icon
التغطية الحية

بعد اقتصارها على نساء الريف.. صناعة المونة بيد الحمويات (صور)

2020.10.16 | 14:35 دمشق

120093471_1496801430504126_204229336572306932_n.jpg
حماة - نينار البني
+A
حجم الخط
-A

"شغل المونة ما عاد يجيب همو، المربح يا دوب يطالع أجرة طريق النزلة على حماة"، كلمات عبّرت فيها أم أحمد، من أهالي بلدة قمحانة المحاذية لمدينة حماة شمالاً، والتي اعتادت على تحضير مختلف أنواع المونة وبيعها لعشرات العائلات الحموية لأكثر من ثلاثة عقود، كغيرها من نساء الريف المحيط بمدينة حماة.

تقول أم أحمد "اشتهرتُ بداية بين الحمويات بصنع الفليفلة الحمرة والشنكليش، وتوسع بعدها عملي وتكفلت بكافة أنواع المونة لبعض العائلات، كالباذنجان اليابس والملوخية ودبس البندورة والمكدوس واللبنة"، وتضيف أم أحمد "اليوم وبعد أن تغيرت الظروف، أصبحت النساء تحضر مونتها أو تشتريها من نساء المدينة اللواتي يشتغلن بتحضير المونة، بعد أن عزفت نساء القرى عن النزول للمدينة وبيع منتجاتنا هناك".

انتشر العمل بتحضير المونة بين النساء في معظم القرى المحيطة بمدينة حماة، لكون أهالي الريف يمتلكون الأراضي المزروعة بمختلف أنواع الخضراوات المستخدمة بتحضير المونة، فيعتبر إنتاج المونة إنتاجاً محلياً، فالخضار يتم جنيها من البستان وتنقل إلى المنزل لتحضيرها ثم بيعها جاهزة لأهالي المدينة وبأسعار مناسبة كانت ترضيهم وتوصلهم إلى حد الكفاف.

لكن تصاعد الأعمال العسكرية ووجود الحواجز منذ العام 2011 واستمرارها لعدة سنوات، إضافة لغلاء أجور المواصلات جعل كثيرا من نسوة الريف تعزف عن تلك المهنة، وتركها لنساء المدينة اللواتي بدأت يمتهنها نتيجة للضائقة الاقتصادية التي يعاني منها السوريون جميعاً.

 

مهنة جديدة للحمويات

تراجع نشاط نساء القرى في بيع المونة لأهالي المدينة، دفع ببعض النساء الحمويات للتفكير بالعمل بتلك المهنة، وخاصة أن الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها معظم الأسر السورية تتطلب البحث عن أبواب جديدة للرزق، ربما لم يعتادوا عليها من قبل، وخاصة النساء اللواتي اضطررن للعمل في السنوات الأخيرة أعمالاً منزلية تعينهن على تأمين قوت الأسرة، بسبب فقدان الأب أو الزوج أو الابن الأكبر نتيجة للحرب الدائرة في البلاد.

فاديا سيدة حموية وأم لأربعة أطفال، فُقد زوجها مع مطلع العام 2012، بدأت العمل بتحضير المونة وبيعها منذ ذلك الوقت، تقول "بدأت بعمل المونة بعد أن فقدت زوجي بأشهر، والآن أحضّر كافة أصناف المونة وأبيعها للسيدات الراغبات، والحمد لله أصبح لدي زبائن لا يستغنون عني"، وتوضح فاديا "صحيح أني مضطرة للعمل لإعالة أطفالي، لكني سعيدة بإنتاجي وعدم حاجتي لأحد".

85067123-30f0-4ec1-b847-01c478fe1f3d.jpg
دبس البندورة الذي تحضره فاديا وتبيعه للراغبات من سيدات المدينة

 

f38ffd46-a549-45d7-b7b5-385208801ac0.jpg
أيضاً تحضر فاديا المخللات بأنواعها لزبائنها من سيدات حماة

 

أم لينا هي إحدى الزبائن الذين اعتادوا التعامل مع فاديا في السنوات الأخيرة، تثني على عملها وتقول إن أسعارها معقولة جداً في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها.

وصال أيضاً اضطرت للعمل في المونة، فهي أرملة ولديها ثلاثة أطفال أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تعيش معها ابنتها التي فقدت زوجها في الحرب وهي أم لطفلين أيضاً، وتعاني عائلة وصال الفقر أصلاً قبل تغيّر الظروف المعيشية في سوريا.

22254805_1824709764236533_5109069151549973231_o.jpg
"لبنة مدعبلة" تحضرها وصال كأحد أهم أصناف المونة التي تطلبها سيدات حماة

 

صفية إحدى زبائن وصال تقول "نشتري من وصال كيلو دبس البندورة بـ 1800 ليرة، وتحفر لنا الباذنجان بثمن 100 ليرة للكيلو، و150 مع تيبيسه، نحن نتعامل معها لأنها فقيرة ومسؤولة عن أيتام، وهذا موضع تقدير كبير، فهي سيدة شجاعة استطاعت حماية أسرتها ذل السؤال والحاجة".

29665465_2058599097741412_5700266358536787030_o.jpg
الجبنة والشنكليش من أبرز أصناف المونة الحموية

 

الظروف غيرت الأحلام

توفي والد آمنة وهي في التاسعة عشرة من عمرها، بعد اعتقاله على أحد الحواجز في مدينة حماة، واليوم بعد ست سنوات لا زالت آمنة مسؤولة عن والدتها وأخوتها الصغار، الأمر الذي دفعها للبحث عن عمل بعد أن حُرمت من متابعة تعليمها بسبب المسؤولية التي وقعت عليها لكونها الأكبر بين أشقائها.

وجدت آمنة في تحضير المونة وبيعها مصدراً للرزق، يكفيها وعائلتها شر السؤال، وخاصة بعد أن توافد كثير من الأسر إلى مدينة حماة من مختلف مناطق السورية، مما ساعدها على تصريف بضائعها بصورة أسرع وأسهل ربما.

ea67f9ce-ee2e-4694-b446-958a59de93cd.jpg
الملوخية التي تحضرها آمنة وتبيعها لإعالة أخوتها

 

تقول آمنة "أسكن في حي شعبي اختارت معظم العائلات النازحة السكن فيه، أعجبت معظم النساء بأنواع المونة التي أحضرها، وأبيعها لهم بأسعار معقولة فلا أنسى أنهم يعيشون ضائقة مالية أيضاً".

تتمنى آمنة لو كانت ظروفها أفضل، كما تتمنى لو استطاعت إكمال تعليمها، تقول "لطالما حلمتُ أن أكمل تعليمي الجامعي، وأصبح مدرّسة لغة إنكليزية، لكن ظروف عائلتي غيرت أحلامي، لتتلخص الآن بإعالة إخوتي وجعلهم يدرسون ويتعلمون وأعوض ما حلمت به في نجاحهم".

 

اقرأ أيضاً: دمشقيات يحيين تراث "النملية" ويطبقن عادات ريفية لضبط النفقات