icon
التغطية الحية

انقطاع البنزين عن إدلب.. تبريرات غير مقنعة تخفي الأسباب الحقيقية وراء الأزمة

2023.08.01 | 16:50 دمشق

انقطاع البنزين عن إدلب.. تبريرات غير مقنعة تخفي الأسباب الحقيقية وراء الأزمة
أزمة البنزين في إدلب - تلفزيون سوريا
إدلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

تعيش منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ الذراع المدني لـ"هيئة تحرير الشام" منذ أكثر من 10 أيام أزمة نقص حاد في مادة البنزين، وسط مخاوف من أصحاب السيارات والآليات من تفاقم الأزمة واحتكار التجار والكازيات للبنزين ورفع أسعاره، دون أن تقدم "حكومة الإنقاذ" تبريرات مقنعة، وأثبت موقع تلفزيون سوريا عدم صحتها، في حين رجحت مصادر خاصة الأسباب الحقيقية للأزمة.

وتشهد مدن وبلدات المحافظة ازدحاماً أمام محطات الوقود في حال وصلت كميات قليلة جدا من البنزين، في وقت تكثر المادة على "البسطات" بأسعار خيالية تصل إلى ضعف سعرها في المحطات، وسط تبريرات غير مقنعة تارةً من قبل المؤسسة العامة للمشتقات النفطية، ووعود وهمية تارةً أخرى في تأمين البنزين خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويباع سعر ليتر البنزين الأوروبي المستورد الواحد بـ 1.175 دولار (32 ليرة تركية)، ويباع على "البسطات" بسعر 50 ليرة، في حين يباع لتر البنزين المكرر (المعالج) المستورد من قبل السكان عن طريق عمليات التهريب من ريف حلب الشمالي، بسعر 35 ليرة تركية، والذي لا يصلح للسيارت لاحتوائه على شوائب عدّيدة من شأنها أن تسبب أعطالاً في محرك السيارة.

ءؤر
طوابير في أريحا

نتائج انقطاع البنزين

أثر انقطاع مادة البنزين سلباً على كل مناحي الحياة في منطقة إدلب وخاصّة الأنشطة الاقتصادية فيها، ما خلق حالة من الغضب المتصاعد بين السكان الذين طالبوا "حكومة الإنقاذ" بتحمل مسؤولياتها.

ويعتمد عشرات آلاف العمال في عملهم على تنقلهم بالسيارات أو الدراجات النارية، كالبائعين المتجولين أو عمال النقل أو الموظفين الذين يعملون في مدن غير مدن سكنهم، وهؤلاء من أصحاب الدخل الأدنى في المنطقة والذين يعملون بالمياومة ويتلقون أجورهم يومياً، ولذلك فإن اليوم الذي لا يعملون فيه لا يأكلون فيه.

وتعتبر الدراجة النارية وسيلة النقل الأكثر انتشاراً في الشمال السوري، ويتأثر عملها فوراً بانقطاع المادة لأن غالب أصحاب الدراجات من الموظفين والعاملين في المحال التجارية والورشات الصناعية.

وهذا الانقطاع ليس الأول في المنطقة، ولذلك لجأ بعض الأهالي لتخزين كميات قليلة من البنزين أو المازوت تحسباً لأي انقطاع قادم، لكن هذا التخزين لطالما تسبب بحرائق في المنازل فقد على إثرها كثيرون حياتهم.

مبررات "الإنقاذ".. ما أسباب انقطاع البنزين؟

تُبرر المؤسسة العامة للمشتقات النفطية في إدلب انقطاع البنزين إلى توقف الشركات في تركيا عن توريد المادة بسبب أعطال فنية في ميناء مرسين، أدّت إلى خلل في عملية التفريغ.

ونفى أحمد السليمان مسؤول العلاقات في المديرية العامة للمشتقات النفطية في حكومة الإنقاذ انقطاع مادة البنزين عن منطقة إدلب، معتبراً أن ما يحصل هو انخفاض الكميات من قبل الشركة الموردة التي بررت النقص الحاصل بأعطال فنية حدثت بميناء مرسين التركي.

وبخصوص ردّه على توافر المحروقات في بعض المحطات وغيابها عن كثير، قال: "إن قلة الكميات الداخلة إلى المنطقة دفعتنا إلى تخديم المحطات الرئيسية فقط، لتكون موزّعة على كامل المنطقة ولسهولة الرقابة عليها لعدم الاحتكار أو التلاعب بالأسعار".

وأكد السليمان أن المؤسسة ستعمل في الأيام المقبلة على الاحتفاظ بكميات احتياطية من مادة البنزين استجابة لأي أزمة قد تحل على المادة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تتطلب من أصحاب المحطات تطبيق شروط التراخيص المُقرّرة من قبل المؤسسة، والتي من شأنها أن تحمي المنطقة من أي خطر قد تسببه المادة المخزنة.

تابع موقع تلفزيون سوريا موقع ميناء مرسين على الإنترنت خلال الأيام الماضية، وبحث عن أي أخبار صيانة أو أعطال في الميناء على المواقع الإخبارية التركية، ولم يعثر على أي أخبار أو بيانات بشأن أعمال صيانة أو أعطال أو تأخير أو توقف ولو جزئيا في عمل الميناء.

جهات محلية عديدة أيضاً شككت في ادعاءات الإنقاذ حول حدوث خلل في ميناء مرسين، معتبرين أن حدوث هكذا خلل يوقف دخول المحروقات بشكل كامل ولا يؤدي لتقليل الكميات بشكل كبير، كما أن حدوث الخلل وتوقف التوريد من شأنه إيقاف توريد المحروقات على كل من ريف حلب الشمالي وإدلب على حد سواء، وهو ما لم يحصل.

وربطت مصادر من المعارضة السورية أزمة الوقود بتوتر العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام، واعتبرت أن ملف المحروقات واحداً من أبرز أدوات الضغط التي تكرر استعمالها ضد الهيئة خلال السنوات الأخيرة.

من جانب آخر اتهمت جهات محلية أخرى هيئة تحرير الشام بافتعال الأزمة في مناطقها، لتحقيق مكاسب مالية من جوانب أخرى، أبرزها تصريف دفعة من الدراجات الكهربائية التي تم استيرادها مؤخراً، حيث دأب الإعلام المقرب من الهيئة بالترويج لهذه الدراجات كحل بديل عن حدوث أزمات البنزين المتكررة في المنطقة، وهو ما لم يسبق للإعلام المقرب من الهيئة التطرق له، فهو الذي يركز عادة على الإيجابيات فقط ويتجاهل الأزمات التي يعيشها سكان المنطقة.

أيضاً يرى أصحاب هذا الاتهام بأن أزمة البنزين ستطول، وهي تدار من قبل الهيئة بطريقة ذكية على حسب وصفهم تقوم على مبدأ نُدرة السلعة ولكن عدم انقطاعها، كي لا تلام السلطة بسبب في حال فقدان السلعة بشكل نهائي، وكي يتم الدفع بشريحة من المواطنين نحو الحلول المقترحة المتمثلة بالدراجات الكهربائية.

الحكومة لا تبالي.. توقيف التوريد لحين ترخيص المحطات

ولكن أحمد عبد الله صاحب محطة محروقات في مدينة الأتارب غربي حلب، كان له رأي آخر بما أعلنته الشركة، إذ قال في حديث لـموقع تلفزيون سوريا، إن حقيقة أزمة البنزين سببها الرئيسي امتناع المؤسسة العامة للمشتقات النفطية في إدلب تزويد محطات الوقود المنتشرة في المنطقة، لعدم استيفائها شروط الترخيص المقررة من قبلها، والتي وصفها بـ"التعجيزية والمستحيلة".

وأوضح العبد الله أن البنزين متوافر وبكثرة لدى المؤسسة وأن المحطات التي تستوفي شروط التراخيص مليئة بالبنزين أبرزها محطة "طيبة والسلام، والعربية، والرحمة" الواقعة في مدينتي الدانا وسرمدا والتي تشهد ازدحاماً على مدار الـ 24 ساعة في اليوم.

واعتبر عبد الله أن شروط التراخيص مكلفة جداً وأنها تحتاج لمبلغ يُقدر بـ60 ألف دولار لإنشاء محطة فقط، لافتاً أن منطقة الأتارب التي وصفها بـ"غير الآمنة" تحوي قرابة 100 ألف نسمة وتبعد عن مواقع النظام قرابة 5 كيلومترات، وأن هذا المشروع مُهدد بالقصف بأي لحظة من قبل النظام، وبالتالي سيكون إنشاء مثل هذه المحطة مغامرة بمبلغ كبير.

وتحوي مدينة الأتارب 7 محطات وقود، وجميعها غير مرخصة، ما يجعل المدينة والقرى التابعة لها يعيشون في أزمة حقيقية، دون أي مراعاة من قبل الحكومة للوضع الأمني والخدمي للمنطقة، في حين يضطر الأهالي للذهاب إلى محطات مدينة سرمدا التي تبعد مسافة 50 كم ذهابا وإياباً.

وقال أحمد عبد الله إن أصحاب المحطات في المدينة أخبروا المؤسسة مؤخراً بعدم استقرار وضع المنطقة، وطالبوهم بحماية المنطقة لإنشاء هكذا مشروع، أو اعتماد محطة واحدة بإشراف الحكومة من شأنها تخديم أهالي المنطقة في أثناء الأزمات، أو دفع أصحاب المحطات مبلغاً للمؤسسة شبيه بـ"التأمين" لتزويدهم بالوقود، بيّد أن الأخيرة رفضت هذا الاقتراح بالمطلق وطالبتهم بالترخيص.

شروط الترخيص

خلال حديثنا مع "السليمان" أكّد على أن أهم شروط التراخيص المقرّرة هي إلزام مالكي المحطات بمخزون احتياطي من جميع المواد بنسبة 20 بالمئة من السعة التخزينية للمحطة، التي من شأنها تخفيف حدّة الأزمة في أثناء حدوثها.

وأمّا باقي الشروط فهي شروط أمن وسلامة منها وضع خزانات المحطة تحت الأرض مما يوفر الأمان، وابتعاد المحطة عن الأحياء السكنية والمدارس والمشافي، وفق قوله.

ولفت إلى أن شروط التراخيص المذكورة آنفاً تجعل الرقابة على المحطات أكثر دقة وواقعية لتصل المواد إلى المستهلك بأكثر جودة دون تلاعب أو احتكار.

المخزون الاحتياطي من مهام المؤسسة

يرى "العبدالله" أن أصحاب المحطات لا تهتم بتوفير خزانات احتياطية للمحروقات فهو أمر مكلف جداً ويحتاج إلى مساحات كبيرة، لافتاً أن هذه الأمر من مهام المؤسسة التي من شأنها الاحتفاظ بكميات ضخمة تزوّد بها المحطات في حال حدوث الأزمة.

ويُضيف: "لحل هذه المشكلة بشكل مؤقت في أثناء الأزمات، يمكن أن تجبر المؤسسة أصحاب المحطات على بيع كميات قليلة من البنزين للمواطنين كإلزامها في بيع سائق الدراجة النارية لترين من البنزين كحد أقصى، وسائق السيارة 6 لترات، مشيراً إلى أن هذه الكميات كافية لاستهلاك المواطن عدّة أيام لحين تجاوز الأزمة".

وتتعرض منطقة إدلب بشكل دوري لأزمة محروقات خانقة، كان آخرها في 17 حزيران/يونيو الفائت، إذ توقف دخول مادة البنزين من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، الأمر الذي أدى إلى انقطاعه وخلق أزمة كبيرة على محطات الوقود، وانعكس الأمر سلباً على الأهالي وخاصة العمال الذين يتنقلون على دراجاتهم النارية للوصول إلى أماكن عملهم.

وتعتمد حكومة الإنقاذ في تأمين المحروقات على استيرادها من تركيا أو من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شرقي وشمال شرقي سوريا.

ويعيش الأهالي في الشمال السوري أوضاعاً معيشية صعبة، يُرافقها ارتفاع حاد بكل الأسعار، بالإضافة إلى قلة فرص العمل وانتشار البطالة وتدني أجور العاملين.