icon
التغطية الحية

بهدف الترحيل.. لبنان يعتقل سوريين بصرف النظر عن وضعهم القانوني

2023.06.19 | 20:04 دمشق

لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة لبنان من معبر وادي حامد بعرسال إلى سوريا - تاريخ الصورة 26 تشرين الأول 2022
لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة لبنان من معبر وادي حامد بعرسال إلى سوريا - تاريخ الصورة 26 تشرين الأول 2022
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يعيش غسان، وهو لاجئ سوري عمره 26 عاماً، حياة مضطربة ومجهولة المعالم في لبنان، فقد هرب هو وشقيقه الأربعيني إياد من سوريا في عام 2012، ثم سجلا في لبنان لدى مفوضية اللاجئين حتى يصبح وضعهما قانونياً.

ولكن في 26 نيسان الماضي، رحّل الجيش اللبناني إياداً بشكل قسري من مخيم قب إلياس غربي البقاع، وسلمه لقوات النظام السوري التي جندته في الخدمة العسكرية الإلزامية رغماً عنه.

يخبرنا غسان بأنه في اليوم الذي رُحل فيه شقيقه إلى سوريا، تحدث إلى زوجة شقيقه التي أبلغته بفرز إياد ضمن أحد ألوية الفرقة الرابعة بالقرب من الحدود اللبنانية، وقد طلب ضابط في جيش النظام السوري منها مبلغاً قدره 200 دولار مقابل مساعدة زوجها إياد على الهرب، إلا أن غسان سبق وأن سمع بقصص كهذه، ولهذا يقول: "عندما أخبرتني أقنعتها بأنه كاذب، فقد اعتقل والد زوجتي بشرى في عام 2013، وطلبت منا السلطات السورية أموالاً لقاء إطلاق سراحه، فدفع أهل زوجتي لهم مبلغاً يعادل ألف دولار، لكنهم لم يطلقوا سراحه، ثم اكتشفنا بأنه قتل في سجن صيدنايا برصاصة في جبينه، بفضل الصور التي سربها قيصر والتي قدمت أدلة حول ممارسة التعذيب والقتل في سجون الأسد".

وبما أن غسان لم يعد لديه أي خيار آخر لمساعدة شقيقه، لذا نشر مقطع فيديو على تطبيق تيك توك ناشد فيه المجتمع الدولي، إلا أنه تعرض للتهديد فهرب إلى شمالي لبنان، نظراً لوجود أشخاص منحازين للنظام السوري ويعملون مخبرين لصالحه داخل المخيمات، ويضيف قائلاً: "إنني خائف ولا أريد أن أخسر أطفالي وأمي بسبب ما أقوله، ثم إنني متعب، إذ لم يعد بمقدوري تحمل هذا الوضع بسبب الخوف من الترحيل".

ولكن لم يتم التأكد مما ذكره غسان حول وجود مخبرين في المخيمات.

طرد السوريين

خلال الأشهر القليلة الماضية، كثّف لبنان من اقتحاماته الساعية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، والتي زادت مع زيادة المشاعر المعادية للاجئين في المجتمع اللبناني بمختلف أطيافه.

يعتقد أن لبنان يؤوي مليوناً وخمسمئة ألف لاجئ سوري، بينهم 805 آلاف مسجلون لدى المفوضية التي لا تفرق بينهم عند تقديم المساعدات.

ولكن على الرغم من تعهد الحكومة بإعادة اللاجئين السوريين الذين دخلوا بطريقة غير قانونية فحسب، ثمة أدلة موثقة تظهر بأن عمليات الترحيل شملت اللاجئين المسجلين وغير المسجلين على حد سواء.

In this picture taken on June 13, 2023, a Syrian woman walks between tents at a refugee camp in Saadnayel in eastern Lebanon's Bekaa Valley (AFP)

امرأة تسير بين الخيام في مخيم للاجئين أقيم بمنطقة سعد نايل شرقي وادي البقاع اللبناني- التاريخ 13 حزيران 2023

 

سجل إياد لدى المفوضية في عام 2013، لكنه رُحّل قسرياً إلى بلده على الرغم من أن وضعه قانوني.

بحسب ما أوردته بولا باراتشينا إستيبان وهي الناطقة باسم المفوضية في لبنان، فإن 93 عملية اقتحام مؤكدة قد تمت خلال الفترة ما بين نيسان ومطلع أيار، مع أنباء وتقارير تفيد باعتقال سوريين وترحيلهم، وعلقت على ذلك في رسالة إلكترونية كتبت فيها: "إن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة تأخذ التقارير حول ترحيل اللاجئين السوريين بجدية كبيرة وتتابع هذا الموضوع مع أصحاب المصلحة"، وأضافت بأن المفوضية تدافع عن مبادئ القانون الدولي ومبدأ حماية اللاجئين في لبنان، والذي يشمل منع الإعادة القسرية.

كما تشجع المفوضية عمليات إعادة التوطين في دولة ثالثة على سبيل إيجاد حل لهذه المشكلة، إذ في عام 2022، أُعيد توطين 8300 لاجئ تقريباً من لبنان، أي ما يعادل 40% من طلبات التقديم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و8% على مستوى العالم.

فيما ذكر عامل في المجال الإنساني فضل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى الصحافة، بأن ما لا يقل عن 2137 شخصاً جرى اعتقالهم خلال الاقتحامات التي جرت مؤخراً فضلاً عن الاعتقالات التي تتم عند نقاط التفتيش، كما تمت 1473 عملية ترحيل أخرى من لبنان إلى سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية.

وكشف المصدر أيضاً بأن القوات المسلحة اللبنانية هي من تقوم بتلك العمليات، بالرغم من أن مكتب الأمن العام بلبنان هو المخول بتنفيذها، وأضاف: "إن المفوضية على دراية بزيادة عدد عمليات الترحيل الجماعية السريعة والأخبار التي تدور حول فصل أفراد الأسر عن بعضهم، والتي شملت قاصرين جرى فصلهم عن أهلهم، بيد أن الإجراء الذي اتخذته هو تقديم استشارات متعلقة بالحماية ودعم أهالي اللاجئين المرحّلين قدر الإمكان، إلى جانب مناقشة القضية مع السلطات".

"حالياً.. خائف"

تحول الخوف من الترحيل إلى هاجس مقلق لدى مالك، 32 عاماً، الذي وصل إلى لبنان في عام 2013، بعد اعتقاله في سوريا خلال خدمته العسكرية.

في عام 2015، وصل مالك إلى أوروبا بقارب وأقام في ألمانيا لمدة عشرة أيام، نام خلالها في الشوارع، ثم اضطر للعودة إلى سوريا حتى يحاول إطلاق سراح شقيقه محمد، وعن ذلك يقول: "توسلت لي أمي حتى أعود فعدت لأحرر أخي، ولسوء حظي اعتقل والدي وشقيقي الثاني عمار".

لم يستطع مالك أن يحرر والده وشقيقيه، فحاول العودة إلى لبنان برفقة أمه، إلا أن السلطات اللبنانية رحّلته إلى بلده فيما بعد، وهناك اعتقله أمن النظام السوري للمرة الثانية.

بعد فترة اعتقال امتدت ما بين تشرين الأول 2015 وتموز 2016، أطلق النظام السوري سراح مالك بعدما عرفت بأنه سبق أن سجن لديها في عام 2012.

وصل مالك إلى لبنان في عام 2018، وسجل هناك لدى مفوضية اللاجئين.

بيد أنه أصبح اليوم يعيش في خوف دائم من الترحيل ومن أي شيء قد يُلحق الأذى به، كما صار على يقين من أن شقيقه عماراً قد قتل، في حين تم إطلاق سراح والده وشقيقه محمد، وعن ذلك يقول: "سردت قصتي للمفوضية وعبرت عن عدم رغبتي بالعودة إلى سوريا، لكني حالياً خائف من الترحيل، وكل ما أريده هو أن أعيش بأمان".

أثار قرار لبنان القاضي بإعادة اللاجئين السوريين طوعاً في عام 2022 مخاوف بين أوساط المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية، لكونها تعتبر سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين، وترى بأن لبنان يخرق مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظر إرسال الأفراد إلى بلدهم حيث يمكن أن يتعرضوا للتعذيب أو لمعاملة قاسية أو غير ذلك من أشكال الإيذاء.

ولكن يبدو أن الإعادة الطوعية قد أضحت اليوم عمليات ترحيل.  

إذ يخبرنا فاضل فقيه، المدير التنفيذي للمركز اللبناني لحقوق الإنسان بأن الجيش اللبناني اعتقل لاجئين ورحلهم إلى سوريا دون رقابة قانونية بما أن تلك العملية تمت بصورة غير رسمية، ويتابع: "من منظور قانوني، لا نرى بأن لبنان ينفذ اتفاقية مناهضة التعذيب التي كان أحد الموقعين عليها، بما أن الترحيل يمثل خرقاً للمادة الثالثة من هذه الاتفاقية".

وشرح فقيه بأن بعض اللاجئين المرحلين عادوا إلى أهلهم دون أن يمسهم أي أذى، في حين جُنّد آخرون في الخدمة العسكرية الإلزامية بسوريا مثلما جرى مع إياد، كما ذكر بأن هنالك حالات تعرض معها الأفراد لتعذيب ولسوء معاملة، وأضاف: "يعتمد ذلك على وضعهم في سوريا وعلى مواردهم المالية أي مقدار الرشوة التي بوسع اللاجئ دفعها للسلطات".

فيما ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بأنها وثقت عمليات ترحيل بحق ناشطين ومنشقين ملاحقين من قبل قوات الأمن السورية، وسلطت المنظمة الضوء على عملية اعتقال وترحيل جرت في بيروت بحق رقيب منشق عن جيش النظام السوري، كما وثقت أوامر بترحيل تسعة لاجئين سوريين معتقلين لدى الأمن العام اللبناني.

لم يعد أمام اللاجئين السوريين في لبنان سوى خيارات قليلة للإقامة في هذا البلد وتجنب الترحيل، على الرغم من سوء ظروفهم المعاشية بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان وسياسات الحظر والتقييد المفروضة عليهم.

قد يتمكن اللاجئون المسجلون من الحصول على سكن بطريقة قانونية بسهولة في لبنان، إلا أن اللاجئين غير المسجلين لدى المفوضية يتعرضون لتعقيدات كثيرة، إذ قد يتطلب الأمر منهم العثور على كفيل أو تأمين عمل حتى يتمكنوا من البقاء في لبنان، إلا أن اللاجئين السوريين يتعرضون للتمييز عندما يحاولون أن يتجنبوا الترحيل، فقد خلق الخطاب المعادي للاجئين حالة توتر بين المجتمعين، ودفع بعض ملاك البيوت لاستغلال اللاجئين عبر فرض إيجارات أعلى بالدولار عليهم، فيما يطرد بعض الملاك اللاجئين على الرغم من دفعهم للإيجار بصورة منتظمة، نظراً لعدم توقيعهم على أي عقد، وهذا ما يجعل اللاجئين يعانون في تقديم إثبات يفيد بأنهم مستأجرين.

ثمة تقارير لم يتم التحقق من صحتها تشير إلى احتمال تقديم اللاجئين لرشى للسلطات المحلية من أجل تأمين الوثائق الضرورية لإقامتهم في لبنان.

"الشوارع تعبق برائحة الموت"

يخبرنا فقيه بأن المفوضية فشلت في لعب دورها المتمثل بحماية اللاجئين في البلد، بما أنها بوسعها ممارسة ضغط أكبر على الحكومة اللبنانية.

إذ ذكر غسان بأنه لا يمكنه أن يتحدث لأخيه إياد هاتفياً إلا عندما يُسمح للأخير بالاتصال بأهله، إلا أن غسان قلق على مصير شقيقه ومستقبله، وهذا ما دفعه للقول: "لقد هددني النظام السوري بالسجن أو الإعدام في حال ترحيلي"، كما عبر مالك عن خوفه من الموت في سوريا، وقال بإنه أخفى بعض تفاصيل قصته عن المفوضية لمنع النظام السوري من الحصول عليها، وشارك فيديو على يوتيوب حول مجزرة التضامن التي وقعت في عام 2013، والتي أعدم فيها 40 مدنياً ودفنوا في قبر جماعي، وذلك ليعبر عن عدم رغبته بأن تنتهي به الأمور كما انتهت بهؤلاء، إذ يقول: "يخبرني من أتحدث إليهم من أشخاص يعيشون في سوريا بأن الشوارع تعبق برائحة الموت".

المصدر: Middle East Eye