icon
التغطية الحية

بعد عقود طويلة.. محاكمة في سويسرا لأمير حرب ليبيري

2020.12.05 | 04:42 دمشق

merlin_180756495_3f2dbb8b-6d57-48b1-b5b4-68ad9c014695-jumbo.jpg
نيويورك تايمز- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في خطوة أثنى عليها المدافعون عن حقوق الإنسان؛ قامت محكمة سويسرية بتوجيه تهم بالقتل والاغتصاب وتجنيد الأطفال وأكل لحوم البشر لقائد سابق للثوار واسمه أليو كوسياه

إذ بعد مرور أكثر من ربع قرن على انتهاء الحروب الأهلية الدموية في ليبيريا، مثل قائد الثوار سيئ الصيت أليو كوسياه أمام محكمة جنائية سويسرية يوم الخميس الماضي ليواجه تهماً تراوحت ما بين ارتكاب جرائم قتل إلى أكل قلب أحد الضحايا.

وتعتبر جلسة الاستماع هذه التي عقدت في مدينة بيلينزونا الهادئة بجبال الألب المرة الأولى التي يخضع فيها ليبيري لمحاكمة بخصوص الجرائم والفظائع التي ارتكبت في الحروب الأهلية المتتالية التي عصفت بليبيريا منذ عام 1989 وحتى عام 1997. فقد تجدد النزاع من عام 1999 وحتى 2003، ويعتقد بأن تلك الحروب تسببت بمقتل ربع مليون شخص.

هذا ولم يخضع أي مجرم ليبيري لأي محاكمة في بلاده، بالرغم من أن لجنة تقصي الحقائق والمصالحة أوصت قبل عقد ونيف من الزمان بأن يتم تشكيل محكمة خاصة بجرائم الحرب. ولهذا أصبح أمراء الحرب السابقون فيها يتجولون بكل حرية بل ويشغلون مناصب رفيعة في الدولة أيضاً.

أما جورج وياه رئيس ليبيريا الحالي الذي كان لاعب كرة قدم على مستوى دولي فقد ضغط لإنشاء تلك المحكمة عندما كان بين صفوف المعارضة. وبعد مرور سنة على وصوله لسدة الرئاسة، أعلن أمام الأمم المتحدة أنه استجاب لجوقة الأصوات العالية حسب وصفه التي طالبته بتشكيل تلك المحكمة. ولكن بعد مرور عامين على ذلك، لم يتم تشكيل محكمة ولا هم يحزنون، كما لم تتم ملاحقة أي مجرم حرب قضائياً.

بل إن الناشطين الليبيريين في مجال حقوق الإنسان ذكروا بأنهم تعرضوا لتهديدات من قبل ضباط أمن تابعين للحكومة، وحول ذلك تعلق بلقيس جراح وهي مختصة بالعدالة الدولية من منظمة هيومان رايتس ووتش فتقول: "إن المحاكمة تهم الليبيريين إلى أبعد الحدود، كما أنها بمثابة إعلان قوي بأن هنالك محاكم تبعد آلاف الأميال يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة تلك الجرائم بعد مرور سنوات طويلة على ما حدث".

وتعبر هذه المحاكمة أيضاً عن أهمية خاصة بالنسبة لسويسرا التي تقوم المحاكم الفيدرالية فيها لأول مرة في تاريخها بالنظر في قضية حول جرائم حرب دولية خلال السنوات التسع لتوليها السلطة القضائية التي تخولها النظر في هذا النوع من القضايا التي تحال من المحاكم العسكرية.

يذكر أن السيد كوسياه كان يقود فرقة من الحركة الموحدة لتحرير ليبيريا من أجل الديمقراطية، والتي قامت بحملة وحشية ضد الجبهة الوطنية القومية التي يتزعمها الرئيس الليبيري الأسبق تشارلز تايلور.

وقد قامت محكمة دولية في لاهاي بالحكم على السيد تايلور بالسجن لمدة 50 عاماً بسبب جرائم الحرب التي اقترفها وذلك في عام 2012، ولكن ذلك الحكم صدر من أجل الجرائم التي ارتكبها في سيراليون وليس في ليبيريا. كما أصدرت محكمة استئناف في فيلادلفيا في أيلول الماضي حكماً بالسجن لمدة 30 عاماً على قائد آخر من الحركة الموحدة لتحرير ليبيريا من أجل الديمقراطية واسمه محمد جاباتيه، حيث عقدت جلسة استماع لتلك المحاكمة ذكرت فيها تفاصيل مروعة لتلك الفظائع، إلا أن السيد جاباتيه المعروف باسمه الحركي في الحرب وهو: (جابا الغابة) أدين بتهمة الاحتيال والتزوير في مجال الهجرة وليس بسبب أي شيء آخر.

أما السيد كوسياه فقد قامت السلطات السويسرية باعتقاله منذ أن ألقي القبض عليه في بيرن في تشرين الثاني من عام 2014، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في الحرب الأهلية الليبيرية الأولى. إذ انتقل إلى سويسرا وحصل على إقامة دائمة فيها في عام 1997 لكنه اعتقل عندما رفعت شكوى لمكتب النائب العام السويسري من قبل منظمة سيفيتاس ماكسيما الموجودة في سويسرا بالتعاون مع شريك ليبيري، ومنظمة العدالة العالمية ومشروع الأبحاث العلمية.

وقد شملت التهم الموجهة إليه 18 عملية قتل، وعملية اغتصاب والتجنيد الإجباري للأطفال، والاستعباد، والنهب، وعملية واحدة لأكل لحوم البشر وذلك عندما أكل قلب أحد الضحايا حسبما ذكر أليان فيرنر مدير منظمة سيفيتاس ماكسيما، الذي يترافع عن أربع من بين سبع ضحايا ليبيريين من المفروض أن يدلوا بشهادتهم في هذه القضية.

إلا أن السيد كوسياه أنكر كل التهم الموجهة ضده، كما أنكر ارتكاب أي جريمة من قبل الحركة الموحدة لتحرير ليبيريا من أجل الديمقراطية.

بيد أن السيد فيرنر أعلن أنه سيستند إلى الشهادة التي تم الاستماع إليها في محاكمة فيلادلفيا للسيد جاباتيه وذلك لعرض نمط تلك الجرائم التي ارتكبتها تلك المجموعة، حيث تصرف السيد جاباتيه بوحشية تقشعر لها الأبدان حسب القرار الصادر عن المحكمة في تلك القضية، والذي ورد فيه أيضاً: "لا أحد بمن فيهم المحلفون الذين نظروا بطريقة محايدة في الأدلة الكثيرة التي جمعت ضد جاباتيه يمكنه أن يعتبر تصرف هذا الرجل سوى محض وحشية".

اقرأ أيضاً: القضاء الألماني يستخدم "صور قيصر" كأدلة في محاكمة "كوبلنز"

  يذكر أن هذه المحاكمة ستمر بمرحلتين: مرحلة جلسات الاستماع التي افتتحت يوم الخميس والتي تهتم بشكل كبير بمعالجة القضايا الإجرائية والادعاء الذي قدمه السيد فيرنر لرفع التهم الموجهة ضد السيد كوسياه إلى جرائم ضد الإنسانية. ومن المقرر لهذه المحاكمة أن تستمر حتى نهاية الأسبوع القادم مع جلسة استماع لرد السيد كوسياه حول تلك الاتهامات.

غير أن القضاة في تلك المحاكمة، وبسبب مخاوف تتصل بكوفيد، قد أجلوا جلسة الاستماع للأدلة المقدمة من سبع ضحايا وشهود ليبيريين إلى موعد آخر سيتم تحديده في شهر شباط القادم.

غير أن هذا التأجيل، الذي يعتبر الأخير ضمن سلسلة التأجيلات، يزيد من الضغوطات التي تحيط بهذه المحاكمة، فقد أمضى السيد كوسياه ست سنوات في المعتقل قبل المحاكمة، وهي بنظر قانون أصول المحاكمات السويسري مدة طويلة للغاية، مما يزيد من احتمال إطلاق سراحه من السجن بعد مراجعة أمر اعتقاله للمرة الثانية والتي ستجري في شهر آذار المقبل.

ومع ذلك سلطت هذه القضية الضوء على سجل سويسرا المتواضع في مجال المحاكمات الدولية لجرائم الحرب. إذ يرى منتقدو تلك المحاكمة بأن الجهة المخصصة للجرائم الدولية لم تحصل على التمويل الكافي كما تفتقر إلى ما تحتاجه من كوادر، مما يشكك برغبة السلطات الفيدرالية من الناحية السياسية بالقيام بتحقيقات معقدة ومكلفة حول جرائم الحرب، وذلك لأن المحاكمة السابقة الوحيدة التي جرت في سويسرا لجرائم حرب دولية أقيمت قبل 21 عاماً، وذلك عندما أصدرت محكمة عسكرية حكماً بالسجن مدى الحياة على فولجينس نيونتيزي وهو أحد رؤساء البلديات في رواندا، وذلك لارتكابه فظائع وجرائم في المجزرة التي وقعت في عام 1994 وقتل فيها حوالي مليون شخص. ولكن وبعد الاستئناف تم تخفيف حكمه إلى 14 سنة.

هذا وقد علم ناشطون حقوقيون بوجود ثلاثة تحقيقات أخرى تتصل بجرائم حرب يجريها مكتب النائب العام السويسري، أحدها يـتصل بخالد نزار وزير الدفاع الجزائري الأسبق، والثاني حول رفعت الأسد، العم الهرم لبشار الأسد، والثالث حول عثمان سونكو وهو مسؤول سابق في الشرطة ووزير داخلية غامبيا.

اقرأ أيضاً: محامون إسرائيليون يقدّمون دعماً واستشارات قانونية إلى رفعت الأسد

ومن بين عمليات التحقيق الثلاث، وحدها تحقيقات سونكو تجري في سويسرا، حيث قدم هذا الرجل طلب لجوء عام 2017، ثم قامت السلطات بإلقاء القبض عليه في أيار من عام 2017 بعدما رفعت شكوى ضده من قبل شبكة قانونية سويسرية، وهي شبكة محاكمة دولية، وهكذا جرى التحقيق معه حول احتمال ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية، بينها التعذيب.

بيد أن السيدة جراح ترى بأن محاكمة كوسياه "يجب أن تكون فاتحة وليست نهاية للجهود التي تبذلها سويسرا لمتابعة قضايا جرائم الحرب"، إذ تشير إلى الأعداد المتزايدة للقضايا التي ترفع أمام السلطات القضائية الشاملة الدولية والتي التزمت بها دول أوروبية على رأسها فرنسا وألمانيا والسويد، ولهذا تقول: "إننا نأمل من سويسرا أن تقتفي أثرهم، وذلك لأن السلطات السويسرية لديها الأدوات التي تؤهلها للقيام بما هو أكثر وأكبر من ذلك".

المصدر: نيويورك تايمز