icon
التغطية الحية

إيميلات مسربة لأكاديمي بريطاني تكشف فضيحة روسية جديدة (2/1)

2021.05.04 | 06:51 دمشق

8cce3ef442623f5fa7afa423083c5c97-1359824141.jpeg
إسطنبول - عمر الخطيب
+A
حجم الخط
-A

لم يخطر في بال البروفيسور "بول ماك كيج"، أستاذ بجامعة أدنبرة البريطانية، أن الإيميلات التي يتبادلها مع شخص، يعرفه "كيج" باسم إيفان ويعتقد أنه عميل للمخابرات الروسية، سيتم تسريبها لتكشف عن شبكة معقدة تربط بين مجموعة أكاديميين غربيين مع مسؤولين روس ووسائل إعلام روسية، بالإضافة لموقع ويكيليكس.

وكانت -هذه الشبكة- وما زالت، وراء الحملة الدعائية الضخمة الساعية لضرب صدقية منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي انتهت تحقيقاتها حول استهداف نظام الأسد لمدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية بالأسلحة الكيماوية في 7 نيسان 2018، إلى إدانة النظام بالهجوم الكيماوي وتوقيع عقوبات بحقه.

الإيميلات المسربة للأكاديمي البريطاني الموالي لروسيا والمعروف بنشاطه في ماكينة البروباغندا التي تدافع عن النظام والحروب الروسية في سوريا وأوكرانيا، فضحت، أيضاً، تسريب أسماء ناشطين وشهود عيان سوريين على الهجوم الكيماوي على دوما، وذلك عبر مؤسسة إعلامية روسية موجودة في ألمانيا، مما يشكل خطراً مباشراً على حياتهم، بالإضافة للسعي الحثيث لتحديد المكان السري الذي تحتفظ فيه منظمة "لجنة العدالة والمساءلة الدولية/ Cija" بمئات آلاف الوثائق والدلائل على جرائم الحرب التي ارتكبها رئيس النظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين. ونشرت مجلة "نيولاينز/ NewLines Magazine  " وموقع "ديلي بيست/ Dailybeast" تحقيقاً عن هذه الإيميلات المسربة عرضت فيه أهم المعلومات والأسماء التي وردت بالإيميلات.

بداية القصة.. "مغفلو الأسد المفيدون"

تعد قصص الاحتيال والتضليل من أكثر القصص تشويقاً وإثارة بالعادة، كما أنها تنتهي بفوز المحتال على الضحية البريئة غالباً، ولكن القصة تغدو أكثر تشويقاً حين تكون عن ضحية تمكنت من رد الصاع واتباع نهج مشابه فتخدع من يستهدفها وتوقعه بشر أعماله، وهذا ما حدث مع "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" حيث كانت تتعرض بشكل دائم لملاحقة وإزعاج من ماك كيج عبر سيل من المعلومات المضللة التي ينشرها عن المنظمة، بالإضافة لمحاولاته معرفة مكان حفظ الوثائق مع ما يعنيه ذلك من خطر مباشر على المنظمة.

وهكذا قررت المنظمة رد الصاع هذه المرة، فقامت بالتواصل مع ماك كيج عبر الإيميل تحت اسم "إيفان" وأوحت له أن إيفان يعمل مع المخابرات الروسية، واستعداده لمساعدته في عمله لكشف الحقيقة وخيوط المؤامرة التي تحاك ضد نظام الأسد، فكان أن قام ماك كيج ولمدة ثلاثة أشهر، وعبر أكثر من 300 إيميل، بفضح كثير من المعلومات عن أسلوب عمله وزملائه في مجموعة "العمل حول سوريا والدعاية والإعلان" المختصة بصنع البروباغندا وترويج الأخبار المزيفة حول سوريا.

أسس بول ماك كيج مع أكاديميين بريطانيين آخرين "مجموعة العمل عن سوريا والدعاية والإعلام" في عام 2017، حيث اعتبرت أن نظام الأسد هو ضحية مؤامرة عالمية بحيث أن كل من يقف بوجه الأسد هو عضو في هذه المؤامرة، وهكذا اتهمت هذه المجموعة معارضي الأسد والمنظمات الحقوقية والإنسانية وهيئات الأمم المتحدة والصحفيين الغربيين بأنهم مجندون في المخابرات الأميركية والبريطانية، وبسبب غياب أي منطق عن كلام هذه المجموعة وترويجها لروايات نظام الأسد وروسيا مهما كانت ساذجة وخيالية بالإضافة لعدم خبرة هذه المجموعة بسوريا وتواضع معرفتهم عن المنطقة بشكل عام، وصفتهم صحيفة التايمز البريطانية، في نيسان 2018، بـ"مغفلو الأسد المفيدون" .

محامي ويكيليكس

كشف ماك كيج في إيميلاته لإيفان، بحسب "نيولاينز"، كيف قام ويكيليكس بتقديمه وزملائه في مجموعة "العمل عن سوريا" إلى المحامية ميليندا تايلور، وهي أحد المحامين عن مؤسس ويكيليكس "جوليان أسانج"، المسجون حالياً في بريطانيا وتطالب الولايات المتحدة بتسليمه لها، وعملت سابقاً كمحامية في قضايا حقوق الإنسان، وتولت الدفاع عن الرئيس الصربي السابق "سلوبودان ميلوسيفيتش" أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

وبحسب "ماك"، قدمت "تايلور" المساعدة القانونية للمجموعة بدون مقابل، بدأ بالتواصل معها في أيلول 2019، وأرسلت إليهم مطالعة قانونية مطولة، لتوضيح الأساليب القانونية المتاحة أمام المجموعة لشن ما سماه ماك كيج بـ "الحرب القانونية" ضد منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أي إشغال المنظمة بعدة قضايا هامشية لا هدف لها إلا تشتيت انتباه المنظمة واستنزاف وقتها ومواردها المالية، بالإضافة لإثارة الشكوك حول تقاريرها.

وبشكل غير متوقع، كشف ماك كيج أثناء حديثه عن تايلور عن معرفتهم بالمكان السري الذي تحتفظ فيه منظمة "لجنة العدالة والمساءلة" بأكثر من 1.3 مليون وثيقة تتعلق بجرائم الحرب التي ارتكبها نظام بشار الأسد وحلفائه في سوريا، الأمر الذي دفع المنظمة إلى نقل الوثائق، التي توضح الكثير من تفاصيل السلسلة القيادية لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا، من ذلك المكان إلى مكان آخر بمجرد اطلاعهم على الإيميل، خوفاً من سرقة تلك الوثائق أو إتلافها من قبل العملاء الروس، كما قالت المنظمة لـ "نيو لاينز".

ويكيليكس وروسيا.. خلف الستار

يستمر ماك كيج في سياق تباهيه أمام إيفان، بسرد كثير من الأسرار عن مجموعته وعلاقتهم بالسلطات الروسية، والتي يتضح أنها تنسق نشاطات المجموعة وتسيرها من خلف الستار، وهكذا فضح ماك كيج علاقة الموظف السابق في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، بريندان ويلان، بالمسؤولين الروس وبمنظمة ويكيليكس، وكيفية تنسيق الضجة التي افتعلها ويلان لضرب صدقية منظمة حظر الأسلحة، والتي تستغلها روسيا حتى الآن في كل نقاش بمجلس الأمن حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية.

بدأت نشاطات ويلان في تشرين الأول 2019 حيث تم تقديمه باسم وهمي "أليكس" من خلال مؤسسة "الشجاعة"، وهي منصة أسستها ويكيليكس في 2013 لتوفير التمويل لفرق الدفاع عن أسانج وإدوارد سنودن، وتحدث ويلان عن تجاوزات في عمل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في التحقيقات التي تجريها حول هجوم دوما.

 في نوفمبر 2019 نشر موقع ويكيليكس وثائق مسربة من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، قال إنها تبرهن على عدم صدقية تحقيقات المنظمة -مصدر الوثائق كان طبعاً ويلان- ولم تلبث منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن بينت أن ويلان لم يذهب أساساً إلى موقع الهجوم في دوما مع فريق المنظمة، وأنه مستاء لأن المنظمة لم تقبل بدعاواه التي لا تستند إلى الأدلة في تبرئة نظام الأسد من الهجوم، أو حتى نكران حدوث الهجوم.

وأخبر ماك كيج "إيفان" كيف أن ألكسندر شولجين، سفير روسيا في هولندا وممثلها الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، نسق الاتصالات بين مجموعة ماك كيج وويلان، وأوضح ماك كيج كيف أن مجموعته وويلان تواصلوا مباشرة مع السفارة الروسية في لاهاي لتقديم اقتراحات حول مناهضة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

ويتابع ماك كيج تباهيه بعلاقاته ومجموعته بالمسؤولين الروس، ليشرح لـ "إيفان" عن خطوط اتصال معقدة مع شبكة من مسؤولي وزارة الخارجية الروسية في أربع بعثات دبلوماسية حول العالم: لاهاي ونيويورك ولندن وجنيف، وأشار إلى أن الدبلوماسيين الروس كانوا يتواصلون مع أعضاء مجموعة العمل من أجل زرع الشكوك حول تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

*يتبع في الجزء الثاني من التقرير تفاصيل عن تسريب أسماء الناشطين وشهود العيان، كما تكشف الإيميلات المسربة عن مآلات مجموعة ماك كيج واسمها الجديد ومركز وجودها.