تحرير فلسطين من الإثم الألماني ومعاداة السامية

2024.01.08 | 06:18 دمشق

تحرير" فلسطين من الاثم الألماني .. ومعاداة السامية
+A
حجم الخط
-A

بعد أيام من العدوان الإسرائيلي على غزة ومقتل مئات الفلسطينيين نصفهم أطفال اعتصمت مجموعة من الشباب الألماني والفلسطيني والعربي أمام مركز حكومي وسط العاصمة الألمانية برلين ورددوا هتافات تطالب الحكومة الألمانية بإنصاف الشعب الفلسطيني واتخاذ موقف عادل بدل الانحياز المستمر لإسرائيل، الأمر الذي كان يشجع الأخيرة دوما على ارتكاب مزيد من جرائم الحرب بحق المدنيين الفلسطينيين.

من بين تلك الهتافات التي رددها الشباب المعتصمون: "حرروا فلسطين من الإثم الألماني" وهو هتاف يكشف معضلة تاريخية ما تزال تنهش ضمير الألمان وتؤجج مشاعرهم ألا وهي المحرقة وجرائم الحرب النازية بحق اليهود الألمان والبولونيبن والغجر (وكذلك المغاربة) والقصد من الهتاف أن فلسطين لا ذنب لها لتدفع ثمن ما ارتكبه الألمان النازيون قبل ثمانين عاما كلما كان على المانيا أن تتخذ موقفاً تجاه أحداث فلسطين، فإذ بها -أي ألمانيا- وعلى خلفية المحرقة تقف مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة.. فلم يحدث أن وقفت ألمانيا مع الحق الفلسطيني إلا في حال وقفت معه كل من أميركا وأوروبا.

وفي سياق الاستنفار الدبلوماسي الغربي إثر السابع من أكتوبر وبعد زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى تل ابيب سارع المستشار الألماني إلى زيارتها بعد يومين من زيارة وزيرة خارجيته إليها وبدا المستشار برفقة نتنياهو كما لو أنه بحسب البعض يقوم بمراسم حج مقدس بوجهه الشاحب مطأطىء الرأس.. وهو مشهد ليس بالغريب عن السياسيين الأوروبيين وخصوصا الألمان منهم الذين يقادون إلى إسرائيل قسراً باعتبارهم حاملي وزر آبائهم وأجدادهم الألمان وَرثَة إثم النازية التي قتلت يهود ألمانيا وبولونيا، وزراً يجعل كل ألماني نموذجي متشرباً للإثم ومنقاداً لدفع الثمن عن طيب خاطر علّه بذلك يخفف اللعنات عن أرواح أجداده النازيين، كما يقادون إليها تبعا لمصالح مشتركة، فالسياسة الألمانية صممت بطريقة لا تتعارض أبدا مع مصالح إسرائيل أو مع مصالح الطبقة المالية الحاكمة لألمانيا، بل يمكن في بعض الحالات أو عند الطلب أن تخدم مصالح الجهتين.. حتى لو كان ذلك على حساب مصالح ألمانيا..

 ‏فكل ألماني يولد في ألمانيا ويتعلم في مدارسها سينتقل إليه هذا الشعور بالإثم ويشعر بالعار من كونه ألمانياً، فالمناهج المدرسية والجامعية ووسائل الإعلام والكتب والمجلات كلها تريد من الألماني أن يطأطىء رأسه كلما سمع كلمة يهودي أو إسرائيلي. لكن لا تفعل تلك المناهج ووسائل الإعلام الألمانية الأمر عينه تجاه مجموعة عرقية في ناميبيا .. ارتكب الألمان سنة 1905 مجزرة بحقها استمرت لسنوات انتهت إلى إبادة ستين بالمئة من تلك المجموعة .

"العداء للسامية" يستخدم للاعتداء على الفلسطينيين

كل كلمة أو عبارة يُشتم منها موقف معادٍ لإسرائيل أو حتى للصهيونية تدخل نطاق العداء السلمية.. هذه التهمة التي صار طيفها واسعا في السنوات الأخيرة .

الأنكى من ذلك يستخدم مصطلح العداء للسامية في التغطية على ارتكاب مجازر متوالية ضد الفلسطينيين وفي منع انتقاد ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين .

ولو افترضنا أن متضامنا مع فلسطين يعيش في ألمانيا وفرنسا أوقف شخصا في الشارع وطلب منه تصفح بعض الصور عن أطفال فلسطين الذين قتلهم القصف الإسرائيلي أو الشرطة الإسرائيلية فهو سيعتبر بحسب الإعلام الألماني معادياً للسامية.. بل إنك لمجرد رفع علم فلسطين أو عرض صور في الشارع عن فلسطين والأطفال الفلسطينيين الضحايا ستكون معاديا للسامية، وهو أمر يعد في فرنسا اتهاماً أخطر بكثير من الاعتداء على علمانية الدولة..

ما هي السامية ؟!! ومن يعتدي عليها؟

كنت كتبت قبل سنوات في المحاججة مع من يستخدمون مصطلح السامية لتبرير كل جرائم إسرائيل ولتبرير كل دفاع عنها بإجراء بسيط وهو أن يثبتوا أن الإسرائيليين هم ساميون.. كيف ذلك وهذه البدعة تستند إلى خرافات من القرون الوسطى ليس لها أي دليل أو قرائن من التاريخ أو علم الآثار أو الواقع.

فخرافة السامي والآري والحامي تنتمي إلى الماضي وليس لها أي مكان في الدوائر العلمية الرصينة في أميركا على الأقل .. ولو أردنا التثبت من عرقية إنسان ما في هذا الزمن لما تطلب الأمر أكثر من شكة دبوس في إصبع وإرسال عينة من دمه إلى مختبر في الولايات المتحدة لإجراء فحص DNA، يمكن القول بل الجزم بناء على ملايين الفحوصات السابقة تبين أن عرب المشرق على سبيل المثال يعودون إلى سلالات مشتركة وهذا ما يمكن قوله بالضبط عن اليهود العرب.. أما بالنسبة للإسرائيليين الاشكناز فلن تختلف أصولهم عن أصول أي أوروبي.

المهم في هذه المسألة أن ما يسمى "سام وحام" وسواهما من شخصيات الكتاب المقدس ليس لهم أي اعتبار ووجود في هذه المسألة العلمية الدقيقة.. ما يؤكد أن فكرة السامية والآرية ليست سوى بدعة استعمارية اخترعها "علماء"-هم في حقيقتهم مثقفون دينيون أو متعصبون قوميون معظمهم ألمان - مستمدة من التوراة تحديدا، لتبرير تصنيف الناس وتفرقتهم وإثبات أن قوما أو جماعة عرقية "تتفوق" على أقوام وجماعات بالعرق أو اللون أو اللغة.. وهو محض افتراء.. فالتفوق ليست مسألة جماعية، بل هي مسألة فردية، يحققه إنسان ما بعمله وبإنجازه وليس بانتمائه الديني أو القبلي أو القومي.