icon
التغطية الحية

بطولة "السوبر ليغ".. لماذا هز حدث رياضي العالم؟

2021.04.21 | 13:27 دمشق

505fa10d-d82d-4ee5-8853-044fcfabb5d1.jpg
مشجعو نادي تشلسي يحتجون على بطولة دوري السوبر الأوروبي ويطالبون بإلغائها
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

لن يكون يوم الثامن عشر من نيسان 2021 يوماً عادياً في عالم الرياضة، بل كان ثورةً أو حرباً أو صاعقةً قد تغيّر شكل وقواعد كرة القدم، حيث شهد هذا اليوم إعلان كبار القارة الأوروبية تشكيل بطولة دوري السوبر الأوروبي (السوبر ليغ)، والانفصال عن الاتحاد الأوروبي (اليويفا) والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).

أعلن 12 نادياً الأحد الماضي تأسيس بطولة "دوري السوبر الأوروبي" بشكلٍ رسمي، وضمت ريال مدريد وبرشلونة واتلتيكو مدريد من إسبانيا، وإنتر ميلان وإسي ميلان ويوفنتوس من إيطاليا، إلى جانب مانشستر سيتي، مانشستر يونايتد، أرسنال، تشلسي، ليفربول، وتوتنهام من إنكلترا، لكن بعد 48 ساعة أعلنت الأندية الإنكليزية انسحابها من هذا المشروع بعد الضغط الجماهيري والإعلامي الكبير الذي واجهته.

إعلان تشكيل البطولة الجديدة هزّ كيان العالم، حيث ركزت معظم وسائل الإعلام في الدول الغربية والعربية على تغطية هذا الحدث وتسليط الضوء على تداعياته، لدرجة أنه لم يسبق أن نال حدث في تاريخ الرياضة ضجةً إعلامية مثلما حصل مع بطولة دوري السوبر الأوروبي، التي تحوّلت إلى حربٍ بين منظمي هذه البطولة واتحادي (اليويفا) و(الفيفا) اللذين أعلنا رفضهما القاطع لتلك البطولة، وهدّدا بفرض أشد العقوبات على الأندية المتمردة.

لكن ما سبب إطلاق كبار أندية القارة العجوز لتلك البطولة، وهل ستؤثر على عالم كرة القدم بشكلٍ سلبي، أم ستزيد المتعة لعشاق المستديرة، تساؤلاتٌ كثيرة راودت الكثير من المتابعين، عقب الإعلان رسمياً عن تشكيل بطولة "السوبر ليغ".

 

ثلاثة أسباب وراء تشكيل البطولة الجديدة

فكرة تأسيس بطولة "السوبر ليغ" تعود لرئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز والتي طرحها منذ عام 2009، حين تولى رئاسة الفريق الملكي للمرة الثانية، إلا أن تلك الفكرة قُوبلت حينئذ برفضٍ واسع، لكنه استمر بالعمل على تطويرها وإقناع كبار الأندية الأوروبية على القبول بها، إلى أن حدثت جائحة كورونا والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والسبب الأول والأبرز في تأسيس بطولة "دوري السوبر الأوروبي".

عقب تفشي كوفيد 19 مطلع العام الماضي، تم تعليق الدوريات الأوروبية لثلاثة أشهر، ومن ثم تقرّر استئنافها بدون حضورٍ جماهيري، ما كبّد إدارات الأندية خسائر مالية فادحة، بسبب توقف الإيرادات التي كانت تحصل عليها من الجماهير، إلى جانب تراجع المعلنين والمستثمرين بشكلٍ كبير، وانخفاض عائدات البث التلفزيوني.

ورغم المليارات التي يكسبها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم من تنظيم البطولات، فإنه لم يتدخل في أي مرة لدعم الأندية وإنقاذها من الأزمات الاقتصادية التي عصفت بها بسبب تداعيات كورونا، وأبرزها برشلونة الذي غرق بالديون، وحتى قبل انتشار الفيروس تعرضت بعض الأندية لأزماتٍ مالية عديدة، وعلى رأسها ميلان الذي تعرض لهزتين ووصل حد الإفلاس، ورغم ذلك لم يتدخل "اليويفا" لمساعدته، لا بل فرض عليه عقوبات، ما دفع كبار الأندية في النهاية للانشقاق عن هذا الاتحاد وتشكيل بطولة خاصة بهم.

 

Ezao99rWEAAzxV1.jpg
لافتات مناهضة لبطولة السوبر ليج

 

السبب الثاني وراء تشكيل البطولة هو الحصول على مكاسب مالية ضخمة، والتخلص من هيمنة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على الأرباح، حيث يستحوذ على نحو 70% من العائدات المالية التي يحصل عليها من تنظيم بطولتي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي، بينما لا يُعطي للأندية المشاركة في تلك البطولتين سوى الفتات، وقد لا يكفي ثمن شراء لاعب واحد فقط، حيث تجاوزت كلفة تعاقد ريال مدريد مع البلجيكي ايدين هازارد 100 مليون يورو، ودفع برشلونة أكثر من 160 مليون يورو للتعاقد مع كوتينيو.

ومع تأسيس كبار الأندية الأوروبية بطولة مستقلة بمعزل عن الاتحاد الأوروبي، أصبح بإمكان تلك الأندية بيع حقوق بث البطولة لأي جهةٍ، بحيث تكون الأرباح لهم فقط، بعدما كان يستحوذ عليها "اليويفا" سابقاً، إلى جانب المكاسب الطائلة من الإعلانات والاستثمارات والضرائب، وبذلك تضمن البطولة الجديدة للأندية المشاركة فيها، دخلاً مالياً يحميها من تداعيات أي أزمة اقتصادية قد تعصف بها مستقبلاً.

أما السبب الثالث وراء تأسيس بطولة "السوبر ليغ"، فهو أن نظام هذه البطولة سيضمن وجود 15 نادياً من مؤسسيها بشكلٍ دائم ضمن البطولة، إلى جانب خمسة أندية تضاف للبطولة كل عام، وهذا يصب في مصلحة الأندية المشاركة، ولاسيما الفرق التي ابتعدت لفترةٍ عن دوري أبطال أوروبا وحُرمت من أرباح البطولة، وأبرزها ميلان وأرسنال وتوتنهام، أما الآن فسيصبح وجودها في البطولة الجديدة مضموناً والأرباح لن تنقطع.

 

خنجر في قلب كرة القدم

المخاوف وحالة الرعب والرفض التي انتابت الكثيرين عقب الإعلان الرسمي عن تشكيل بطولة "السوبر ليغ"، لم تأتِ من فراغ، فهناك كثير من المؤشرات التي تدل على مخاطر تلك البطولة على شعبية كرة القدم والمتعة التي تقدمها لعشاقها على مدار عقود من الزمن.

بطولة "السوبر ليغ" إن كُتب لها النجاح فستقضي على متعة بطولة دوري الأبطال، التي تعد البطولة الأعرق والأعظم في أوروبا، كون كبار الأندية الذين كانوا يمنحونها المتعة والإثارة سيغادرونها، ما يعني أن مباريات أبطال أوروبا ستصبح مملة كونها ستجري بين فرق من المستوى المتوسط والضعيف.

ليس هذا فحسب بل إن المتعة والإثارة قد تختفي حتى من الدوريات الأوروبية الأقوى في العالم (الإنكليزي، الإسباني، الإيطالي)، في حال قرر الاتحاد الأوروبي معاقبة الفرق المنشقة عنه، وحرمانهم من المشاركة في دورياتهم المحلية.

 

e21dc79d-34e5-427b-be48-8412c9b75976.jpg
كأس دوري أبطال أوروبا

 

ولن يقف الأمر عند ذلك، فإن الأمر الأخطر والذي يخشاه جميع عشاق كرة القدم، هو أن يتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، قراراً يمنع بموجبه جميع اللاعبين الذين سيشاركون في بطولة السوبر ليغ الجديدة، من المشاركة مع منتخباتهم في كأس العالم والبطولات القارية، ما يعني أننا قد لا نرى ميسي ورونالدو وسواريز وإبراهيموفيتش وغيرهم من النجوم يشاركون في كأس العالم بعد الآن.

من مخاطر بطولة دوري السوبر الأوروبي، أنها ستقتل متعة كرة القدم وشغفها وحماستها، فجمال هذه الرياضة يكمن في وجود عنصر التشويق، فقد تفوز الفرق المغمورة على الفرق الكبرى وجميع الحظوظ متساوية، وبالتالي تبقى الإثارة في المباريات حاضرة لآخر لحظة، فمن منا لا يتذكر تتويج فريق بورتو ببطولة أبطال أوروبا، ومنتخب اليونان باليورو في عام 2004، رغم أنهما من الصفين الثاني والثالث.

أما مع تشكيل بطولة "السوبر ليغ" والتي ستدر أموالاً طائلة على الأندية المشاركة فيها، فإنها ستمكنها من السيطرة على سوق الانتقالات، وبالتالي ستستقطب تلك الفرق الكبرى جميع النجوم في العالم، وستتحول إلى قوة ضاربة في الملعب، بينما تصبح الفرق المتوسطة والمغمورة بلا أي نجوم، وبالتالي تصبح بمستوى هزيل، وتضيع روح التشويق والمنافسة التي كانت تميّز كرة القدم.

ومع خروج الفرق الكبرى والنجوم من الدوريات الكبرى إلى دوري السوبر الأوروبي، وشرائهم حقوق البث والتغطية الإعلامية والترويج الإعلاني، سينصب التركيز على تلك البطولة فقط، بينما تتهمش باقي البطولات المحلية وتتدمر كرة القدم، وستظلم الفرق الصغيرة واللاعبون فيها، وبنفس الوقت ستُغلق كثير من القنوات التي كانت تغطي بعض الدوريات، ما يُدمّر الإعلام الرياضي المرئي، بسبب احتكار البث من جهاتٍ محددة تمتلك رؤوس الأموال الضخمة.

مخاطر البطولة الجديدة لن تقتصر على الفرق الصغيرة، بل ستطول حتى الفرق الكبيرة التي ستشارك فيها، فضمان مشاركتها كل عام في هذه البطولة، سيجعلها تلعب بمستوى متدنٍ في دورياتها المحلية في حال سُمح لها بالبقاء فيها، كونها ليست بحاجة لبذل مستويات عالية لحجز مقعد مؤهل في دوري الأبطال، ما يؤدي إلى انخفاض مستوياتها، وقتل روح المنافسة في الدوريات المحلية.

من السلبيات التي ستلاحق الفرق المشاركة في "السوبر ليغ" أيضاً، أنها ستضطر للعب ضمن هذه البطولة كل أسبوع أو أسبوعين، إضافةً إلى أن كل المباريات ستكون بين فرق من العيار الثقيل، فتخيلوا كمية الإرهاق والتعب التي ستواجه اللاعبين، خاصةً عندما يلتقي الريال مع برشلونة، وبعدها بأسبوع مع يوفنتوس وبعدها مع ليفربول وهكذا، وفي كل أسبوع سيُجبر اللاعبون على التنقّل والعودة للديار من دولةٍ لأخرى، ما سيؤدي إلى انخفاض مستوى الفرق بسبب الإجهاد والإصابات.

 

مكاسب بالجملة

رغم كل السلبيات والمخاطر التي قد تحصل في عالم كرة القدم، لكن هذه البطولة في المقابل قد تحمل كثيراً من الإيجابيات لمستقبل كرة القدم، حيث أصبح المال هو المحرك الأساسي لهذه اللعبة، فالفرق التي تملك الأموال اليوم هي التي تسيطر على عالم المستديرة، وبالتالي الانضمام إلى بطولة دوري السوبر الأوروبي سيضمن مستقبل الفرق ويحميها من الإفلاس أو الأزمات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال يوفنتوس (المرتاح مالياً) كان مسيطراً خلال العقد الأخير على الدوري الإيطالي، بسبب عدم قدرة إنتر وميلان على دفع الأموال وشراء اللاعبين للمنافسة.

من مزايا هذه البطولة أنها ستتيح متابعة فرق كبيرة تلعب مع بعضها بعضاً كل أسبوع، بدلاً من الانتظار عدة أشهر للوصول إلى الدور ربع أو نصف النهائي في دوري أبطال أوروبا، لمشاهدة مباريات من العيار الثقيل.

 

f51f6e2c-cd22-44cd-9fbe-b5386b376984.jpg
رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز العقل المدبر لدوري السوبر الأوروبي

 

لكن البعض يقول إن مباريات هذه البطولة ستصبح مملة، كونها ستجري بين نفس الفرق كل عام، لكن هذا الكلام غير منطقي، فالكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة يتكرر كل عام مرتين أو أكثر، ورغم ذلك يحافظ على الشغف والجماهيرية والحماسة، ولا يشعر أحد بالملل أبداً، وهذا الأمر ينطبق على غيره من المباريات التي تتكرر في باقي الدوريات بين الفرق الكبرى.

ولعل الأمر الإيجابي الأهم من هذه البطولة هو حجم الأموال الضخمة التي ستجنيها الفرق في حال اعتُمدت البطولة رسمياً وشاركت فيها، فعلى سبيل المثال، يستطيع مانشستر يونايتد أن يجني من مشاركته في دوري الأبطال، ما بين 40 و80 مليون إسترليني في الموسم الواحد، لكنه سيحصل مبدئياً على ما بين 250 و300 مليون إسترليني، إذا شارك في دوري السوبر الأوروبي، مع إمكانية تضاعف هذا المبلغ في المواسم التالية.

عقب الإعلان عن تأسيس البطولة الجديدة، خصص بنك "جي بي مورجان" الأميركي، الراعي لهذه البطولة، مبلغاً قدره 3.5 مليارات يورو لتوزيعه على الأندية المشاركة، بحيث يحصل النادي المتوج بلقب دوري السوبر على 400 مليون يورو، مقارنةً بـ120 مليون يورو كحد أقصى، يحصل عليها الفائز بدوري الأبطال.

 

مجرد ورقة ضغط

رغم الإعلان الرسمي عن بطولة "السوبر ليغ"، لكن هذه البطولة قد تُلغى في حال واجهت ضغطاً كبيراً، أو ربما تكون في الأصل مجرد حركة إعلامية من الفرق المشاركة فيها، للضغط على الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم، من أجل تقاسم المكاسب المالية وإعطاء الفرق الكبيرة حصصاً أكبر من الأرباح.

 

14dc4436-d570-4e42-b694-743bb192901e.jpg
رئيسا اليويفا والفيفا اللذان وقفا ضد مشروع السوبر ليغ

 

في النهاية قد تتجه الأمور إلى التفاوض بين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وكبار القارة العجوز، في محاولةٍ للعثور على حل يُرضي الجميع، عن طريق تغيير طريقة تنظيم البطولات، ومعها إعادة تقسيم الكعكة بشكل أكثر عدلاً، بحيث تأخذ الأندية الكبيرة ذات الجماهيرية الطاغية الحصة الأكبر، نظير ما تنفقه من ملايين لشراء لاعبيها وتطوير البنى التحتية والمشاريع الضخمة التي تقوم بها من أجل المنافسة على الألقاب.

والأهم من كل هذا أنه في حال تم إلغاء البطولة، فقد ندخل في معركة جديدة من العقوبات المفروضة على الأندية المتمردة، والتي ستطعن بها في المحاكم، كون تلك الأندية ترى أنها لم تخالف القانون حين ثارت على اتحاداتٍ غرقت في الفساد لسنوات، وحرمتها من مكاسب مالية ضخمة، لا بل إن تلك الاتحادات (الفيفا واليويفا) لم تساند الفرق في أصعب أزماتها الاقتصادية عقب تفشي فيروس كورونا.