تحولات الثورة.. حين صارت الوسيلة غاية

2022.08.31 | 07:07 دمشق

تحولات الثورة.. حين صارت الوسيلة غاية
+A
حجم الخط
-A

لو أجرينا استطلاعاً للرأي في ما يسمى بالمناطق المحررة، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن هدف الثورة أو غايتها، كأن نطرح مثلاً السؤال التالي: ما هدف الثورة؟ لخرجنا بنتيجة صادمة حقاً، إذ قد تتجاوز نسبة من سيقولون إن غاية الثورة هي إسقاط النظام السبعين في المئة، في حين سوف يقول أقل من عشرين بالمئة إن هدف الثورة هو إقامة دولة قائمة على العدل والحرية، وقد لا يجد كثيرون إجابة مناسبة لهذا السؤال، فهم، وحسب معطيات واقعية، لا يعلمون أصلاً لماذا قامت الثورة، بل وجدوا أنفسهم منساقين فيها، بدافع الحماسة، أو لأسباب طائفية، وهذا كله قد يكون طبيعياً، فقد تم التلاعب وعلى مدى سنوات، ربما بداية من العام ٢٠١٣ في غاية الثورة، وتحولت وسيلتها إلى غاية، حتى على ألسنة من يفترض أنهم منظّرون ومثقفون.

أطلق السوريون على ثورتهم في أشهرها الأولى، تسمية ثورة الكرامة والحرية بطبيعة الحال، وإن يكن شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” قد طغى على ما سواه، وهو بالمناسبة شعار مستورد من ثورتي تونس ومصر، وقد رفعه المتظاهرون في مختلف دول الربيع العربي. لكن ذلك الهتاف الحماسي، الذي أحببناه كثيراً، هو وسيلة، ولم يكن غاية بحد ذاته، ولعل تحول الوسيلة إلى غاية، وإن كان عفوياً، إلا أنه سوف يكون أحد أسباب تبدد الثورة، ثم وصولها إلى ما وصلت إليه.

عام ٢٠١٢ كانت الثورة متوقدة، وكان هدفها واضحاً أمامها، شعاراتها أيضاً كانت واضحة جداً، رغم بعض التسميات الغريبة التي طرأت على مشهدها

والآن فلنعد إلى ما يسمى بالمناطق “المحررة” والتي يعتبر القائمون على الأمور فيها، أنها فعلاً مناطق حرة، وغير خاضعة لسيطرة النظام، الذي أسقط هناك، والحقيقة أن الأمر يبدو صحيحاً من الناحية النظرية، لكن لا يمكن أن نعتبرها مناطق حققت أي شيء من أهداف الثورة، بل هي اكتفت باعتبار الوسيلة غاية، وما دامت تحققت الوسيلة، فلا لزوم لتحقيق الغاية، ويمكن رصد كمية “الاستبداد” الموجودة في تلك المناطق، فأنت قادر حقاً على لعن نظام دمشق الذي لا تخضع لسلطته، وهذا الأمر يجد فيه الكثيرون انتصاراً، بل ويتفاخرون به، غير أنك لا تستطيع الحديث عن صحافة حرة هناك أبداً، ولا عن حرية رأي، ولا نستطيع، بالمحصلة، العثور على أي ملمح من ملامح التغيير عما عهدناه من استبداد وفساد، بل إنها، المناطق المحررة، تشبه مناطق سيطرة النظام، حتى في صيغة القرارات الإدارية، واستطراداً، حتى في مناهجها التعليمية، ولن يكون بإمكاننا، والحالة هذه، رصد أي أثر من آثار الثورة فيها، لذلك فلن يكون مستغرباً أن نرى مظاهرات رافضة لواقع الحال، ومطالبة بالثورة عليه، بل ولم يعد مستغرباً أبداً، أن تطالعنا الأخبار بقصص عن فساد عناصر الشرطة، وسرقات يقوم بها مسؤولون، وتفشي الواسطة والمحسوبية. ويمكننا رصد الأمر ذاته، في مناطق شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.

حولت سوريا إلى ملعب واسع للاعبين كثر، كلهم يريدون إسقاط النظام، لكن أهدافهم لا تتلاقى أبداً مع الهدف الأساسي للثورة “الحرية” و“الكرامة”

عام ٢٠١٢ كانت الثورة متوقدة، وكان هدفها واضحاً أمامها، شعاراتها أيضاً كانت واضحة جداً، رغم بعض التسميات الغريبة التي طرأت على مشهدها، إلا أن شارعها الثوري كان ما زال متماسكاً، وقد تساقط شهداؤها دفاعاً عن فكرة الحرية، ولم يكن السوريون وقتها ينظرون إلى دين أو قومية، رفعوا على أكتافهم صور مشعل التمو و باسل الشحادة، وساروا خلف فدوى سليمان، واستقبلوا فارس الحلو، ومنتهى الأطرش، وصلوا خلف الشيخ أحمد الصياصنة، والأب باولو، كل شيء كان واضحاً، ثورة تسعى للحرية، مروراً بإسقاط النظام... لكن بعد ذلك تدحرجت الكرة مبتعدة عن أقدام اللاعبين السوريين، وتحولت سوريا إلى ملعب واسع للاعبين كثر، كلهم يريدون إسقاط النظام، لكن أهدافهم لا تتلاقى أبداً مع الهدف الأساسي للثورة “الحرية” و“الكرامة” لهذا فلن يكون مستغرباً، أن يتقدم الصفوف تنظيم جهادي متطرف، ليعلن بكل بساطة أنه جاء لإسقاط النظام، ولن يكون مستغرباً أيضاً أن يعلن ناشطون سوريون يساريون أنهم لا يمانعون وجود مثل تلك التنظيمات، ما دام هدفها إسقاط النظام، هكذا حرفياً، وسوف يؤدي هذا الخلط المتعمد، في كثير من الأحيان، إلى ضياع بوصلة “الثورة” وتحوّلها هي نفسها إلى وسيلة لكل من هبّ ودبّ، حتى أولئك الذين يعترضون على فكرة الحرية أصلاً، ويعتبرون الديمقراطية وحقوق الإنسان رجساً من عمل الغرب الكافر.

وإن كان هذا الكلام، يبدو متأخراً جداً، فقد وقع الفأس في الرأس، كما يقال، إلا أننا ما زلنا، شئنا أم أبينا مرتبطين بالثورة، وتداعياتها، رغم أنها تفلّتت من أيدينا منذ زمن بعيد، وصارت تدار من غرف عمليات هنا وهناك.

والآن ما هي غاية الثورة، هل هي حقاً إسقاط النظام؟