ترامب والنزعة التسلطية

2020.12.24 | 23:19 دمشق

2020-12-23t213931z_82906_rc29tk9egsct_rtrmadp_3_usa-trump.jpg
+A
حجم الخط
-A

من دون شك، فإن ترامب يملك نزوعا سلطويا ظاهرا في تصريحاته وتصرفاته والأهم بعض سياساته وأفكاره، لكن ما حد من ظهور هذه النزعة ومنع تأثيرها على الحياة السياسية الأميركية هو قوة المؤسسات الأميركية التي لم تفك عن عملها حتى في أشد لحظات الاتحاد الأميركي حلكة وهي سنوات الحرب الأهلية التي لم تمنع الولايات المتحدة من عقد انتخاباتها في موعدها الدوري، ولذلك يأخذ الأميركيون هذه الانتخابات بكثير من الجدية والفخر بالوقت نفسه.

يدور جدل كبير بين علماء السياسة الأميركيين اليوم حول مدى قوة المؤسسات الأميركية وصمودها أمام النزعة الشعبوية التي أوصلت ترامب إلى سدة الرئاسة، ويحضر السؤال بقوة عند فحص ما يسمى قدرة السلطات الثلاث في المحافظة على توازنها ، أو ما يسمى "Checks and Balances” .

فالديمقراطية الأميركية التي تعتبر بحق أقدم ديمقراطية قائمة ومستمرة في عالمنا المعاصر تعرضت خلال سنوات ترامب لامتحان حقيقي فقد شكل وجوده بالنسبة للكثيرين تهديداً للتوازن بين هذه السلطات، وهذا التهديد تراوح من الاستخفاف بدور المؤسسة القضائية أو حتى إهانة بعض القضاة الفيدراليين بسبب إصدار بعض الأحكام ضده أو الاستخفاف بالمؤسسات الاستخبارية ودورها إلى الاتهام المباشر لوسائل الإعلام بأنها عدو الشعب الأميركي كما اتهامه المعارضة الديمقراطية بالخيانة وغير ذلك من التصريحات الصادمة التي لم يسبق لرئيس أميركي أن استخدمها ضد حزب معارض له.

الديمقراطية الأميركية التي تعتبر بحق أقدم ديمقراطية قائمة ومستمرة في عالمنا المعاصر تعرضت خلال سنوات ترامب لامتحان حقيقي

لقد تجاوز ترامب كثيرا من القواعد الأدبية والأخلاقية التي سبقه بها المرشحون إلى سباق البيت الأبيض، أولها الكشف عن سجله الضريبي كي لا يكون هناك أي تضارب في المصالح بين موقعه الذي سوف يتبوأه وبين أعماله السابقة، وقد رفض القيام بذلك خلال الحملة الانتخابية وحتى بعد فوزه بالرئاسة، كما استخدم لغة عنصرية تجاه الأميركيين من أصل لاتيني والمسلمين والنساء وغيرهم، ورغم ذلك كله تمكن من الفوز.

ولذلك يحضر في أذهان علماء السياسة الأميركيين اليوم الكثير من الأمثلة عن الصعود الشعبوي للقادة ومن ثم تغيير قواعد اللعب للاستمرار في الحكم لفترات غير محدودة، والسؤال هنا هو مدى قدرة المؤسسات الأميركية على المقاومة ومنع ترامب من تغيير هذه القواعد التي هي فخر الديمقراطية الأميركية.

يعتبر المفكر دارين أسيموغلو صاحب كتاب "لماذا تنهار الأمم" أن المؤسسات الأميركية الحديثة ليست مستعدة لمقاومة صعود رجل قوي وشعبوي مثل ترامب، كما أن الضوابط والتوازنات الأميركية ليست قوية كما يعتقد الأميركيون"، أما فوكوياما صاحب كتاب نهاية التاريخ، فيعتقد أنه من الصعب جداً على ترامب السيطرة على الحزب الجمهوري رغم أنه فاز بترشيحه للرئاسة كما أنه سيعاني صعوبات هائلة في السيطرة على السلطة التنفيذية، فإنه يحتاج إلى كمية كبيرة من المهارة والخبرة لتدجين البيروقراطية الأميركية الهائلة. صحيح أن الولايات المتحدة لديها عدد أكبر بكثير من التعيينات السياسية من الديمقراطيات الأخرى. لكن ترامب لا يأتي إلى المكتب مع كادر كبير من أنصاره كونه لم يخدم في الحياة الحزبية أو السياسية من قبل وربما سيعتمد على شبكته من رجال الأعمال الذين شاركوه في إدارة شركاته العائلية.

كما يؤكد فوكويا أن النظام الفيدرالي الأميركي سيعيق الكثير من طموحات ترامب. فهذا النظام وكما صممه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة قصدوا منه بشكل كبير توزيع السلطة وتفتتيها لمنع صعود الرجل القوي بشكل مطلق، وبالتالي هو مصمم بشكل رئيسي لتفتيت السلطة المركزية بحيث لا تستطيع واشنطن السيطرة على جدول الأعمال بشأن الكثير من القضايا.

وفي نهاية المطاف، فإن قدرة ترامب على الاختراق وتجاوز القيود المؤسسية تأتي من طبيعة الطبقة السياسية التي ستتعامل معه، وعلى وجه الخصوص من الدعم الذي سيحصل عليه من جمهوريين آخرين. فهو يريد ترهيب أعضاء حزبه الجمهوري كي يبقوا ضمن بيت الطاعة بغض النظر عما يقوله أو يفعله، وهو من الصعب على الكثير من الجمهوريين التقليديين القبول بذلك.

لكن السؤال الآن بعد خسارته الانتخابات وعدم قبوله بالنتائج ورفض عدد كبير من قيادات الحزب الجمهوري الاعتراف بالنتيجة الانتخابية رغم أن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ اعترف وهنأ بايدن بالرئاسة لكن ترامب ما زال يحتفظ بتأثير ضخم داخل الحزب الجمهوري حيث ترتفع شعبيته إلى ما يفوق 90 بالمئة وهو ما يضع سؤالا حول مستقبل الحزب الجمهوري ودوره في المستقبل.

متابعة السياسة الأميركية اليوم ربما تكون أكثر تشويقا أكثر من أي وقت مضى، فالكثير من القيود والقواعد لم تكن تنطبق على الديمقراطية الأميركية، لكن مع صعود ترامب تحتاج هذه المؤسسات إلى إظهار قوتها في الصمود ضد موجة الشعبوية التي تهدف إلى تدميرها.