدولة التي منحت مخترع القنبلة كافة التسهيلات ووضعت مختلف إمكاناتها العلمية والعملية تحت تصرف مشروعه الذي حمل مسمّى "مانهاتن" منذ عام 1943 إلى ما بعد ابتكار القنبلة وإسقاطها على هيروشيما ثم ناغازاكي اليابانيتين.

وعلى العموم، تمكن الفيلم من الحصول على استحسان النقاد وحقق نجاحاً باهراً في صالات العرض، لتتجاوز إيراداته على شباك التذاكر حول العالم المليار دولار.

معايير أوسكار: بين قنبلة "أوبنهايمر" وانحلال فيلم Poor Things (كائنات مسكينة)

توزّعت الجوائز الـ7 لفيلم أوبنهايمر الذي رُشّح لنيل 13 جائزة أوسكار على: جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل مخرج "كريستوفر نولان"، وجائزة أفضل ممثل "كيليان مورفي"، وجائزة أفضل ممثل مساعد "روبرت داوني جونيور"، بالإضافة إلى أفضل مونتاج، وأفضل تصوير سينمائي.

شارك "أوبنهايمر" الفوز بجوائز الأوسكار فيلم Poor Things (كائنات مسكينة) الذي نال 4 جوائز أوسكار بما في ذلك جائزة أفضل ممثلة رئيسية "إيما ستون"، وأفضل ماكياج وأفضل تصميم الملابس والإنتاج.

وكان الفيلم من بين الأفلام المرشحة لـ11 جائزة، وذلك عن فئات: أفضل فيلم وأفضل ممثل مساعد وأفضل إخراج وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل موسيقا تصويرية، وغيرها.

ونالت الممثلة "دافين جوي راندولف" جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "الباقون"، وكانت جوي قد فازت قبيل ذلك بجوائز كثيرة، بينها غولدن غلوب و"كريتيكس تشويس أووردز" وبافتا.

بينما حاز فيلم "منطقة الاهتمام" البريطاني على جائزة أفضل فيلم روائي أجنبي، ويحكي قصة أسرة ضابط ألماني تعيش إلى جوار معسكر الاعتقال (أوشفيتس) خلال الحرب العالمية الثانية.

عن الترشيحات والفوز وغياب أسماء مهمة عن الأوسكار

وعلى الرغم من فوز "إيما ستون" في العديد من الجوائز السينمائية والفنية الأخيرة، إلا أن إعلان فوزها بجائزة أوسكار كأفضل ممثلة رئيسية، فاجأ الجميع بعد أن تقاطعت توقعات معظم النقاد والمتابعين عند فوز أول ممثلة من السكان الأميركان الأصليين يتم ترشيحها للجائزة وهي ليلي غلادستون بطلة فيلم "قتلة زهرة القمر" Killers of the Flower Moon، كما أثار العديد من التكهنات بشأن بقية الجوائز والترشيحات.

ففي فيلم "قتلة زهرة القمر" يقدم المخرج الاستثنائي "مارتن سكورسيزي" (رُشح لجائزة أوسكار لأفضل إخراج عن الفيلم ذاته) ما يشبه السيرة التوثيقية لآليات الإبادة العرقية بحقّ السكان الأصليين "الهنود" في أميركا عشرينيات القرن العشرين في ولاية أوكلاهوما.

عمل فيلم "سكورسيزي" على أكثر من محور ومسار تاريخي/ درامي/ إنساني، مركزاً بصورة تهزّ المتفرّج، على المشاهد المتكررة لتاريخ العنف الذي مورس بحق السكان الأصليين (الهنود الحمر) وقتلهم وإحراق بيوتهم، وذلك بالتواطؤ مع السلطات الحكومية المحلية المُدارة من قبل البيض. "سوف يموتون في النهاية وينتهي زمنهم"، بحسب قول "هيل" الذي لعب دوره النجم روبرت دينيرو، ممارساً أبشع صنوف الاستغلال والقتل في سبيل الحصول على المال وعائدات النفط.

إذن، هناك فارق كبير بين قصة وتفاصيل فيلم "قتلة زهرة القمر" وفيلم "كائنات مسكينة". فبينما يكشف الأول خفايا قصة حقيقية تتناول إبادة السكان الأصليين على يد المستوطنين الجدد، يعرض فيلم "كائنات مسكينة"، في مشاهد فنتازيّة، صوراً مشوّهة عن مختلف المخلوقات والكائنات الحية بما في ذلك العنصر البشري الذي تمثّله "إيما ستون"، يصنعها طبيب جرّاح -مشوّه أيضاً وأشبه ما يكون بـ فرنكشتاين- يمثل دوره الممثل الأميركي "وليم دافو".

الطبيب في الفيلم يحمل لقب "القدير/ الله" باكستر، في إشارة إلى أنه خالق تلك الكائنات الحية والحيوانات الغريبة والمركبة من أجزاء وأجسام مختلفة، كما هي الحال عند "بيلا" (إيما ستون) التي شكّلها الطبيب باكستر من جسد امرأة بالغة ودماغ وأعصاب طفلة حديثة الولادة.

وبمعزل عن التجاوزات المتعلقة بقضية تشكيل و"خلق" المخلوقات والإفراط الكبير في تشويهها، كان تركيز الفيلم منصبّاً بالدرجة الأولى -وربما الوحيدة- على حالة نمو الرغبة والغريزة الجنسية لدى الأنثى بدءاً من سنّ البلوغ. لتهيمن مشاهد "البورنو" وحوارات الجنس واللذة وما شابهها أكثر من نصف مدة الفيلم، وليُضاف على صور "المخلوقات" البشعة والمثيرة للإقياء؛ بشاعة أخلاقية وثقافية وفنية تجاوزت الهدف المراد من العمل.

ليس القصد رمي اتهامات التحيّز على الأوسكار، فالفيلمين الحاصدين أكثر جوائزه هما بلا شك على قدر كبير من الأهمية، في الشكل والمضمون والهدف، ولكن يحار المرء حين يرى فيلماً كـ "قتلة زهرة القمر" على سبيل المثال يخرج من دائرة الاهتمام والجوائز سواء على مستوى العمل وصناعته أو على مستوى ممثليه: ليوناردو دي كابريو، وروبرت دينيرو، وغلادستون التي فاجأت الجميع بقوة أدائها. أو على مستوى مخرجه العبقري سكورسيزي.

كثيرة هي التساؤلات التي أفرزتها جوائز الأوسكار لهذا العام منذ إعلانها قائمة الترشيحات في كانون الثاني الماضي، وربما يعطينا غياب فيلم "نابليون" ومخرجه الأعجوبة "ريدلي سكوت" عن دائرة الأوسكار، إشارات "غير مباشرة" لمعايير ومقاييس الربح والخسارة، في ظل فوز أفلام وأشخاص على مقاس "باربي" و"كائنات مسكينة" و"غودزيلا ناقص واحد"!      

         

حضور لافت لأشكال التضامن مع غزة

وكما حصل في مهرجانات سينمائية دولية سابقة، كمهرجان "كان" والبندقية وبرلين، كانت غزة حاضرة في حفل الأوسكار من خلال صور التضامن داخل صالة الحفل وخارجها. إذ ارتدت مغنية البوب الأميركية بيلي إيليش دبوساً ذا لون أحمر يحمل شعاراً يدعو إلى وقف الحرب على غزة. كما وصل الممثل الأميركي المصري الأصل، رامي يوسف، إلى حفل جوائز الأوسكار مرتدياً شعاراً يدعو إلى وقف الحرب على غزة أيضاً. ويجسد رامي أحد أدوار البطولة في فيلم "كائنات مسكينة".

وبالقرب من مسرح "دولبي" في لوس أنجلوس، الذي شهد فعاليات حفل توزيع جوائز الأوسكار 96؛ عرقلت حركة المرور نتيجة احتجاجات نُظّمها المئات تنديداً بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال.