بين الكلية الحربية وباصات الأزبكية قبل 43 عاما – السويداء هي المسؤولة أخيرا

2023.10.11 | 05:39 دمشق

بين الكلية الحربية وباصات الأزبكية قبل 43 عام – السويداء هي المسؤولة أخيرا
+A
حجم الخط
-A

قام فرديناندو أمبوزيماتو النائب والسيناتور، ورئيس الشرف المساعد في محكمة النقض العليا في إيطاليا، والقاضي المختص بقضايا الإرهاب؛ بكتابة مقدمة كتاب "الحرب القذرة" للكاتب والشاهد "حبيب سويدية" ضابط العمليات الخاصة في الجزائر، المنشق عن نظام الحكم إبان الحرب التي خيضت مع جبهة الإنقاذ في تسعينيات القرن المنصرم، ما يثير الانتباه في ذلك الكتاب بدءا من مقدمته التي وردت كتزكية من ذلك القاضي المتحدث من مبدأ المسؤولية والخبرة، ليدلل بها على تماسك شهادة الكاتب ودقة ما يسرده من حقائق، وفي ذلك يمكن تتبع ثلاث شارات يمكن مناقشتها لاستيعاب الحدث ضمن سياق زمني متصل وإن بدا طويلا مع تبدل كثير من شخوصه، سعيا لفهم سياسات الدول حتى الأوروبية منها فيما يخص سوريا والمنطقة.

أولاها: ما يسرده الكاتب حبيب سويدية بعد أن فازت جبهة الإنقاذ بالانتخابات -رغم انتهاجها شكلا إسلاميا لم تكن عليه ثورتنا السورية - كيف أن نظام جنرالات الحرب انقلب على شرعية الانتخابات، ودفعت جبهة الإنقاذ للدخول في الحرب، ثم تشكيله جماعات تمارس الإرهاب باسمها في مناطق ضد ذاك النظام؛ بل وحشر شخصيات في تلك الحركة وإيصالها إلى مستويات قيادية ضمن الجماعات المشكلة، ويتضح كذلك الدعم الذي قدمه حافظ الأسد للنظام الجزائري حينها عبر خبرته التي جناها من حربه على الإخوان المسلمين في سوريا في الثمانينات، ويتضح من سرد الضابط في القوات الخاصة والجرائم التي كلفت بها مجموعته، والعمليات وأماكنها كيف استطاع نظام الجنرالات أن يكرس وجوده عبر القتل وتشويه الآخر مستفيدا من خبرات حافظ الأسد حينها، وفي عودة لثمانينيات القرن المنصرم ورغم برنامج الإخوان العقائدي – الطليعة المقاتلة- وخطابها الطائفي نجد أن جملة الأهداف التي تبناها التنظيم كانت ضد أهداف عسكرية ككلية المدفعية بحلب، ولم تستهدف مدنيين، لكن تلك الهيبة أو الرهبة التي حرص الأسد على تكريسها منذ استلامه السلطة، بدت مهلهلة ومعرضة للخطر وبدت المعارضة قابلة للتطور شعبيا، فكان لابد للأسد حينها من ابتداع حل يظهره بمظهر المخلص في بيئته، وضمانة السلام والأمان في الرقعة السورية، فنحى في سياسته الأمنية وعملياته الاستخبارية الإرهابية باتجاهين؛ واحد كان على الساحة السورية تلخص في تفجير باصات بحي الأزبكية الذي أسفر عن أكثر من 175 شهيدا بكمية متفجرات لم يكن من الممكن نقلها وتركيبها في ظل حواجز أمنية تقطع المدينة حينها ولا كان من الممكن تفخيخ الباصات بها بهذه السهولة، والثانية في بيئة الساحل عبر استهداف الكوادر والمثقفين ودكاترة الجامعات من تلك البيئة في شتى مواقع عملها في الجامعات السورية، وصولا لشيوخ الطائفة الذين لم يقبلوا تغوله على كل مجالات الحياة والدين ولم يشاركوه سياسته، فقام بتصفية العديد منهم ليشد عصب الطائفة ويشعرها بأن ثورة الإخوان تستهدف الطائفة وليس الأسد.

عمليات التصفية بدأت ضمن الطائفة لدى كبارها وشيوخها وكوادرها العلمية لشد عصب الطائفة وإخراجها من سياق المحاكمة المنطقية لسياسة نظام بيت الأسد

يقول عاصم من ثوار الساحل السوري الآن ومن معارضي الأسد أن عمليات التصفية بدأت ضمن الطائفة لدى كبارها وشيوخها وكوادرها العلمية لشد عصب الطائفة وإخراجها من سياق المحاكمة المنطقية لسياسة نظام بيت الأسد، ومنعا لتشكيل موقف معارض ضد الأسد حينها، ليظهر لنا التميز الذي شهده النظام السوري في أنه أكثر الأنظمة فتكا وقدرة على التعامل مع ملفات أمنية تجاه شعب يرفضه باعتبار حوامل الرفض لسلطته كانت أكثر تعددا من بلدان عربية كثيرة مجاورة.

وثاني تلك الشارات هي حراك السويداء والجدل الذي تشكله، حيث ثار أبناء جبل العرب الذين علقوا صور مؤسسي الدولة السورية الأُوَل في محاولة العودة لما قبل الأيدولوجيا، وما قبل التنابذ الحزبي، في صورة الوطن الذي ثار بكل فئاته ضد المحتل الفرنسي وبنى سوريا في أول انطلاقتها؛ وهي التي تقودنا للتساؤل حول صاحب المصلحة في تفجير الكلية الحربية؛ خصوصا وأن السويداء باتت تشكل القشة التي ستقصم ظهر البعير حيث لا يستطيع أسلمتها ولا ترهيبها إضافة لتطور حراك الساحل، والدعوات التي جاد بها ثوار جبل العرب لمتظاهري الساحل بالقدوم إلى ساحات السويداء، ليتظاهروا ومخافة أن يتطور حراك الساحل الذي حوصر ويكاد يختنق وقد ينفجر، تأتي حادثة تفجير الكلية الحربية بحمص لإعادة أبناء الساحل المعترضين تحت ضغط الجوع والقهر والغضب من سياساته القمعية إلى المربع الأول وإلى حاضنة الوطن والممانعة و"الحرب على أعداء الوطن".

لسنا الوحيدين الذين كانوا يعولون على شرعية دولية وعلى ضمير كوني مثقوب يتجاوز ثقب الأوزون في خطورته

 أما الشارة الثالثة وهي ما يثيره النقاش حول رؤية القاضي الإيطالي الذي قدم لكتاب حبيب سويدية حين قال في مقدمة الكتاب "إنها تثير تساؤلات عدة وتطرح على الضمير المدني للأوروبيين مسألة ما لم يفعل لإيقاف المجازر وما يمكن فعله اليوم" حيث بدا كأنه يقدم فتحا هائلا في نشر الحقيقة وأثرها على صناعة القرار الدولي ومعولا على ضمير دولي وعلى تصحيح لمسار سياسي دولي بني على إعلام كاذب، ليتضح فيما بعد دعم فرنسا ودول أوروبية أخرى لنظام جنرالات الحرب في الجزائر حتى استقر الأمر في نهاية المطاف لبوتفليقة الذي صار واجهة لنسق جنرالات الحرب وورثتهم من العسكر والذي حفظ للنظام السوري موقفه في دعمهم آنذاك فبقي حريصا على دعم الأسد الابن، لندرك في نهاية المطاف أنا لسنا الوحيدين الذين كانوا يعولون على شرعية دولية وعلى ضمير كوني مثقوب يتجاوز ثقب الأوزون في خطورته، حيث لا تقف القوى الدولية متفرجة على مسيرة الذبح اليومي للشعب السوري بل تدير الحرب وتدعم أدواتها، وها هو الأسد يصدر حربه على بيئته ورجالات دولته الذين نخرهم الضعف والتململ والخوف من نهايات تشبه نهايات شاوشيسكو وغيره، وينتقل لقصف إدلب والشمال بشتى أصناف الأسلحة ويمعن في قتل الأطفال بشتى صنوف الأسلحة المحرمة دوليا، وبدلا من الحل السياسي الذي كان يرومه الشعب السوري في جنيف1، التي أطلقت حينها لبدء مسار تفاوضي لخريطة طريق تحت مسمى إسقاط الأسد على وسادة هادئة أي دون إسقاط الدولة في حين كان المراد أن يمنح الأسد وقتا ليدمر الدولة السورية والشعب السوري وبنياته المدنية والتقليدية ومؤسساته ليتكشف لنا سقوط كل المقولات الإنسانية الكبرى وسقوط منظومة العدل الدولية في أوحال التحيز، إذ لما نشطت وتفاعلت ورفعت عقيرتها إبان حرب روسيا على أوكرانيا، لتبقى شعوب الشرق عزلاء تحت نار يشعلها الأسد وتذكيها مصالح دولية لاتضع للدم السوري قيمة في قيمها وبرامجها.