icon
التغطية الحية

تايمز: بوتين رجل مسلح بالنووي وسوريا خير دليل على أن العقوبات لا تكفي وحدها

2022.03.02 | 14:00 دمشق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
تايمز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بالنسبة للسوريين المختبئين من برد الشتاء في مخيمات اللاجئين المنتشرة في عموم أرجاء الشرق الأوسط، يبدو مشهد كييف وخاركيف وهما تقصفان مألوفاً، إلا أن من بقي في سوريا ضمن المناطق التي ماتزال خاضعة لسيطرة نظام الأسد، قد يشاهدون جانباً مختلفاً من الحرب على أوكرانيا، ألا وهو العقوبات الغربية التي تم الإعلان عنها في نهاية الأسبوع الماضي والتي خلقت حالة من الصدمة بالنسبة للاقتصاد الروسي.

إذ ظهرت طوابير طويلة تذكرنا بطوابير الخبز أيام الاتحاد السوفييتي أمام أجهزة الصراف الآلي في موسكو، بعدما تبين بأن تلك العقوبات تستهدف قلب النظام المالي المتمثل بـ640 مليار دولار تم تخزينها على شكل احتياطي من القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي في روسيا، وذلك بدلاً من أن تسعى تلك العقوبات لوقف صادرات روسيا من الغاز. أما عامة الشعب الروسي، شأنه في ذلك شأن عامة الشعب السوري، بل إنه من هذه الناحية أقرب لعامة الشعب البريطاني، قد لا يستوعب التفاصيل الدقيقة لسياسة العملة الورقية وسعر الصرف، ولكن بوسعه أن يحدد الوقت المناسب لاسترجاع نقوده قبل أن يبتلعها الثقب الأسود.

تاريخ طويل من العقوبات

أعلن حلف شمال الأطلسي أنه لن يدخل في حرب مع روسيا من أجل أوكرانيا، لكنه فرض السياسة الأقرب لحالة الحرب، وهذا ما اتضح مرة إثر مرة في سياسته تجاه العراق أيام صدام حسين، وفي سوريا التي شلتها العقوبات الأميركية والأوروبية على مدار عقد كامل من الزمان، وفي إيران عندما مزق الرئيس ترامب الاتفاق النووي في عام 2018، وفي كوريا الشمالية على مدار الفترة التي بوسع الشعب هناك أن يتذكرها. فلدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا اليوم جحافل من الدبلوماسيين والمحامين الذين يقومون بضبط حزم العقوبات بدقة عند فرضها على عمليات الشحن والعملات الأجنبية وبروتوكولات المصارف، وذلك بغية تعديلها حتى تسبب أكبر قدر من الأذى للهدف الذي يسعون إلى مضايقته.

لهذا يخلص السياسيون لهذه العملية التي يتوقف قلة من الناس داخل النظام ليتساءلوا عن مدى نجاح العقوبات التي تفرض بموجبها، بعيداً عن حالة الفقر المدقع التي تتسبب بها لملايين المواطنيين الذين لا يكون لهم أي حول أو قوة عادة ولا حتى أي رأي بشأن السياسات التي يتخذها حكامهم ويمارسونها. ثمة كثير من الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أهم الأحزاب السياسية يتوقفون ليفكروا بتلك الفكرة، ولكن سرعان ما يتم التخلي عن هذه الفئة بوصفها تضم مدافعين عن أنظمة غير مقبولة مثل نظام الأسد أو صدام، والبعض منهم يؤيد تلك الأنظمة بالتأكيد. إلا أن المعاناة المستمرة التي يعيشها السوريون العاديون بعد عشر سنوات من الحرب التي توقفت الآن بعد كل ما اعتراها من نوايا وأغراض، أو الصمود الذي أبداه كيم يونغ أون في استبداده القائم على السلاح النووي داخل كوريا الشمالية، لابد وأن يدفعنا للتوقف برهة للتفكير بهذا الوضع.

ليست مشكلة يسار ضد يمين

ليس الأمر كما يراه البعض أي مجرد يسار يقف ضد يمين، فبعض اليساريين الذين انتقدوا بشدة العقوبات الغربية على العراق ومن ثم على إيران وسوريا، كانوا يتوقون في السابق لفرض تلك العقوبات على جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري في ثمانينيات القرن الماضي. وبالمقابل، فإنه بعد اتباع سياسة الدفاع المشترك التي تبنتها مارغريت تاتشر والتي تقوم على مبدأ: "المشاركة البناءة" وعلى الفكرة القائلة بإن تشديد العقوبات بصورة أكبر يمكن أن يدفع المستوطنين البوير إلى حالة عناد أكبر،  نسي المحافظون في خضم سعيهم لإيلام صدام تلك السياسة بكل هدوء وسلاسة.

غير أن العقوبات لم تدفع صدام للإذعان للغرب ولم تؤد إلى إسقاطه في نهاية المطاف، كما بقي الأسد في منصبه، إذ لأي سبب يمكن للأمور أن تتغير؟ فهو رجل بقي على استعداد لقصف شعبه حتى يخضع له دون أن يتأثر بمشهد طوابير الخبز.

هذا هو الدرس الأول الذي ينبغي علينا أن نطبقه بالنسبة لمعاقبة روسيا تحت حكم بوتين، لأن من يقترح تلك العقوبات ويرى بأنها يمكن أن تؤدي إلى تغيير النظام بصورة تلقائية لن يكون التاريخ في صفه أبداً، إلا إن كانت لدى المرء رؤية تقوم على تفاؤل أكبر بالنسبة للديمقراطية الروسية مقارنة بمعظم المراقبين للمشهد الروسي. فجنوب أفريقيا لم تكن دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، إلا أن الأفارقة كان لهم شيء من الاختيار بالنسبة لحكوماتهم، ولذلك كان بوسعهم أن يفكروا بأمر استمتاعهم بلعبة "الرُّغبي" الدولية أو الكريكت خلال عملية التصويت، أما الروس فليست لديهم فرصة مماثلة في المستقبل القريب.

"إن انسحب عدوك، فافرش طريقه بالذهب"

إلا أن هذا لا يعني بأنه لا مكان للعقوبات بين أسلحة الدبلوماسية، فما ينبغي فعله حيال إيران ونظامها وبرنامجها النووي أصبح من أهم القضايا المتنازع عليها في السياسة الأميركية اليوم، ويعود الفضل في ذلك للرابط العاطفي الذي يجمع بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن، سواء أدعمنا الاتفاق النووي الجديد أم لا، والقوى الأوروبية التي تواجه بوتين اليوم تفعل ذلك بالتأكيد، فقد أثبت استخدام سلاح العقوبات بأنها دافع قوي لقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران وحجب الثقة عنها، وحتى بعيداً عن المشروع النووي، ثمة قيود تفرض على مصارف وأفراد مرتبطين بالحرس الثوري، وهذه القيود قد أضعفت قدرة إيران على تمويل عمليات نقل الصواريخ الموجهة عالية الدقة إلى الميليشيات الحليفة لها في المنطقة، أو أنها قد فعلت ذلك على الأقل، عندما تم الجمع بينها وبين سياسة إسرائيلية أكثر وضوحاً تقوم على قصف القوافل التي تحمل أسلحة في أثناء عبورها إلى سوريا، لذا علينا أن نستبقي هذه الفكرة في الأذهان عندما تبدأ العقوبات بالضغط على روسيا، كما علينا أن نسأل أنفسنا: هل تمثل تلك العقوبات جزءاً من مخطط أوسع يعيق روسيا ويمنعها من استخدام القوة؟ وهل تشبه هذه العقوبات العقوبات التي فرضت على السلاح النووي الإيراني، أي أنها تعمل عمل العصا والجزرة، أو "المطب" الذي يساعد إيران على خفض تصعيد الخطر النووي مع احتفاظها بانتصار محدود؟

هنالك قول مأثور ينسب إلى الحكيم العسكري الصيني "صن تزو" بدأ يتردد في الأيام الأخيرة مع ظهور صور مشوشة لبوتين وهو يجلس أمام طاولته الطويلة والتي أثارت موجة من التساؤل حتى بين أعتى عتاة الحروب حول ما إذا كانت السياسة الغربية القائمة على ردع التشدد يمكن أن تشكل خطراً على مستقبل العالم، إذ ورد في ذلك القول المأثور ما يلي: إن انسحب عدوك، فافرش طريقه بالذهب.

أي إن لم ينجح بوتين عسكرياً في أوكرانيا، فمن المرجح أن يزيد خطره، كما حدث لصدام عقب هزيمته على يد إيران، حيث صار يتساءل ويقول: "ما حاجتنا للعالم إن لم تكن روسيا فيه؟" ولهذا، إن لم تتم عملية إقالته من منصبه، ولا مؤشر يدل على أي عملية بوسعها أن تحقق ذلك، فهذا يعني أن سياسة عقوبات مفصلة خصيصاً من أجل عزله لابد وأن تتحول إلى خطر بلا أي طائل، لذا فإن السياسة التي تتم هندستها حتى تعمل على إعادة تقبل روسيا ضمن المجتمع الدولي هي أفضل بكثير من الإيقاع بشخص مسلح بسلاح نووي وعلى قناعة تامة بأن لروسيا هدف حددته السماء وأفضل بكثير من فكرة حصره ضمن مخبأ خانق.

  المصدر: تايمز