icon
التغطية الحية

"بي بي سي" تصحح أحد برامجها عن سوريا و"وكلاء موسكو" يحتفلون

2021.09.06 | 10:55 دمشق

douma-chlorine-attack-1200x640.jpg
قنبلة كيماوية استهدف فيها النظام دوما عام 2018
+A
حجم الخط
-A

لم تكد القناة الرابعة في شبكة "بي بي سي" البريطانية تعترف بخطأ تحريري في حلقة "بودكاست" ضمن سلسلة "Mayday" تحت عنوان "The Canister on the Bed/ عبوة على السرير"، تم بثها في تشرين الثاني 2020، عن الهجوم الكيميائي الذي نفذه النظام السوري بغطاء روسي على مدينة دوما بريف دمشق، 7 نيسان 2018، حتى علت أصوات وكلاء روسيا ومبرري جرائم النظام السوري المعروفين بالأسديست، محاولين النيل من عمل القناة والإعلام الغربي بشكل عام بخصوص سوريا، وطبعاً لم تغب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والخوذ البيضاء عن هجومهم، ونشرت الأحد صحيفة ديلي ميل البريطانية تقريراً عن نتائج تحقيق داخلي في بي بي سي حول الحلقة.

بداية القصة..

في حلقة القناة الرابعة عن الهجوم الكيميائي على دوما تعرضت لعضو في فريق مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والمعروف إعلامياً باسم مستعار كـ"أليكس"، وألمحت الحلقة إلى أن أليكس قام بتسريب تقريره الذي قدمه للفريق، وادعى أن الفريق أهمله للإعلام للحصول على 100 ألف دولار من منظمة "ويكيليكس"، وقال التقرير إن مجموعة من الصحفيين التابعين لروسيا وللنظام السوري قاموا باستقبال التقرير المسرب على أنه دليل دامغ على تلاعب فريق التفتيش بالنتائج وذكرت القناة الرابعة اسم الصحفي البريطاني "بيتر هيتشنز"، الذي يكتب بصحيفة ديلي ميل، من بين هؤلاء الصحفيين.

بعد بث التقرير قام هيتشنز بنشر مقال على ديلي ميل هاجم فيه البرنامج والصحفية التي تعده " كلوي هادجيماتيو" واتهمها بنشر معلومات كاذبة وقال إن أليكس لم يحصل على المال من ويكليكس وأنه خبير مدني لا علاقة له بالتحيزات السياسية، كما نفى هيتشنز عن نفسه تهمة التبعية لروسيا والنظام السوري.

بناءً على اتهامات هيتشنز ونفي ويكيليكس دفع أي مبلغ، وتلك الضجة المفتعلة التي أحدثها هيتشنز وباقي الأسديست على مواقع التواصل وفي المواقع الإعلامية التابعة لموسكو، قامت بي بي سي بالتحقيق وخرجت مطلع هذا الشهر بنتيجة التحقيق التي قالت فيها إن معدي البرنامج فشلوا بالحصول على تأكيد بتلقي أليكس للمال وإثبات تبعية هيتشنز لروسيا، ونشرت بي بي سي هذه النتائج على موقعها كاعتراف بالخطأ التحريري.

ابتهاج!

مع صدور النتائج انطلقت أفراح صحفيي موسكو، واعتبر بيتر هيتشنز هذه النتائج نصراً له ودليلاً دامغاً على صوابية إنكاره حصول الهجوم الكيميائي، وبدأ سيل تغريدات لا تكاد تنتهي تحمل نفس المعنى والكلمات، وطبعاً كان من أبرز المبتهجين، إضافة له، هو الصحفي الكندي "آرون ماتي" الذي يعمل في موقع "جري زون" المروج للبروباغندا الروسية، كما سبق له أن خرج ببث مباشر من دوما شامتاً بالمدينة وبشهدائها إبان ما سُمي بالانتخابات الرئاسية في سوريا.

البهجة الكبيرة التي أظهرها هيتشنز وصحبه، وستحتفي بها لا شك قنوات الإعلام الروسي وتلك التابعة لها، باعتراف البي بي سي بخطئها التحريري ليس له ما يبرره إلا ذلك التجاهل لكل نشاطاتهم وفبركاتهم، فبخلاف القنوات التابعة لروسيا لم تهتم وسائل الإعلام الغربية حتى بتكذيبهم، حتى إن صحيفة "التايمز" سمتهم بـ"حمقى الأسد المفيدين"، فأن تعترف بي بي سي بخطأ في مادة تتحدث عن هجوم الأسد الكيميائي بناءً على اعتراض هيتشنز اعتبروه نصراً وأعادوا من جديد سرد كل مروياتهم عن المؤامرة الأميركية وفساد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وأن السوريين هم من ضربوا أنفسهم بالكيميائي لتوريط بوتين والأسد إلى آخر تلك المرويات التي لم يتوقفو يوماً عن ترديدها... ولكن هل فعلاً يستحق ما صرحت به بي بي سي كل هذا؟

الغريق يتعلق بقشة

بالعودة لبرنامج القناة الرابعة تبدو احتفالات هيتنز وزملائه بعيدة كل البعد عن المنطق السليم فما أشار له التحقيق كخطأ بالحلقة لا يعدو كونه جزئية لا علاقة لها بما تتحدث عنه الحلقة من تفاصيل ودلائل حول قيام نظام الأسد بتنفيذ الهجوم الكيميائي، فأن يكون أليكس قد تلقى مالاً أم لا فهذا لايمنحه مصداقية جديدة، لا سيما أن منظمة الأسلحة الكيميائية صرحت لاحقاً ووضحت ما جرى ومن هو.

وكذلك الأمر بالنسبة لهيتشنز فمن الصعب تقديم دليل مادي على تبعيته لروسيا ونظام الأسد، لكن كتاباته والفبركات التي يروج لها تظهر تماماً أنه من أولئك المدافعين والمروجين لادعاءات موسكو، وهنا يستشيط غضباً من رد أحد المغردين الذي قال " لا علاقة لتصحيح بي بي سي البسيط لدوافع أليكس، بحقيقة أن الأسد نفذ هجوم دوما الكيميائي (و 300 هجوم آخر مشابه). يحاول بيتر هيتشنز بتفاهة تبييض القضية الأساسية: جرائم الأسد وبوتين ضد الإنسانية".

ما هي قصة أليكس؟

في تشرين الثاني 2019 نشر موقع ويكيليكس ما وصفها بأنها تسريبات لتقرير أحد "الخبراء"، أليكس، الذين كانوا ضمن فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي عاين مكان تنفيذ الهجوم الكيميائي، 2018، في المدينة، وادعى ويكيليكس أن هذه التقارير أهملتها المنظمة، وأنها تضرب مصداقيتها وتبرهن عن وجود مؤامرة لتجريم الأسد.

لاحقاً، وبسبب الضجة الروسية، قامت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالرد على هذه الادعاءات وأوضحت أن المدعو أليكس لم يذهب بالأساس إلى موقع الهجوم في دوما مع فريق المنظمة، وأنه كان غاضبا لأن المنظمة لم تقبل بدعواه التي لا تستند إلى الأدلة في تبرئة نظام الأسد من الهجوم، وهو ينكر حدوث الهجوم.

بعيداً عن كلام المنظمة برز منذ بضعة أشهر دليل دامغ على قصة "أليكس" ومن كان وراءه وكل ذلك بلسان مناصري روسيا وأتباعها، حيث إن إيميلات مسربة لأحد وكلاء موسكو "ماك كيج" فضحت كل شيء عن علاقة الموظف السابق في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية "بريندان ويلان" / أليكس بالمسؤولين الروس وبمنظمة ويكيليكس، وكيفية تنسيق الضجة التي افتعلها ويلان لضرب صدقية منظمة حظر الأسلحة.

وبحسب كلام كيج بدأت نشاطات ويلان في تشرين الأول 2019 حيث تم تقديمه باسم وهمي "أليكس" من خلال مؤسسة "الشجاعة"، وهي منصة أسستها ويكيليكس في 2013 لتوفير التمويل لفرق الدفاع عن أسانج وإدوارد سنودن، وتحدث ويلان عن تجاوزات في عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في التحقيقات التي تجريها حول هجوم دوما، وتحدث كيج كيف أن "ألكسندر شولجين"، سفير روسيا في هولندا وممثلها الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، نسق الاتصالات بين مجموعة ماك كيج وويلان، وأوضح ماك كيج كيف أن مجموعته وويلان تواصلوا مباشرة مع السفارة الروسية في لاهاي لتقديم اقتراحات حول مناهضة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

 

السفارة الروسية

الطرف الأول الذي سارع لنشر رد غاضب على سلسلة القناة الرابعة كانت السفارة الروسية في لندن، حيث هاجمت البرنامج ومعديه وأعادت ترديد دعايتها حول منظمة الخوذ البيضاء، ودافعت طبعاً عن وكلائها ووصفت هجمات النظام الكيميائية بالوهمية، ومما جاء في بيانها "السيدة بيلي (فانيسا بيلي) هي مجرد واحدة من العديد من الخبراء المنفتحين والمستقلين، بمن فيهم أولئك من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذين يعبّرون ​​عن مخاوف جدية ومبررة بشأن الطبيعة المشبوهة لـ 'الهجمات الكيميائية' في سوريا"، وغردت الصحفية " كلوي هادجيماتيو" معدة السلسلة عن رد السفارة "الروس لا يحبون سلسلتنا".

 

عندما تقوم وسيلة إعلامية بالاعتراف بخطأ ما في أحد تقاريرها أو إنتاجاتها فهذا يعتبر في عرف الإعلاميين دليل أمانة إعلامية وشفافية، ولكن هذه المعايير والتقاليد المتعارف عليها بين الصحفيين المحترفين تغيب عن وكلاء روسيا ومبرري جرائم النظام السوري المعروفين بالأسديست، فهم متربصون بالجميع رافضين لكل ما يخالفهم ومستمرون بدفاعهم البائس عن جرائم الأسد وروسيا في سوريا.