بعد الكبتاغون.. سوريا جمهورية المعابر والأنفاق

2023.04.01 | 06:23 دمشق

بعد الكبتاغون سوريا جمهورية المعابر والأنفاق
+A
حجم الخط
-A

لا شك أنه خلال الحروب بين الدول وخاصة المتجاورة منها، لا بل حتى في الدول التي تجري فيها حروب أهلية أو غزو أو حتى في النزاعات المسلحة القائمة بين حكومات هذه الدولة وجماعات معارضة لهذا الهدف أو ذاك، فإنه يطفو على السطح تكتيكات الأعمال والتحصينات الهندسية، وإقامة الخنادق و شبكات الأنفاق والشقوق المغطاة و المستورة، وتكون هذه الأعمال سائدة ومنتشرة انتشارا واسعا، وذلك لاستخدامها في أثناء الحروب في مجالات عسكرية عدة مثل الإمداد والتموين، والتحرك والمناورة بحرية في ظروف المعارك، والاختفاء المستور عن وسائط الاستطلاع بكافة أشكالها، وأيضا للوقاية من الضربات الجوية والمدفعية والصاروخية المعادية في فترات القصف والتمهيدات والصبائب النارية، كما قد تستخدم الأنفاق أحيانا كثيرة لأغراض هجومية وذلك من خلال التحرك والتقدم المخفي والمستور لبعض المجموعات باتجاه أهداف معادية قريبة للاشتباك معها وإحداث المفاجآت فيها ويعتمد ذلك خاصة في قتال المدن أو في مناطق خطوط التماس المباشر، ويمكن أن تستخدم الأنفاق أيضا بهدف الوصول إلى أسفل أهداف العدو ومنشآته الهامة مثل غرف العمليات والقيادة ومستودعات الأسلحة وتفخيخها لتدميرها وإحداث الأضرار بها وقتل وجرح من فيها، وهذا ما حدث كثيرا بأعمال قامت بها فصائل الثورة السورية في العديد من المواقع التي كانت تشغلها قوات النظام. كما تُنشأ وتستخدم شبكات الخنادق والأنفاق بكثرة أيضا في المناطق الحدودية بين الدول من قبل عصابات وشبكات ومافيات التهريب بكافة أنواعها وخاصة تلك الممنوعة منها التي تدر على هذه المافيات أرباحا طائلة كالسلاح والحشيش والهيرويين والكبتاغون وغيرها، والتي وللأسف اشتهرت بها الآن سوريا عالميا في ظل حكم آل الأسد خلال ما مضى من سِنِيْ الثورة.

قد يصل طول الأنفاق في بعض الأحيان إلى كيلومترات عديدة كالأنفاق التي أقيمت في فيتنام، أو مثل تلك التي أقامها حزب الله في الجنوب اللبناني

يعرف "النفق" بأنه ممر مخفي تحت سطح الأرض غالبا ما يراد منه الوصل والربط ما بين منطقتين، وعموما يكون طوله أكبر من عرضه ومغلق من كافة الجهات، عدا عن فتحتين _الأولى_ تكون للدخول منه، وربما يكون هناك فتحة واحدة أو عدة فتحات للخروج، وذلك في حال تفرعت أنفاق أخرى عن النفق الأساسي لتشكل بذلك شبكة معقدة من الأنفاق، تصل ربما إلى مناطق عديدة متباعدة عن بعضها نسبيا. وقد يصل طول الأنفاق في بعض الأحيان إلى كيلومترات عديدة كالأنفاق التي أقيمت في فيتنام، أو مثل تلك التي أقامها حزب الله في الجنوب اللبناني، أو التي أقامتها حماس في قطاع غزة.

من خلال المتابعة فعلى ما يبدو أن الشعب السوري وجغرافيته الساخنة التي شهدت طيلة 12عاما ما شهدته من إجرام الأسد وإجرام شبيحته وبطش أمنه وجيشه، بل لم يكتف فرعون عصره بذلك فاستقدم على هذا الشعب الصابر المحتسب الاحتلال الروسي، وأكبر فصائل ومجرمي حزب الله اللبناني بمرافقة أصناف وأسماء وألوان متعددة وعديدة من الميليشيات الطائفية الإيرانية والأفغانية والباكستانية عاثوا فسادا لم تر سوريا وشعبها مثيلا له، لا في قديم عهدها ولا في حديث تاريخها، حيث حولت هذه الميليشيات بالتشارك مع كبار ضباط جيش وأمن ومخابرات الأسد بعد القتل والترهيب والتنكيل والتهجير المساحة والجغرافيا السورية إلى جمهورية لزراعة وإنتاج الحشيش، وتركيب وتهريب وشحن  المخدرات والكبتاغون وتصديره بطرق شيطانية عديدة إلى غالبية دول العالم، بل لقد أصبحت الجغرافيا السورية في ظل وجود العديد من أصحاب النفوذ وشذاذ الآفاق أولئك أشبه "بفيتنام" ثانية، فالمعابر والسراديب والخنادق وشبكات الأنفاق  أصبحت تعج بها وبالأخص المناطق الحدودية والقريبة منها، وباتت تنتشر بأشكال وأحجام مختلفة على كامل الشريط الحدودي الذي يربط الأراضي السورية مع كل من العراق وتركيا ولبنان والأردن.

ميليشيات قسد وحزب العمال الكردستاني أيضا ليسا ببعيدين عن مسألة استخدام الجغرافيا السورية لإقامة الخنادق والأنفاق، بأشكالها المتعددة قرب الحدود التركية، وذلك لاستخدامها في أعمالهم التخريبية والإرهابية التي تطول في غالبها الداخل التركي، ناهيك عن استخدامها أيضا للقيام بعمليات التهريب بأشكاله المختلفة، والتي تشمل تهريب البشر والذخائر والسلاح وليس انتهاء بالمخدرات والحشيش. كل هذا حقيقة لمسناها وشاهدناها، بل وتم توثيقها من خلال عشرات الفيديوهات التي أظهرت حجم الأعمال الهندسية الكبيرة للأنفاق والمستودعات تحت الأرضية التي أقامتها هذه الميليشيات في جبال عفرين حيث قدرت كلفة إنشائها بملايين  الدولارات، بل وتم اكتشاف منطقة محصنة حديثة كاملة المواصفات، تضم: ملاجئ ومخابئ وخنادق مواصلات ومشافي، ومستودعات ومرابض ومساند للرمي والرصد محفورة في جبال عفرين بعدما سيطرت القوات التركية والجيش الوطني على كامل المدينة وأريافها. 

من ناحية أخرى ومنذ أيام خلت  اكتشفت وضبطت ميليشيات قسد وكما تدعي أنفاقا أقامتها خلايا داعش، حيث تصل هذه الأنفاق مخيم الهول بمناطق عدة خارج أسوار المخيم، وبالتأكيد إن صح ما تدعيه هذه الميليشيات فإن هذه الأنفاق قد تم إعدادها لاستخدامات متعددة، إما لتهريب بعض النزلاء الهامين من هذا السجن الكبير الذي يحتجزون فيه، أو لإدخال قطع من السلاح لأشخاص بعينهم وذلك للقيام بعمليات الاغتيال والتصفيات لبعض الذين تعتبرهم داعش أنهم عملاء لقسد والتحالف.

تستخدم هذه المعابر والأنفاق لنقل المخدرات والأسلحة والعتاد العسكري القادم من إيران عبر سوريا ومنها إلى داخل الأراضي اللبنانية

ناهيك عن أن تنظيم داعش وبشكل مسبق وعلى فترات قام أيضا بإنشاء شبكة من الأنفاق على أجزاء واسعة من البادية الشامية، حيث تنشط الآن بقايا فلوله وخلاياه، ويظهر هذا جليا لنا من خلال تحركاته ومناوراته المستورة واختفائه في معظم الأحيان عن الرصد والطيران وبأعمال المفاجأة، ناهيك عن تنوع جغرافيا الأماكن التي يستهدفها بعملياته، وعليه فإننا نستطيع التأكيد على أن "داعش" من خلال استخدام هذه الأنفاق بات يمتلك إمكانيات التحرك والتنقل والمناورة بحرية كالأشباح في مسارح عمليات عدة، وعلى منطقة جغرافية واسعة تمتّد عمليا من ريف "حماة" الشرقي، إلى بادية محافظة "الرقة" ومن منطقة "أثريا" وصولاً إلى منطقة "الرصافة".

ختاما.. إن عشرات الأنفاق ومعابر التهريب المنتشرة على الحدود السورية عموما وخاصة اللبنانية والعراقية منها والتي كما تقول الوقائع أن المتحكم بها هي ميليشيا الحرس الثوري و"حزب الله" ومافيات تابعة لهم، حيث تستخدم هذه المعابر والأنفاق لنقل المخدرات والأسلحة والعتاد العسكري القادم من إيران عبر سوريا ومنها إلى داخل الأراضي اللبنانية وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العديد من المعابر والأنفاق غير الشرعية المنتشرة على الحدود العراقية واللبنانية - السورية، يعود لسبعينيات القرن الماضي.