icon
التغطية الحية

بين "ملك" سعد الله ونوس و"زعيم" عادل إمام

2022.02.19 | 16:03 دمشق

sd_allh-_tlfzywn_swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

إذا تساءلنا عن السبب الذي يدفع الكاتب لأن يتوارى خلف قناع تاريخي، فسنجد بأنه يفعل ذلك من أجل التعبير عن حادثة ما أو لطرح وجهة نظر. وعليه فمن حق الكاتب أن ينسب إلى الشخصيات التاريخية، التي كانت رميماً من الأقوال والأفعال، ما لم يسجله التاريخ، ولكي يبرز معالم تلك الشخصيات كما يدركها وكما يريد أن ينقلها إلى المشاهد بتفسير جديد ورؤية متفردة، فيلتفت إلى بعض الوقائع دون بعض من ناحية، ويضيف وقائع مبتكرة من ناحية ثانية لتؤكد هذا التفسير وتلك الرؤية، فتتشكل الغاية من استحضاره التاريخ ألا وهي توافقه مع رؤيته الفكرية للنص وتلاؤمه مع واقع الحال، أما تتبع الأحداث وتمحيص جزئيات التاريخ فمن اختصاص المؤرخين لا المبدعين.

إن استعارة الهياكل واستخدام الأقنعة يسمح للكاتب التوغل والنفاذ من خلال التعدد في الأبعاد ما بين الماضي والحاضر والعام والخاص والرمز والمرموز له، إلى رؤية معاصرة عن طريق الإيحاء بالتماثل بين هذه الظروف أو حتى بظروف تشبهها في بيئات أخرى، لأن الآخرين ما هم إلا نحن ولكن في صورٍ مختلفة، لذلك فإن فهم الحاضر لن يتم إلا من خلال الماضي.

تناول الموضوعات التاريخية واستعارتها كأقنعة وكمنافذ للبوح، له تفسيره وتعليله إذ أن هذه الموضوعات والقوالب قد تناولتها أقلام عديدة في ثقافات ولغات مختلفة، فأضحت معروفة عالمياً، وعليه فإن تناولها بتصورات جديدة تعيد صياغة العالم فيها، وتحملها أبعاداً تتوافق وثقافة الكاتب وأمته، ما من شأنه تسهيل استيعابها لدى المتلقي وفهمها واستساغتها إلى حد كبير، فتبدو مألوفة لتترسخ في الذهن بما فيها من قضايا تبناها الكاتب مرتبطة بمعتقدات أمته وتحمل هويتها الثقافية.

كان الماضي المستقى من حكايات "ألف ليلة وليلة" في مسرحية "الملك هو الملك"، أشبه بقاعدة انطلاق لمعالجة مشكلة من مشكلات العصر الراهنة، فالذي يحدث في الماضي له علاقة وتأثير في الحاضر والمستقبل على أساس أن الماضي هو الأب الشرعي إن قاربنا التعبير للحاضر، وإنسان اليوم بفكرهِ وخبراتهِ هو ثمرة أفكار وتجارب الإنسان منذ الخليقة

"الملك هو الملك" مسرحية شهيرة للكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس، وتعد من أكثر أعماله تكثيفا لآرائه السياسية. تحكي المسرحية قصة ملك ضجر بأبهة الحكم فيقرر أن يتنكر هو ووزيره بحثا عن ترفيه بين العامة فيلتقي بتاجر قد أفلس يمضي وقته في الخمرة والهذيان ويحلم بأنه الملك فيقرر الملك أن يلبسه ثيابه ويجعله ملكاً ليوم حتى يضحك من هذا المشهد الغريب. ولكن الجميع يتصورون أن التاجر هو الملك حتى الملكة وحراس القصر ويكتشف التاجر مؤامرة لقلب الحكم في ذلك اليوم مما يرسخه أكثر فوق كرسيه ويجد الملك نفسه ضحية اللعبة الترفيهية

وقد وظف ونوس أفكاراً قديمة مادتها التراث القديم، ضامّاً إياها بشكل حكاية شعبية مادتها مستقاة من إحدى حكايات "ألف ليلة وليلة" وفيها يروي بلباقة فنية فكرة سياسية ثابتة وهي أن "تغيير الأفراد لا يغير الأنظمة، وإنما على الأنظمة أن تتغير من قواعدها، حتى تصح الجسوم، وتلمع الوجوه بالبشر كما كان الناس في سابق الزمان، ويبقى الملك هو الملك مهما كان، والطاغية هو الطاغية، لأن السلطة في تركيبتها الفسيولوجية وجوهرها مفسدة". تماماً مثلما أكد سعد الله ونوس في المسرحية: "في الأنظمة التنكرية، تلك هي القاعدة الجوهرية: أعطني رداءً وتاجاً، أعطك ملكاً".

يستحيل أن تكتمل الثورة الشعبية إلا بثورة داخلية حقيقية بمثابة ثورة على أفكارنا البالية والمتحجرة والتي هي آثار أفكار الأنظمة القمعية والشمولية بداخلنا

أما في مسرحية "الزعيم" الكوميدية التي ألفها للعرض الكاتب فاروق صبري وأدى دور البطولة فيها النجم الكوميدي المصري عادل أمام، يشاركه كل من أحمد راتب ومصطفى متولى ورجاء الجداوي ومنال سلامة؛ فجاءت امتداداً لمسرحية ونوس "الملك هو الملك" أي أن مادتها لم تكن مستقاة من "ألف ليلة وليلة" مباشرة كما فعل ونوس، بل جاءت شبيهة بفكرة "الملك هو الملك" ثم أُضيفَ إليها ما يحتاجه العرض ليكون ناجحاً، ولكن الجوهر ورغم كل تلك الإضافات يظل ذات جوهر "الملك هو الملك" وكما أراده ونوس وصنعه، حتى البناء لم يناله الكثير من التغيير إلا بما يراعي فارق السنين التي قُدمت وكُتبت فيها المسرحيتان.

تدور أحداث مسرحية "الزعيم" حول أحد الحكام الدكتاتوريين في إحدى الدول العربية، ويكون من أحد أفراد الشعب شخص يشبهه تماماً يدعى "زينهم".

يأمر الحاكم الدكتاتور باعتقال زينهم، وقبل تنفيذ ذلك يموت الحاكم لتتفق الحاشية التي بالطبع كانت تستفيد من وجوده، على تقديم "زينهم" بدلاً عن الحاكم الميت، مستغلين الشبه الكبير بينهما، لكي يضمنوا بقاءهم في السلطة. إلا أن زينهم يستغل وجوده وينقلب عليهم تماماً مثلما ينقلب البديل للحاكم في "الملك هو الملك".

وفي سياق الحديث عن الثورة التي دعا إليها في مسرحيته الملك هو الملك، يؤكد ونوس أنها ليست بتبديل ورق الأشجار في موسم الخريف وبقاء الأغصان كما هي، وإنما الثورة الحقيقية هي اقتلاع الأنظمة الحاكمة من جذورها، كما يؤكد أنه يستحيل أن تكتمل الثورة الشعبية إلا بثورة داخلية حقيقية بمثابة ثورة على أفكارنا البالية والمتحجرة والتي هي آثار أفكار الأنظمة القمعية والشمولية بداخلنا.

يجب أن نتعلم أننا لسنا الوحيدين في هذا العالم، هناك المختلف عنا، فلا نتحول إلى طواغيت جديدة تحلم بحرق ووأد وإقصاء من يخالفها، بل يجب أن نتعلم تقبل وجود الآخر على أساس الاحترام المتبادل. بل وأراد أكثر من ذلك، توضيح أن كرسي العرش يملك سلطة أكبر من معتليه، وبعد زمن ستُنسى سحنة وهيئة المَلِك ليبقى المُلك حقيقته الوحيدة.

إضافة إلى ذلك، أشار ونوس في مسرحيته إلى دور المال متمثلاً في (شهبندر التجار) وإلى الدين متمثلاً في (الإمام) في تقويض الهمم وإضعاف نفوس الشعوب وتنويمها لتقبل بالحاكم الظالم، وقد تمّ العمل على هذه الخاصية في مسرحية الزعيم بصورة مختلفة قليلاً. ويتفق العملان في التأكيد على أن الأنظمة القمعية ينتفي معها الولاء للأفكار أو الأشخاص ويبقى الولاء للكرسي، ولذلك وجب على أي حاكم ظالم أن يتذكر أن الشعوب محكومة بمنطق "عاش الملك، مات الملك".