icon
التغطية الحية

بين "مدفعية" حلب و"حربية" حمص.. هل يسعى النظام السوري لشنّ هجومه الأخير؟

2023.10.07 | 12:41 دمشق

cvb
قتلى الكلية الحربية بحمص (رويترز)
+A
حجم الخط
-A

لم تكدّ تمر ساعات قليلة على إعلان النظام السوري سقوط عشرات القتلى والجرحى فيما قال إنه "استهداف طائرات مسيّرة" للكلية الحربية بمدينة حمص، حتى صعّدت قواته هجومها المدفعي والصاروخي الذي أطلقته -بمشاركة سلاح الجو الروسي- على مناطق شمال غربي سوريا قبل يوم من حادثة الكلية، لتتضاعف بذلك نسبة القتلى والمصابين في صفوف المدنيين ولتتسع رقعة الدمار في تلك المناطق.  

فخلال الفترة التي أعقبت الانفجار الذي ضرب الكلية الحربية بحمص خلال حفل تخريج الطلاب الضباط بعد ظهر الخميس (الـ5 من تشرين الأول) وأودى بحياة نحو 90 شخصاً وإصابة أكثر من 270 آخرين، من الخريجين (28 طالب ضابط) وذويهم، وصولاً إلى صباح يوم الجمعة؛ قُتل 14 مدنياً وأصيب 73 آخرون بينهم 19 طفلاً و13 سيدة من جراء قصف "انتقامي" للنظام والروس طال أكثر من 15 مدينة وبلدة بريفي إدلب وحلب، وسط استمرار العملية الهجومية.

تفجير الكلية الحربية.. ذرائع لخطوات قادمة

تمثّل الحادثة الأخيرة واحدة من الحوادث الأشدّ وقعاً والأكثر إثارة للجدل خلال السنوات الـ13 الماضية، إلى جانب حادثة تفجير "خلية الأزمة" بدمشق (تموز 2012) التي راح ضحيتها كل من وزير الدفاع السابق داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، وغيرهم. وربما ستشكّل هذه الحادثة أهمية خاصة لدى نظام الأسد الذي سيسعى بلا شكّ إلى استثمارها سياسياً وعسكرياً ضد أطراف المعارضة السورية، كما جرت العادة.

واللافت للنظر أن وسائل إعلام مقربة من النظام السوري بدأت تسوّق -بُعيد استهداف الكلية الحربية مباشرة- لفكرة أن القصف التصعيدي لقوات الأخير وحلفائه متركّز على ما وصفته بـ "فصائل إرهابية تتحكم بتقنية الطائرات المسيّرة" في مناطق أريحا وجسر الشغور ومدينة إدلب وبنش وسرمين، مشيرة إلى أن تلك الفصائل تتمثل بـ "الحزب التركستاني وكتيبة المهاجرين"، كما ورد في قناة "الميادين" اللبنانية.

وزعمت القناة أيضاً أنها حصلت على معلومات تفيد بأنّ "قطع طائرات مسيرة متطورة نُقلت إلى الفصيلين المذكورين قبل 3 أشهر، وفرنسا هي التي زودتهما بهذه التقنية"، وبأن تلك المعلومات "رصدت إطلاق طائرة مسيرة من مناطق سيطرة الحزب التركستاني، قبيل استهداف الكلية الحربية في حمص".

أما إعلام النظام "الرسمي"، فلم ينسب الهجوم الذي وصفه بـ "الإرهابي" لأي فصيل أو جهة تنتنمي لأطراف المعارضة السورية، بالرغم من تأكيده على أنه نُفّذ بواسطة "طائرات مسيّرة تحمل ذخائر متفجرة استهدفت الكلية بعد انتهاء حفل التخريج مباشرة".

بين "مدرسة المدفعية" والكلية الحربية

بالرغم من اختلاف تفاصيل الهجوم وأدواته وظروف وقوعه، فإنه يعيد إلى أذهان السوريين حادثة ما يسمّى بـ "مجزرة مدرسة المدفعية" في حي الراموسة بمدينة حلب (16 حزيران 1979). وقد أشرف على تنفيذ العملية حينذاك النقيب إبراهيم اليوسف الذي تمكّن من إدخال مجموعة من مقاتلي "الطليعة المقاتلة" إلى داخل مدرسة المدفعية، على رأسهم عدنان عقلة، حيث أطلقوا النار على قرابة 200 طالب ضابط (من أبناء الطائفة العلوية) ما أسفر عن مقتل 32 طالب ضابط وجرح 54 آخرين بحسب الرواية الرسمية للنظام السوري.

اببب

وفور تنفيذ العملية، وجّه النظام السوري أصابع الاتهام إلى حركة "الإخوان المسلمين" بذريعة أن فصيل "الطليعة المقاتلة" يمثّل الجناح العسكري للحركة، فشنّ حملة واسعة من الاعتقالات في صفوف الحركة بهدف استئصالها.

وفي أقل من أسبوعين على عملية المدفعية، بلغ عدد المعتقلين قرابة 6000 معتقل، بحسب "اللجنة السورية لحقوق الإنسان" التي أشارت إلى أن محكمة أمن الدولة العليا (برئاسة فايز النوري) "سارعت إلى إصدار حكم على 15 شخصاً اعتقل بعضهم عام 1977 ولا علاقة لهم بكل ما حصل، وأعدموا في الـ27 من حزيران 1979".

 واستمرت الحملة ضد الإخوان المسلمين بالرغم من نفي الأخيرين أي علم أو صلة لهم بالعملية في بيان وزعوه بتاريخ الـ24 من حزيران ذلك العام حمل عنوان: "بيان من الإخوان المسلمين للواقع والتاريخ حول حادثة مدرسة المدفعية بحلب"، جاء فيه:

 "إن الإخوان المسلمين فوجئوا كما فوجئ غيرهم بالحملة التي شنها عليهم عدنان دباغ (وزير الداخلية السوري حينذاك) متهماً إياهم بالعمالة والخيانة وغير ذلك، ومحملاً إياهم مسؤولية المذبحة التي حدثت في مدرسة المدفعية وهم براء منها، كما حملهم مسؤولية الاغتيالات التي جرت وما زالت تجري في سوريا".

وأضاف البيان أن "النقيب إبراهيم اليوسف الذي نفذ حادثة مدرسة المدفعية معروف أنه عضو عامل في حزب البعث السوري، وليس له أي صلة بالإخوان المسلمين. فلماذا ينسب عمله إلى الإخوان المسلمين؟ ثم إن السلطة تعرف أن هناك أوراقاً خلفها، أصحاب الحادثة تبين هويتهم، وأن لا صلة لهم بالإخوان المسلمين".

إلا أن نظام الأسد الأب، وعلى الرغم من بيانات النفي المتكررة للإخوان، استمر في الحملة ضدّهم، والتي بلغت أوجها عقب محاولة اغتياله الفاشلة، من خلال المجزرة التي ارتكبت بحق المئات من معتقلي الإخوان المسلمين داخل سجن تدمر العسكري عام 1980. ثم المجازر اللاحقة التي طالت مختلف المدن السورية وفي مقدمتها مدينة حماة التي قتل فيها ما بين 40- 60 ألف مدني خلال شهر شباط 1982.

 

هل يسعى النظام السوري إلى استحضار "المدفعية"؟

بالعودة إلى تفجير الكلية الحربية الأخير، ومع استبعاد إمكانية تنفيذ هجوم "الطيران المسيّر" من قبل مختلف فصائل المعارضة، أو الجماعات "الجهادية" التي عادةً ما يستعملها النظام لتبرير قصفه المستمر للمدنيين في مناطق شمال غربي سوريا، وذلك لأسباب عديدة يتمثل أولها في افتقار تلك الأطراف للطائرات المسيرة (المذخرة) واقتصارها على "درونات" بسيطة الصنع غالباً ما تستخدم لأغراض الاستطلاع ذات المدى القريب.

وبحسب تقرير لموقع تلفزيون سوريا، فمن خلال إلقاء نظرة سريعة على خريطة السيطرة بسوريا، نجد أن أقرب نقطة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غربي سوريا، يفصل بينها وبين الكلية الحربية، القريبة من حيّ الوعر بحمص، أكثر من 70 كيلومتراً، وهي مسافة يستحيل قطعها من قبل تلك الدرونات "محلية الصنع". وحتى في حال تمكنت من تجاوز تلك المسافة، فإن الذخيرة التي يفترض أن تحملها لا تكفي لجرح شخص أو عدة أشخاص على أبعد تقدير.

ومع تراجع هول الصدمة التي تلقاها الشارع السوري، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بدأ الناس بتداول أحاديث قسمٌ منها يحمّل مسؤولية الانفجار الكاملة على "القيادات الإيرانية بالدرجة الأولى، يليهم الروس، وبعلم من بعض قيادات الدائرة الضيّقة لنظام الأسد. بينما دعا فريق واسع من الموالين إلى (الانتقام) وقصف مناطق المعارضة السورية وقتل سكّانها، نتيجة حالة التجييش التي خلّفتها العملية والتي تصبّ في مصلحة النظام"، بحسب ما يفيد مصدر محلي لموقع تلفزيون سوريا (اشترط عدم الكشف عن اسمه).

ويعبّر المصدر الذي عاصر حادثة مدرسة المدفعية قبل نحو 44 عاماً، وهو من أبناء مدينة اللاذقية، عن الحالة التي أفرزتها "المجزرة" فيقول: "أسهمت حادثة مدرسة المدفعية في تصاعد حالة التوتر بيننا (السنة) وبين (العلويين) في المدينة وفي المناطق المختلطة الأخرى. وكحالة طبيعية، كان لا بد من إعلان إدانتنا لها ومعاداتنا الكاملة لحركة الإخوان المسلمين المتهمة المباشرة بارتكاب المجزرة، بحسب ما تم تداوله حينذاك".

ويضيف: "ذلك الموقف الذي تمكّن نظام حافظ الأسد من زراعته بداخلنا تجاه الإخوان لمدة كافية من الزمن، ساهم بصورة أو بأخرى في التفاف شريحة واسعة من مختلف أطياف السوريين حول النظام، كشكل من أشكال التعاطف لما حصل في حادثة المدفعية، وكتعبير عن رفض المجتمع السوري لكل أشكال الطائفية. ونجح الأسد الأب في استغلال حالة العزل التي أصابت حركة الإخوان ليعمل على الانتقام ليس من أعضائها فقط، وإنما من كل سوري يفكّر في مناهضته!".

ومن هنا، يرجّح المصدر أن يكون التفجير الأخير عبارة عن "استحضار لخطة مدرسة المدفعية، خاصة أن غالبية ضحايا الكلية الحربية بحمص –سواء من الطلاب الضباط أو من المدنيين- هم من أبناء الطائفة العلوية، وبأن الجهات المسؤولة عن (الطائرات المسيّرة) المزعومة تنتمي لجماعات إسلامية متشددة، ضمن حالة تحاكي ما حدث في مدرسة المدفعية بحلب، في محاولة لرئيس النظام في إعادة تجميع الموالين من طائفته ومن بقية أبناء المكونات السورية بعد انفضاض غالبيتهم عنه، نتيجة الحالة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المترديّة التي وصلت إليها البلاد، بالرغم من الانتصارات العسكرية المفترضة والتي حققها بمساعدة الروس بعد 2015".

ختاماً، يبقى التساؤل المطروح على الساحة الآن: بمعزل عن الجهة الحقيقية المسؤولة عن الهجوم الأخير، هل سينجح النظام في استقطاب الأطراف السالفة؟ وهل سيسعى مع حلفائه إلى شنّ "هجوم أخير" على مناطق شمال غربي سوريا بذريعة استئصال الجماعات "المتشددة" والمتحكمة بالطائرات المسيّرة "المزعومة"، وصاحبة الاستهداف الفاقد للأدلّة على الكلية الحربية؟ وما المصير الذي سينتظره في حال الفشل؟