icon
التغطية الحية

بعد مقتل رئيسي: هل ستستأنف إيران لعبة الحرب بالوكالة؟

2024.05.23 | 14:46 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2024 | 21:16 دمشق

رئيسي
مراسم تشييع الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في طهران ـ رويترز
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي يكتنف الشك الوضع السياسي في إيران والذي يتمثل بمن سيخلف الرئيس رئيسي عقب مقتله هو ووزير خارجيته في حادث تحطم مروحية، لا يرجح محللون بأن يغير مقتلهما استعراض البلد لقوتها من خلال الاعتماد بشكل كبير على جماعات مسلحة متحالفة معها في الشرق الأوسط.

وهذه الجماعات هي حزب الله بلبنان والحوثيون في اليمن، والعديد من الميليشيات في العراق، وحماس في بعض الأراضي الفلسطينية، وتعتبر هذه الجماعات عنصراً أساسياً بالنسبة لقدرة إيران على مد نفوذها خارج حدودها، على الرغم من فرض عقوبات اقتصادية صارمة عليها منذ عقود خلت.

لا تغيير على عمل الميليشيات

تتعامل إيران مع تلك الجماعات من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والحرس الثوري يتبع مباشرة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وليس للحكومة التي يديرها الرئيس، لذا وحتى في وقت المناورة والتشكيك في الداخل عقب مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان يوم الأحد الماضي، يتوقع محللون ألا يطرأ كبير تغيير على وتيرة هجمات تلك الجماعات أو على نهجها العام.

وقعت مناوشات حقيقية يوم الاثنين الماضي بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإسرائيلية- اللبنانية. وصبيحة يوم الثلاثاء، أعلنت جماعات تابعة لإيران في العراق عن شنها لغارة على قاعدة في إسرائيل، وكأن حلفاء إيران يريدون أن يشيروا إلى أنهم يمارسون عملهم كالمعتاد عبر تنفيذ الهجمات التي أصبحت معهودة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وتعليقاً على ذلك يقول تريتا بارسي المدير التنفيذي لمعهد كوينسي المتخصص بفن الحكم المسؤول: "من خلال أوائل الرسائل التي وجهها النظام الإيراني عقب اختفاء مروحية الرئيس، تبين بأنهم يريدون أن يقدموا صورة تفيد بوجود حالة استقرار فيما يتصل بمن سيخلف الرئيس، وبأن نشاطات تلك الجماعات ستكون جزءاً من المشهد"، وأضاف: "إيران تعلم تمام العلم بأن هذه الفترة تمثل أشد حالات ضعف البلد، لذا من المهم بالنسبة لها أن تظهر للآخرين بأن لديها سياسات قائمة على مؤسسات لا على أفراد، وذلك حتى تبين للجميع قدرتها على معالجة حدث لم يكن في الحسبان".

رسالة مبطنة مهمة

في دولة يتمتع فيها رجال الدين بسلطة مطلقة، لا بد أن يكون حدث تغيير المرشد الأعلى أشد أهمية من تغيير الرئيس، وتعتبر إيران طريقتها العلنية في التعاطي مع مقتل رئيسي وسيلة لتمرير رسالة تفيد بأنها ستتدبر أمر خلافة آية الله خامنئي الذي بلغ الخامسة والثمانين من العمر بكل سلاسة كما تفعل الآن مع خلافة الرئيس، بحسب ما يراه خبراء.

وبما أن فيلق القدس هو الذي يدير الميليشيات ويمدها بالسلاح والتدريب والمعلومات الاستخبارية، لا يوجد أي سبب لتوقع حدوث تغيير كبير في تلك العلاقات بحسب رأي إيميلي هاردينغ، مديرة برامج الاستخبارات والأمن القومي والتقانة لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وقد عملت في السابق كمحللة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وركزت في عملها على الشرق الأوسط، وهذا ما دفعها للقول: "ترى إيران في أي اضطراب داخلي فرصة لأعدائها، لذا وخلال الأيام الخمسين القادمة، سيبدي المسؤولون في إيران ريبة أكبر، وهذا ما سيجعلهم أكثر احتياطاً وتحلياً بالحذر".

وتضيف هاردينغ بأن التحفظ الوحيد هو أنه في حال تعرض الوكلاء لهجوم خلال فترة الريبة، عندئذ قد تتحمس إيران بصورة أكبر من المعتاد لتدفع الجماعات نحو الانتقام حتى تتفادى أن تظهر بموقف الضعف.

ولكن تلك الجماعات التابعة لإيران تتخذ قراراتها بنفسها بصورة يومية ويتصل ذلك بمكان وزمان الهجمات، ما يصعب على إيران تمحيص أفعال تلك الجماعات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود خطر كبير يتمثل بخطأ في الحسابات يمكن أن يطلق العنان لحلقة مفرغة من الانتقام.

بيد أن كلاً من واشنطن وطهران لا ترغبان بخوض نزاع مسلح مباشر على ما يبدو، على الرغم من أنهما كادتا أن تخوضاه في شهر كانون الثاني، عندما شنت ميليشيا مدعومة إيرانياً في العراق هجوماً بمسيرة على قاعدة أميركية في الأردن، وقبلها نُفذت أكثر من 100 هجمة على يد ميليشيات استهدفت القوات الأميركية في المنطقة، وذلك منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في تشرين الأول الماضي، ولكن تلك الغارة اخترقت الدفاعات الجوية الأميركية، وقتلت ثلاثة جنود أميركيين وجرحت عشرات غيرهم.

جاء الانتقام الأميركي عبر قصف مواقع للميليشيات التابعة لطهران في إيران وسوريا، بيد أن الولايات المتحدة أحجمت عن القصف داخل إيران، لأن ذلك يمثل تصعيداً خطيراً.

أبدت الجماعات المتحالفة مع إيران والتي تطلق على نفسها لقب محور المقاومة قدرتها على مهاجمة منطقة شاسعة وخلق اضطرابات فيها بصورة يومية منذ بداية الحرب على غزة.

فلقد أطلقت جماعات مقاتلة في العراق والحوثيون في اليمن مسيرات وصواريخ على إسرائيل، في حين أطلق حزب الله وحماس صواريخ عليها، أما الحوثيون فقد أخذوا يطلقون النار على سفن الشحن الأجنبية قبالة سواحل اليمن، ما أسفر عن غرق سفينة وتعرض سفن أخرى لأضرار.

ولكن، عندما تخرج تلك الضربات عن مسارها المحدد، يتحمل المقاتلون وطأة أي غارة انتقامية توجهها لهم إسرائيل أو الولايات المتحدة، وهذا ما يمنح إيران القدرة على ترسيخ قوتها مع إبعاد النزاع عن حدودها.

أهمية العلاقات الإيرانية مع الدبلوماسيين والميليشيات

ذكر عنصران رفيعان من تلك الجماعات الموجودة في العراق بأنهما لا يتوقعا حدوث أي تغيير في وتيرة الهجمات التي تشنها الجماعات التابعة لإيران. ولكن ثمة ناحية واحدة يمكن من خلالها لتلك الجماعات أن تتضرر بشكل عرضي إثر تحطم المروحية الذي أدى لمقتل الرئيس الإيراني، وذلك بحسب رأي باتريك كلاوسون، وهو مستشار بارز في مجال الأبحاث لدى معهد واشنطن، بما أنه يركز منذ أمد بعيد في أبحاثه على إيران.إذ في الوقت الذي تركزت الأنظار على مقتل رئيسي، لا بد أن نتذكر بأن وزير الخارجية أمير عبد اللهيان هو من كان يسافر باستمرار في عموم الشرق الأوسط، كما كان يتحدث العربية بطلاقة، ويتواصل بشكل دوري مع القادة السياسيين والجماعات والفصائل المسلحة المقربة من حكومة بلاده وبلادهم، بحسب رأي كلاوسون، وتعليقاً على ذلك يقول: "ثمة ميزة حقيقية كانت موجودة في عبد اللهيان وهو أنه كان يتحدث العربية، ولهذا كان بوسعه أن يخاطب جماعة محور المقاومة كما يمكنه أن يخاطب الدبلوماسيين في بلادهم"، وأضاف بأن مفتاح ممارسة إيران لنفوذها على الجماعات المسلحة يتمثل بالعلاقات التي كونتها طهران مع قادة تلك الجماعات.

سبق لقاسم سليماني أن لعب هذا الدور إلى أن اغتالته الولايات المتحدة في عام 2020، بيد أن خليفته إسماعيل قآاني بعيد عن الأضواء، ويتحدث عربية ركيكة بحسب وصف بعض زعماء محور المقاومة الذين تعاملوا معه.

وهذا يعني بأن هذا الدور أصبح من نصيب أمير عبد اللهيان حتى يحافظ على تلك العلاقات برأي كلاوسون، والآن مايزال السؤال مفتوحاً حول ما إذا أصبحت تلك الجماعات التي كان من الصعب على إيران السيطرة عليها، أشد صعوبة اليوم.   

 

المصدر: The New York Times