تأثيرات الخلاف الأميركي الروسي على الواقع الكُردي في سوريا

2020.10.09 | 01:06 دمشق

1592812919974691460.jpg
+A
حجم الخط
-A

باشرت روسيا وأميركا، لتوهما، تكرار مساعيهما في سحب الورقة الكُردية لصالح أحدهما ضد الآخر، وتدعيان نُضجاً جديداً هذه المرة، في قضية تعاطيهما مع الكُرد. مساعٍ لو نجحت كما تشتهي الرغبة الكُردية، لكان من شأنه تحويل الحدود الأمنية الهشة -التي فرضتها ظروف الحرب من جهة، ومن جهة ثانية هي الحدود التي ينظر إليها الكُرد على أنها غير رسمية وجزأت حقوقهم وجغرافيتهم، إبان الاتفاقيات الدولية السابقة- إلى حدودٍ سياسية رصينة، ضمن عملية يُمكن أن تُسمى بــــ"تجاوز التحديات المعيقة للتحول السياسي المنشود كُردياً" لكن المخاوف الكُردية من الطرفين لا تزال قائمة.

قابله خطابٌ إعلامي منقسم على ذاته ما بين المنصات العربية التي تنظر للاتفاق بتوجس وقلق، أو الإعلام الكُردي الذي انقسم هو ذاته إلى ثلاث رؤى، متشائم أو واضع للعراقيل عبر الشروط التعجيزية، ومعتدل يطرح القضية ضمن سياقها المعتاد، ومفرط بالتفاؤل والإدعاء بقرب الانتهاء من نتائج الضغوطات الدولية على الكُرد.

في الوقت نفسه، يستشعر الكُرد خطراً وجودياً مزدوجاً، فمن جهة لا استراتيجية أميركية واضحة فيما يخص الوضع السوري عامة، والراهنية التي تعيشها القضية الكُردية خاصة. وتتشارك روسيا في الوضع لجهة أنها تبحث عـما يُرضي النظام السوري، ويخمد نار القوميات المتقدة لدى الكُرد، وما يُرضي تُركيا، وبالمحصلة ما يحمي مصالحها الاقتصادية بعد الخسائر التي تكبدتها في سوريا.

فالتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي بين قسد - التحالف الدولي/أميركا، كان مستداماً بنسب متفاوتة، وحاربت تنظيم الدولة عبر شباب المنطقة وبغالبيتهم من المكون الكُردي، هذا التعاون ساهم في توسيع رقعة سيطرة أميركا على مساحات شاسعة، كان له أثر سياسي واقتصادي خانق على دمشق وطهران معاً، وساهم في لجم التوسع الروسي في شرق الفرات.

بالمقابل فإن المجلس الكُردي هو الآخر، كان على تشبيك عميق وعضوية كاملة من طرفه في المعارضة السورية، قابله تقويض أركانه من قبل شركائه في الائتلاف، كُل ذلك أيضاً بطلب وضغط أميركي، ما ساهم في تقييم وتقديم مسار جنيف، على أنه ممثل لمكونات المجتمع السوري دينياً وسياسياً وقومياً، لكن دون أيَّ دعم سياسي خاص.

قبل ذلك كانت قوات الحماية الشعبية تنسق مع القوات الروسية في دير الزور عبر غرفة العمليات العسكرية المشتركة بينها وبين روسيا وفصائل عسكرية عربية، إبان غزو "داعش" لعين العرب "كوباني" في 2014، كما شاركوا معاً في رسم السياسات في مختلف المناطق، كإنشاء ممثلية للإدارة الذاتية، وإن كان بصلاحيات دبلوماسية شبه معدومة، ومحاولات لضمها إلى مسارات الحل السياسي، وتلبية رغبة موسكو في إنشاء منصة حوار بين قسد والحكومة السورية. وحتّى بعد تخلي روسيا عنهم في عفرين، فإن التنسيق بمعنىً من المعاني بين قسد وروسيا لم يتوقف. قابله مزيد من اللقاءات بين موسكو ومكتب العلاقات الخارجية للمجلس الكُردي.

ما بين هذا وذاك، فإن الكُرد لم يحصلوا على ثمن مواقفهم لا السياسية ولا العسكرية. وبقيت الإدارة الذاتية تعاني من العزلة الدولية بالمعنى السياسي والدبلوماسي الصريح، وعلى صعيد التعاطي الرسمي. وإن بقي المجلس الكُردي على مسار الحل السياسي، لكنه قُوبِلَ بعدم الأخذ بعين الاعتبار لمساعيه لتثبيت الحقوق القومية كشعب يعيش على أرضه التاريخية، إلى حينذاك على الأقل.

ما بين هذا وذاك، فإن الكُرد لم يحصلوا على ثمن مواقفهم لا السياسية ولا العسكرية. وبقيت الإدارة الذاتية تعاني من العزلة الدولية

ثمة صراع خفي غير معلن، وغير عنفي، بين واشنطن وموسكو على من يمتلك الورقة الكُردية، وتتجسد فعلياً المساعي الجديدة للفاعلين الأساسيين في الملف السوري، حيث يسعيان لخلق موازين قوة جديدة، تكون من بين أدوات الإحاطة بالقرار 2254، عدا عن دور الورقة الكُردية، كمنصة مشتركة، في تثبيط أو تفعيل أيٍّ من مسارات الحل السياسي ما بين أستانا وسوتشي، أو جنيف. وبطبيعة الحال، ليست هناك وعود قطعية ولا تعهدات مُلزمة بتقديم ضمانات سياسية لواقع كُردي جديد في سوريا.

حالياً تُوصل لاتفاق بين مسد وحزب الإرادة الشعبية على اقتراح شكل من أشكال الحكم ما بين المركزية واللامركزية، قبل أن يتسبب الموقف الروسي الجديد القائم على اتهام واشنطن بتغذية نزعات انفصالية- ولكون الإدارة الذاتية جزءا رئيسيا من الحوار القائم بدعم أميركي- تشي القراءة الروسية لواقع العلاقة الجديد بين واشنطن والكُرد، بفض الاتفاق بين مسد وحزب الإرادة الشعبية.

كما توصلت زيارة "جيمس جيفري" لشرق الفرات إلى حث العشائر العربية في دير الزور على إخماد نار الفتنة التي اندلعت نتيجة زيادة حالات الاغتيالات وضعف الخدمات هناك، وحث الطرفين الكُرديين المتحاورين على الانتقال إلى المرحلة الثالثة والتأكيد على وقوفهم إلى جانب المعارضة وليس دمشق، وعلى زيادة المتابعة الروسية للقوات الأميركية، ومحاولة حصارها، جاء الاجتماع الروسي مع العشائر العربية لدير الزور في إحدى قرى دير الزور، بعد شعورها المتكرر بفقدان ورقة قسد لصالح واشنطن، يبدو أن مساعيها تستمر بالفشل بعد عدم حصد ما سعت إليه في اجتماعها مع "جبهة السلام والحرية" من تأليبها ضد واشنطن.

تعيش الإدارة الذاتية أسوأ أيامها، فهي تتعرض لضربات وضغوطات متتالية في دير الزور، ومنبج، والرقة، وإن كانت بصورة متقطعة ومتناوبة، وتتعرض للتمزيق ما بين التوجه صوب البوصلة الروسية والاتفاق مع النظام السوري على تسوية سياسية، أو البقاء مع الضاغط الأميركي وتسريع الحوارات الكُردية –الكُردية. وربما القلق الأعمق الذي ينتابها ينحصر بإمكانية تكرار التضحية بها، وهذه المرة على العموم ستكون كلف القضية الكُردية باهظة، خاصة وأن توازنات اللحظات الحرجة تفوق قدرة الإدارة الذاتية، وبل كامل الأطراف والأجساد الكُردية سياسياً وعسكرياً. وبشكل أعمق فإن الاتفاقات التركية مع روسيا وأميركا ستكون البديل عن أيَّ حل آخر غير الاتفاق الكُردي. وهو ما بدا واضحاً خلال التلويح الروسي والتهديد بالانسحاب من شرق الفرات، وإن كانت روسيا نفسها ستدفع الثمن إن فعلت، كما ستُخلق لواشنطن مشاكل جمة من الانسحاب، إذ لا شرعية لأي كيانات تُنشأ في شرق الفرات، بعيداً عن التوافق الوطني، أو ربطها بمركز معين، وهو ما سيكون غائباً في حالة الانسحاب الروسي، أو عدم توفير مستلزمات الطمأنينة لها ضمن الحوارات الكُردية الجارية.

لكن أركان هذا الصراع والتصدع المبدئي و"الظاهري" بين القطبين يعود، إضافة للسعي إلى السيطرة على الورقة الكردية، فإنها تتحدد بمن يسيطر على طرق نقل النفط وإمداد الغاز إلى أوروبا عبر تركيا أو الموانئ السورية الروسية. وبمن يتحكم ويسيّر القرار الدولي 2254 حول سوريا، حيث سيكون شرق الفرات مسرحاً أساسياً لها. فضلا عن أن شرق الفرات يمثل عقدة مواصلات برية مهمة، فالرقة تشكل عقدة الطرق البرية والتي توصل شمال شرق سوريا مع، حلب – إدلب. السلمية ـ حمص ـ لبنان. وإلى دمشق. وتشكل ديرك العقدة النهرية ما بين كُردستان العراق والمنطقة الكردية في سوريا، كما أن الشريط الحدودي المحاذي لتركيا، هو الآخر يشكل العمق الاقتصادي والتنموي للمنطقة.

حالياً يعيش الكُرد هوسين مُحددين متقاربين، أولهما: الحوارات الكُردية –الكُردية، والتي يجب أن تفضي إلى إعادة هيكلة الإدارة الذاتية وليس نسفها أو إلغاءها، كما ليس عبر التطعيم أو إسناد بعض المناصب للأطراف الأخرى. وثانيهما: الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الأميركية والتي يؤمل منها أن تُغير الترتيبات والسياسات الأميركية في المنطقة.