بين الأمل والألم.. رحلة البحث عن العدالة لمعتقلي سوريا الأحرار

2024.01.26 | 17:35 دمشق

آخر تحديث: 26.01.2024 | 17:35 دمشق

بين الأمل والألم.. رحلة البحث عن العدالة لمعتقلي سوريا الأحرار
+A
حجم الخط
-A

المعتقلون في سوريا جروح غائرة في أعماق ذواتنا، لا تندمل. آلامهم وآهاتهم التي تتردد في أذهاننا دون توقف. شوقنا لهم يحرق أرواحنا، لكنه يوقد نار الأمل الذي يبقى حيًا فينا؛ أمل اليوم الذي نلتقي فيه بهم مجددًا، أمل أن يعودوا إلى أحضان أسرهم ومحبيهم، أمل الحرية لهم ولسوريا. هذا الشوق وهذه الآلام ليست فقط شاهدًا على الظلم والمعاناة، إنها تذكير دائم بالحاجة الماسة للعدالة والإنصاف في سوريا وعدم إفلات المجرمين من العقاب.

الاعتقال والتعذيب من ركائز حكم نظام الأسد، ومع هذه السياسة الممنهجة تحولت السجون إلى ما يشبه "المسالخ البشرية"، حيث يُمارس التعذيب بأساليب وحشية مروعة. يُقدر عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم أو ماتوا في السجون منذ بداية الثورة السورية 2011 بحوالي 300,000 شخص، وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وحدها ما لا يقل عن مقتل 15,039 مواطنًا سوريًا عن طريق التعذيب، من بينهم 190 طفلًا و94 امرأة.

صور "قيصر" كشفت بشاعة ممارسات النظام ووحشيته، صور مروعة لمعتقلين عذبوا وقتلوا في السجون، هذه الصور التي هزت الرأي العام العالمي، ساعدت العديد من العائلات السورية على التعرف إلى مصير أقاربهم المحتجزين في سجون الأسد، مما سلط الضوء على حجم المأساة التي يعيشها السوريون، فالمعتقلون في سوريا حالهم حال المختفين قسريًا، فاحتجازهم يتم في سجون سرية دون أي معلومات عن مكانهم أو مصيرهم، وهو ما يعقّد الجهود المبذولة لمعرفة مصير هؤلاء المعتقلين ويزيد من معاناة أسرهم.

قضية المعتقلين السوريين تمثل أحد أشد الجوانب المؤلمة في الملف السوري؛ حيث تم اعتقال هؤلاء الأشخاص وإخفاؤهم قسريًا بسبب آرائهم السياسية أو مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية للمطالبة بحقوقهم.

ملف المعتقلين في سوريا يُعد من القضايا الجوهرية والمحورية في أي نقاش حول مستقبل البلاد وتحقيق السلام الدائم. الإفراج عنهم والكشف عن مصيرهم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة المستمرة لا يُعدّ فقط مطلبًا أساسيًا، بل أيضًا مبدأ ثابتًا وغير قابل للتفاوض أو المساومة في أي حوار أو تسوية سياسية. هذه القضية تتجاوز كونها مجرد مسألة سياسية؛ إنها تمسّ الحقوق الإنسانية الأساسية وتتعلق بإنهاء معاناة مئات آلاف الأسر التي غُيب أو اعتُقل أحباؤها بشكل تعسفي.

التأكيد على أهمية هذه القضية يأتي في ظل التقارير المستمرة حول التعذيب، والإخفاء القسري، والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب في سجون نظام الأسد. إن الإفراج عن المعتقلين هو خطوة أساسية نحو العدالة وتطبيق الحل السياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254.

قضية المعتقلين السوريين تمثل أحد أشد الجوانب المؤلمة في الملف السوري؛ حيث تم اعتقال هؤلاء الأشخاص وإخفاؤهم قسريًا بسبب آرائهم السياسية أو مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية للمطالبة بحقوقهم. هذه الممارسات تظهر كيف استخدم النظام الاعتقالات التعسفية لقمع أي معارضة.

الغياب الواضح للجهود الدولية الجادة والمتسقة لتحرير المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسريًا، يُعد عاملًا مشجعًا لنظام الأسد لمواصلة ممارساته القمعية. إضافةً إلى ذلك، فإن مراسيم العفو التي أصدرها النظام وثبت فشلها في إطلاق سراح الأشخاص المعتقلين لأسباب سياسية أو بسبب معارضتهم للنظام، تُعد خداعًا وتسيء إلى مفهوم العدالة والحقوق الإنسانية.

غياب الجهود الدولية الفاعلة في التعامل مع هذه القضية ساهم في تفاقم الموقف، حيث استمرت ممارسات نظام الأسد القمعية والإرهابية ضد المعتقلين والمغيبين قسريًا، مراسيم العفو الكاذبة التي أصدرها النظام فشلت في إطلاق سراح ولو عدد قليل من المعتقلين، وفي حين يغيب النظام ويعتقل ويرفض إطلاق السجناء السياسيين أصحاب المطالب النبيلة يعفو عن المجرمين الجنائيين ثم يحاول خداع العالم بقوانين العفو شبه السنوية في لعبة دعائية باتت مكشوفة وممجوجة.

في هذا الإطار، يُعد التحرك القانوني الذي بدأته هولندا وكندا ضد نظام الأسد في المحكمة الدولية للعدل (ICJ) خطوة مهمة وذات مغزى كبير. تشير هذه الإجراءات القانونية إلى الاستخدام المكثف للتعذيب من قبل النظام وتؤكد على أهمية الإطار القانوني الدولي في محاربة الفظائع التي ترتكبها الدول وتعكس الحاجة الماسة للمساءلة والعدالة في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان.

العمل الجبار الذي تقوم به لجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية المحايدة والمستقلة للمساعدة في الملاحقة، من الضروري أن تترجم على أرض الواقع لإيقاف هذه الجريمة المستمرة ومحاسبة المتورطين فيها، ومن الضروري أن يدرك جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين أهمية هذه القضية وأن يعملوا معًا لضمان تلبية هذا المطلب الحيوي. يجب أن يكون الإفراج عن المعتقلين جزءًا لا يتجزأ من أي عملية تفاوضية أو اتفاق سياسي يُقدم كحل للأزمة السورية. في النهاية، تُعد هذه الخطوة أساسية للمضي قدمًا نحو مستقبل يسوده السلام والعدالة في سوريا.

في رحاب وطننا المثخن بالجراح، حيث يختلط صدى الأمل بآهات الألم، يأتي "أسبوع المعتقلين" في سوريا كشعلة أخرى على درب الحرية والعدالة، مؤكدًا لأرواح الأحرار خلف القضبان وللعالم أجمع أن ذكراهم لن تخبو، وأن مسيرة النضال مستمرة حتى ينبلج فجر الحرية. في هذه الأيام، نجدد تضامننا العميق مع كل حر وحرة من ضحايا التعذيب الوحشي والإخفاء القسري، جريمة تنتهك كل ما هو إنساني وتتنافى مع أعراف ومبادئ القانون الدولي.

إن المعنيين في قضية جرائم الاعتقال والتغييب القسري والتعذيب هم ليسوا فقط مئات الآلاف من المعتقلين بل هم الملايين من الشعب السوري

لقد طُبعت حقبة حكم عائلة الأسد في ذاكرة التاريخ كواحدة من أسوأ الفصول المظلمة، حيث تحولت السجون إلى مراكز للتعذيب، وأصبح الإخفاء القسري وسيلة لإسكات صوت الحرية. لكننا اليوم، نجدد العهد بأننا سوف نبذل قصارى جهودنا لتسليط الضوء على هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها. وأننا ملتزمون بالعمل من أجل تحقيق الحرية والعدالة لكل المعتقلين السوريين، ونؤكد مجددًا أننا لم ولن ننسى ولن نقف حتى تتحقق العدالة.

إن المعنيين في قضية جرائم الاعتقال والتغييب القسري والتعذيب هم ليسوا فقط مئات الآلاف من المعتقلين بل هم الملايين من الشعب السوري، من ذويهم وأحبتهم وأصدقائهم، هم ملايين الشعب السوري الذي ينتظر الحرية والعدالة، هم سوريا التي تتطلع للخروج إلى النور وطيّ صفحة الاستبداد وظلام السجون والمعتقلات. السوريون لن يتركوا قضيتهم حتى الحرية والعدالة ومحاسبة المجرمين.