تعليم السوريين في تركيا ملاحظات ومقترحات

2021.01.23 | 00:02 دمشق

112016716481687.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعاني الأطفال داخل سوريا من تردّي التعليم، فضلاً عن غياب البنية التحتية التي تجعل تلك العملية ممكنة. لقد تم تهجير عدد كبير من المعلمين، واعتقل بعضهم، في خضم الاضطراب والحرب الوحشية التي يشنّها النظام على المدنيين، ويفلت شبيحته ما يجعل الأمان منعدماً في المناطق التي يسيطر عليها.

إن حرمان الطلاب من التعليم يوازي حرمانهم من المستقبل أي من الحياة الكريمة. ومن حق كل طفل التعلم حتى أثناء الحروب والصراعات المسلحة. ولأننا لا نستطيع تقييم العملية التعليمية ولا تقويمها في ظل العصابة الحاكمة في الداخل، فإن واجبنا يحتّم علينا التفكّر بتعليم الأطفال في المناطق المحررة، وفي دول اللجوء التي يعيش فيها السوريون، وبخاصة دول الجوار، ونقصد بها تركيا التي فتحت أبوابها للسوريين الهاربين من أتون الحرب.

تبرز الحاجة إلى عدد إضافي من المدارس التركية للطلاب للسوريين نتيجة وجود الاّلاف من الطلاب الذين هم خارج العملية التعليمية

واعتماداً على القانون الدولي وحقوق الإنسان اللذين يضمنان حق وواجب التعلم للجميع، وانطلاقاً من دعم الدولة في تركية للحالة التعليمية للسوريين؛ نقدّم بعض المقترحات التي تساعد على تقدّم التعليم لأطفال سوريا في تركيا؛ كالعمل على إنجاز قاعدة بيانات لمعرفة أعداد الأطفال في سن التعليم، في المراحل المختلفة، ليتم التخطيط للاحتياجات من مدارس ومدرسين واستيعاب كل مرحلة من المراحل التعليمية؛ وإنشاء قاعدة بيانات للمعلمين والاختصاصيين وذوي الخبرات التعليمية، تشمل كل ما يتعلق بشهاداتهم وخبراتهم وعدد أفراد أسرتهم وأماكن توزعهم السكني في الولايات التركية.

وهنا تبرز الحاجة إلى عدد إضافي من المدارس التركية للطلاب للسوريين نتيجة وجود الآلاف من الطلاب الذين هم خارج العملية التعليمية.

كما نحتاج إلى فتح صفوف أو مراكز تعمل على جسر الفجوة التعليمية لكثير من الأطفال الذين لم يتلقوا تعليماً لأكثر من سنة في مختلف المراحل (الابتدائية والمتوسطة والثانوية) ويمكن إنجاز التعليم الترميمي في الفترة الصيفية، ويغدو الآن الأمر أسهل مع الاضطرار إلى التعليم عن بعد بوجود جائحة كورونا.

وكي تنجح عملية الدمج في المجتمع التركي، لا بد من التركيز على الدعم النفسيّ في المدارس لجميع المراحل بإشراف ومتابعة صارمة من قبل متخصّصين في هذا المجال، وبخطة عمل معتمدة على أسس علميّة تحت إشراف اليونسيف المباشر والبعد عن الارتجال والنفعية في هذا المجال المهم. ويستحسن الاهتمام بالنشاطات الرياضية والفنية من رسم وموسيقى واعتبارها من المواد الأساسية للتلاميذ.

ومن الضروري استيعاب الأطفال السوريين في رياض الأطفال قبل دخولهم الصف الأول، لتعلّم اللغة التركية والتعرف على الأنظمة وأهم السلوكيات في المجتمع التركي، ليُصار إلى إدماجهم في الصف الأول بالمدارس التركية بشكل سلس. وما يساعد على ذلك، إقامة رحلات كشفية مختلطة لتلاميذ الصفوف الأولى الابتدائية للتعارف الاجتماعي ضمن أنشطة فنية واجتماعية متنوعة.

هذا بالتزامن مع إحداث برامج توعية ودعم للعائلات السورية، وتعليمهم اللغة التركية، لأن جهل الأسرة باللغة يجعلها تعاني من عملية دمج أطفالها وتعلمهم باللغة التركية.

وكي يكون الاندماج ناجحاً، فإنه يتطلّب وجود نشاطات اجتماعية مشتركة تحبب الأطفال الأتراك وعائلاتهم بقبول التلاميذ السوريين معهم، لأنه تبين وجود حالة رفض وعدم تقبل عند قسم من العائلات التركية.

ولا شيء يمنع من إقامة مجلس تعليمي في كل ولاية من ذوي الخبرة، يرسم مسيرة التربية والتعليم ومتابعة تنفيذ سير العملية التعليمية والتنسيق مع الجانب التركي واليونيسف في كل ما يخص التعليم؛ بما في ذلك إقامة دورات للمعلمين، تمكّنهم تربوياً وعلمياً، وتبحث في مشكلات التعليم الواقعية في تركيا، وتحرص على إيجاد الحلول المناسبة لها.

كما أن الاهتمام بالوضع المالي للمعلم السوري مهم ما يجعل راتبه الشهري يوازي مستوى المعيشة المرتفع باطّراد.

وليس من قبيل الترف إقامة دائرة خاصة للارتباط والتنسيق بين المدارس السورية والتربية التركية، أساسها تذليل الصعوبات، وتوجيه مسار تعليم الطلاب، ودفع المدارس للعمل وفقاً لمعايير سليمة، تقوم على الاحترام المتبادل.

أزمات التلاميذ هي مسؤولية مجتمع الكبار، بالدرجة الأولى، ولكنّ الحل لا يكون بأن نرسم لهم ما نريده نحن، بل بأن نقدّم لهم مفاتيح صحيحة لفهم العالم والتعامل مع

كذلك ينبغي إظهار الاحترام للتلاميذ من أجل إعدادهم الإعداد الصحيح للمستقبل، إذ يجب الاهتمام بالمشكلات التي يتعرض لها التلميذ، ومساعدته على حلها، ما يساعد على استقامة العمل التعليمي ورفع مستواه.

إن أزمات التلاميذ هي مسؤولية مجتمع الكبار، بالدرجة الأولى، ولكنّ الحل لا يكون بأن نرسم لهم ما نريده نحن، بل بأن نقدّم لهم مفاتيح صحيحة لفهم العالم والتعامل معه، وبأن ندرّبهم على أسلوب التفكير الحرّ الذي يستطيع أن يستوعب المشكلات ويستنبط الحلول اللازمة لها.

وبغير ذلك لا نستطيع وصف الشباب المشاغب أو المتمرّد، بالانحلال، ولن يحقّ لنا اتّهامه بالفساد، لأنّه - بطريقة أو بأخرى - يحاول أن يفرّغ شحناته وطاقاته الهائلة بطرائقه الخاصة، ما دمنا لا نساعده نحن على ذلك ولا نتيح له الفرصة ليكون فاعلاً في مجتمعه. إنّ التغريب والاغتراب والصراع النفسي، أمور نزجّ بها نحن في طريق الشباب حين لا نمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم بوسائل مشروعة، فيها كثير من الحب، وقليل من الحزم اللازم للضبط الاجتماعي.