icon
التغطية الحية

انعكاس التوترات التركية الأميركية على إدلب

2018.08.12 | 13:08 دمشق

مجموعة مقاتلين من الجيش السوري الحر (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

تزامنت قبل يومين الضربات الجوية التي نفذها طيران النظام في مناطق عدة من ريفي حلب وإدلب مع إعلان ترمب مزيداً من الضغوط الاقتصادية على تركيا التي وصلت ليرتها إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار الذي قال عنه ترمب أنه "قوي جداً".

ويأتي التصعيد الأمريكي غير المتوقع بعد انفراجة في العلاقات مع تركيا عقب التوصل لخارطة طريق حول مدينة منبج شمال حلب، الأمر الذي روّج له الأتراك كثيراً دون تحقيق أي تقدم عملي في هذا السياق سوى الدوريات الأمريكية التركية المشتركة في محيط المنطقة والتي وصلت إلى 28 دورية يوم أمس السبت.

فتركيا التي قلبت توافقاتها فيما يتعلق بالملف السوري عقب إسقاط الطائرة الروسية وعدم وصولها مع شريكتها في حلف الناتو الولايات المتحدة لصيغة تفاهمية واضحة حول حدود تركيا الجنوبية التي أصبحت معقلاً ضخماً لتنظيم الدولة في أوج سيطرته على سوريا والعراق؛ تمكنت من تحصيل مكتسبات سياسية بانخراطها مع كل من روسيا وإيران بمسار أستانة ما جعلها لاعباً سياسياً مسيطرة بشكل شبه كامل على الفصائل العسكرية في الشمال السوري، فضلاً عن مكتسبات ميدانية بعد عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" ما أعطاها أوراقاً للدخول في لعبة البوكر حول سوريا والتي ستفضي إلى رابح واحد فقط.

لم تستطع الولايات المتحدة من منع عملية "درع الفرات" بعد أن طالت قذائف تنظيم الدولة مدناً وقرى تركية قرب الحدود، كما أن روسيا كانت غير قادرة على رفض معركة "غصن الزيتون" تجنباً لانهيار تحالفها مع تركيا للإبقاء على مسار أستانة وبالتالي تجميد الجبهات في كل مكان وخاصة الشمال السوري وقيامها بقضم جيوب الثورة في دمشق وحمص والجنوب السوري، وتوجهها لمحاربة تنظيم الدولة والسيطرة على كامل الصحراء السورية الاستراتيجية والغنية بالثروات.

وبما أن واقع الحال في سوريا لم يعد يسمح للصدفة أن تأخذ مجراها بشكل كبير، وبعد أن ظهرت المؤشرات الواضحة جدا حول وجود قنوات تواصل بين روسيا والولايات المتحدة التي قدمت للأولى الجنوب السوري على طبق من ذهب، وسمحت للجهات المدنية والعسكرية في مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا ببدء تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بات من الضروري التساؤل، هل تريد روسيا والولايات المتحدة إخراج اللاعب التركي من سوريا؟

تركيا الآن تواجه حرباً اقتصادية حسب ما قال رئيسها رجب طيب أردوغان، الذي يراهن كثيراً على قدرة شعبه على التحمل مغذياً بشكل مستمر فكرة عظمة الأمة التركية، وبعيداً عن تحليل مدى قدرة اقتصاد البلاد على الصمود أمام الضغوطات الأمريكية، لا بد أن يكون لذلك تأثيره بشكل أو بآخر على مجريات الأحداث في إدلب.

ففي حال كانت التفاهمات الأمريكية الروسية عميقة كفاية حول مستقبل سوريا، فلن يكون من المستبعد أن تعمل الدولتان على تشكيل مزيد من الضغط على تركيا بغية إخراجها خارج طاولة التفاهم حول سوريا.

وخاصة أن آخر التقارير التي تطرقت للمباحثات التركية الروسية حول إدلب، تحدثت عن تمسك الروس برغبتهم تطبيق اتفاق الجنوب السوري في شماله، عبر قيام تركيا بالضغط على الفصائل العسكرية بسحب السلاح الثقيل منها، ودمجها في جيش وطني، ثم دفعها للمصالحة مع النظام والانضمام إلى فيلق روسي ما في سوريا، وكذلك عقد مؤتمر للفعاليات المدنية من حكومتي الإنقاذ والمؤقتة للتوصل إلى صياغة تعود من خلالها دوائر النظام المدنية للعمل في المنطقة، أو في أحسن الأحوال تشكيل إدارة مدنية موحدة لإدلب.

وفي حال وافقت الفصائل على المطالب الروسية والضغط التركي، فذلك يعني عودة إدلب إلى سيطرة النظام بشكل غير مباشر، وبذلك تخسر تركيا ورقتها الرابحة الأقوى ألا وهي إدلب والأرياف المحيطة بها والفصائل العسكرية الموجودة فيها، والتي يصل عددها لعشرات الآلاف من المقاتلين أصحاب الخبرة في مواجهة النظام وروسيا، والذين تمكنوا بدعم تركي سخي من كسر شوكة روسيا والنظام وقلب الموازين في "ملحمة حلب الكبرى" خلال أيام معدودة.

وفي حال لم توافق الفصائل على ذلك، فسيكون من المرجح جداً أن تسحب تركيا نقاطها الـ 12 في المنطقة وتركها مفتوحة أمام هجوم عنيف جداً من قبل الروس وإيران والنظام، ما يعطي ضمن سياق الأوراق الرابحة نفس النتيجة لتركيا التي ستخسر إدلب.

وبالتالي سيبقى لتركيا منطقة شمال وشمال شرق حلب، وهي ليست بذات استراتيجية إدلب التي تعتبر عمقاً كبيراً للثورة السورية وتهديداً حاضراً للنظام وروسيا في حماة والساحل السوري، وبذلك ستكون مفاتيح الحل وأقلام رسم مستقبل سوريا وطبيعتها بيد الدولتين العظمتين روسيا التي تسيطر على المدن السورية والعاصمتين السياسية والاقتصادية والساحل وقسم كبير من البادية السورية، والولايات المتحدة التي أثبتت عبر سنوات الثورة السورية أنها قادرة على فرض ما تريد وقلب الطاولة بأي وقت تريد.

في حين لا يمكن أيضاً تجاهل العكس تماماً من أن تدفع العقوبات الأمريكية على كل من تركيا وروسيا وإيران لتعزيز العلاقات الثلاثية بين هذه الدول، الأمر الذي قد يُبعد عن إدلب شبح معركة قادمة إلى أجل مسمى.