تقدير إسرائيلي رسمي للأوضاع في المنطقة

2019.10.04 | 19:42 دمشق

aman.jpg
+A
حجم الخط
-A

على عكس ما يعتقد كثيرون فإن الجهاز الأمني الأهم في إسرائيل هو الاستخبارات العسكرية "أمان" وليست الاستخبارات الخارجية الموساد، رغم أن هذا الأخير أكثر شهرة عربياً ودولياً بشكل عام.

إسرائيل دولة فريدة بالمعنى السلبي طبعاً دون دستور دون حدود دولة، لا تملك جيشا كما هو المعتاد والطبيعي، وإنما الجيش هو من يملك الدولة ويتحكم بقراراتها. وفي هذا الصدد يلعب جهاز الاستخبارات العسكرية الدور الأهم، ويوصف في إسرائيل بأنه المقدر القومي أي أنه يضع التقديرات أمام الحكومة والمؤسسة السياسية التي لا تملك ولا تستطيع رفضها، خاصة مع العدد الكبير من الجنرالات الذين تولوا المنصب السياسي الأهم أي رئاسة الوزراء.

إذن جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" هو مَن يضع الخطط التقديرات في الجيش والدولة العبرية بشكل عام، وتعتبر شعبة الأبحاث بمثابة عقل الجهاز الذي تصب فيه كل المعلومات والمعطيات من الأقسام المختلفة، والذي يصيغ ويضع التقديرات الدراسات والأبحاث على طاولة الحكومة والمجلس الوزاري الأمني الذي يقول عادة نعم للعسكريين. كما رأينا طوال عمر الدولة العبرية – غير المديد بإذن الله - وكما شاهدنا في الأسابيع الأخيرة، حيث تحفظ الجيش على قرارات سياسية كبرى لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مثل التفكير بضم غور الأردن أو إطلاق عملية عسكرية واسعة ضد غزة، قرارات اعتبرتها الأجهزة الأمنية والعسكرية مسيّسة ومتهورة اتخذت دون نقاش وبحث معمق لإبعادها وتداعيتها المختلفة، دون التحفظ طبعاً على المبدأ في دولة قائمة أصلاً على حدّ السيف حسب التعبير الشهير لموشيه دايان.

إذن جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" هو مَن يضع الخطط التقديرات في الجيش والدولة العبرية بشكل عام، وتعتبر شعبة الأبحاث بمثابة عقل الجهاز الذي تصب فيه كل المعلومات والمعطيات من الأقسام المختلفة

مسؤول شعبة الأبحاث الجنرال درور شالوم أدلى بحديث مهم جداً الأسبوع الماضي لصحيفة إسرائيل اليوم – الأحد 29 أيلول – بمناسبة ما تسمى رأس السنة العبرية. عرض من خلاله تقديرات الجهاز للأوضاع في فلسطين سوريا والمنطقة بشكل عام، هو لم يكشف أسرار لافتة أو صادمة، إلا أنه عرض الخطوط العامة لتقديرات جهازه التي يتم ترجمتها عبر سياسات وممارسات ووقائع على الأرض نراها ونلمسها في الساحات والملفات التي تحدث عنها.

الساحة الأكثر سخونة والقابلة للانفجار في أي وقت حسب تعبير الجنرال الإسرائيلي هي غزة والتقدير الرسمي كما قال هو السعي لرفع غزة فوق مستوى المجاري -الصرف الصحي- حسب التعبير القاسي المحزن للجنرال الذي اعتبر الملف برمته مدنيا اقتصاديا إنسانيا - لا سياسيا، ولا حتى أمنيا بالمعنى الصريح والمباشر -  مشيراً إلى أنه يؤيد التوصل إلى هدنة طويلة - سماها ترتيب مع حماس تبدو الحركة منفتحة ومستعدة له – أما الموقف أو التقدير الأهم برأي شالوم وشعبته وجهازه  فيتمثل في أن أي حرب  متوقعة ستنتهي عند النقطة التي نقف عندها حالياً، وأن أي احتمالات أخرى بما في ذلك إسقاط حماس ستؤدي إلى ظهور صومال آخر في غزة، وبثمن إسرائيلي كبير اقتصادياً وبشرياً مع تدمير هائل لغزة، لا تبدو البيئة الإقليمية والدولية مهيأة أو مستعدة لقبوله، ولا حتى البيئة الداخلية الإسرائيلية نفسها.

الجنرال في جيش الاحتلال تحدث باختصار عن الضفة معتبراً أن نهج الرئيس محمود عباس واستمرار التنسيق الأمني هو الأهم، وغيابه يمثل خطورة أكثر حتى من اندلاع انتفاضة جديدة، لا يرى أو يلمس بوادرها بادية في الأفق لأسباب سياسية اقتصادية وأمنية.

في سوريا بدت الصورة التي رسمها الجنرال الإسرائيلى معقدة أكثر مع تداخل قوى الاحتلال، هو تحدث عما سماه مثلث روسيا –إيران- نظام الأسد والمناورة الإسرائيلية بينهم بنجاح حسب تعبيره ثم تناول كل منهم على حدة بتفصيل أكثر.

إذن اعتبر شالوم أن الدولة العبرية ناورت بنجاح بين أضلاع المثلث مستغلةً الخلافات أو تضارب المصالح بينهم، وعندما فصل أو شرح أكثر قال إن ثمة حوار ناعم مع روسيا التي تعرف قدرة تل أبيب على الإيذاء وإلحاق الضرر بها وبمصالحها، قاصداً طبعاً بقاء نظام الأسد خالصاً إلى تقدير مفاده قبول الاحتلال الروسي بحرية الحركة للاحتلال الإسرائيلي طالما أنه لا يتعرض مباشرة لها ولأداتها بشار الأسد.

في سوريا بدت الصورة التي رسمها الجنرال الإسرائيلى معقدة أكثر مع تداخل قوى الاحتلال، هو تحدث عما سماه مثلث روسيا –إيران- نظام الأسد والمناورة الإسرائيلية بينهم بنجاح حسب تعبيره

في البعد الإيراني توسع درور شالوم أكثر مؤكداً على أن إسرائيل منعت تموضع إيران أو إقامة قواعد لها أو نشر منظومات، أو حتى نقل أسلحة مخلة بالتوازن، مشيراً إلى أن إيران قد تواصل المحاولات حتى مع تلقيها الضربات، لكنه أشار إلى نقطة مهمة ترد كثيراً فى الإعلام الإسرائيلي مفادها أن قاسم سليماني يخفي إخفاقاته عن القيادة في طهران كما تعثرت مساعيه في سوريا، رغم الخسائر الباهظة مادياً وبشرياً.

في السياق الإيراني قدم مسؤول آخر في الشعبة شروحات إضافية، الجنرال ش وهو مسؤول الملف الإيراني في الشعبة حسب تعريف ـ"موقع واللا" اعتبر أن الوضع الاقتصادي في إيران كارثي بمعزل عن العقوبات الأمريكية، فى ظل هيمنة الحرس الثوري تقريباً على نصف الاقتصاد، متحدثاً عن تناقضات، ومتوقعاً انفجاراً شعبياً دون تحديد توقيت معين له، أي دون تحديد المسافة بين الإحباط والانفجار حسب تعبيره.

أما بالنسبة للأسد فقد تحدث مسؤول شعبة الأبحاث نفسه -درور شالوم- عنه باستخفاف وبشكل هامشي واصفاً إياه بالمكبّل، وأنه غير راض عما تفعله إيران، خاصة شرق دير الزور، مع الانتباه إلى أن تل أبيب تتعاطى مع النظام عادة، وكأنه جزء من العلاقة مع الاحتلال الروسي، أو رب البيت كما يوصف في الإعلام الإسرائيلي.

شالوم تحدث باقتضاب أيضاً عن لبنان ناظراً إليه من الزاوية السورية، مؤكداً أن لا صواريخ دقيقة لدى حزب الله، وأن مهمة جيش الاحتلال خلال أي حرب محتملة، تتمثل بمنع نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، مع تذكر القاعدة الإسرائيلية الجديدة باعتبار الحرب مع الدولة اللبنانية وليس مع الحزب فقط.

شالوم تحدث باقتضاب أيضاً عن لبنان ناظراً إليه من الزاوية السورية، مؤكداً أن لا صواريخ دقيقة لدى حزب الله، وأن مهمة جيش الاحتلال خلال أي حرب محتملة، تتمثل بمنع نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان

في ختام حديثه قدم مسؤول شعبة الأبحاث بجيش الإحتلال، تقديراً مهماً ولافتاً للتطورات في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد الثورات المضادة وتمكن الفلول من السلطة، قال بالحرف أن الاستبداد عاد ولو بأشكال مختلفة لكن دون أن يجلب الاستقرار، أو يحقق إنجارات اقتصادية لافتة، وهذه العبارة أي عدم الاستقرار تكررت عند الحديث عن الأنظمة العربية بشكل عام.

عموماً يطغى التبجح دائماً على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين فى هذه المناسبة، مع حالة الاسترخاء وزوال ما يصفونها بالأخطار الوجودية عن الدولة العبرية، إلا أن هذا الجنرال -درور شالوم- تحدث ببرود وواقعية، والرد المناسب عليه يأتي بالضرورة من خلال تبني تقديرات وسياسات مناقضة، ففي السياق الفلسطيني مثلاً لا بد من إنهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات المصالحة، لرفع الحصار عن غزة وخوض مقاومة شعبية سلمية علنية في الضفة الغربية، حتى بوجود التنسيق الأمني البغيض، أما سورياً فلا إسرائيل ولا إيران ولا روسيا يملكون الشرعية للوجود والبقاء فى سوريا، هؤلاء جلبهم بشار الأسد للحفاظ على نظامه فى السلطة ولو صورياً، والحل يكمن بالتأكيد في تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره، حسب المواثيق والقرارات الدولية خاصة قرار 2254 وإعلان جنيف نصاً وروحاً، مع التمسك بقاعدة أو حقيقة أنه لا إمكانية لحل عادل شامل ودائم في ظل وجود الأسد، وعربياً فلا مستقبل بالتأكيد لأنظمة الاستبداد الفاشلة، أنظمة الفلول الجدد، وعربة الثورة ستعود حتماً إلى سكتها الصحيحة، ببساطة القصة مسألة وقت فقط لأن لا إمكانية للوقوف أمام حركة التاريخ أو إعادته إلى الوراء .