icon
التغطية الحية

انخفاض منسوب المياه الجوفية في الشمال السوري.. أسباب متعددة وآثار كارثية

2022.08.08 | 05:54 دمشق

ءئؤ
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تنشط مهنة نقل مياه الشرب التي يعمل بها عشرات الأشخاص العاطلين عن العمل في مدن وبلدات ومخيمات ريفي حلب الشمالي والشرقي خلال فصل الصيف، وذلك بعد انخفاض منسوب المياه الجوفية، ما أدى إلى توقف العديد من الآبار عن العمل، وعدم كفايتها لتغطية احتياجات السكان من المياه، إضافة إلى عجز مياه الشركة التي تصل إلى منازل الأهالي عبر أنابيب المياه عن تغطية كامل احتياجات السكان من الماء.

ولذلك يضطر الأهالي لشراء المياه من صهاريج يتم تعبئتها من الآبار الزراعية الواقعة في محيط المدن والبلدات، التي لم تكن غائبة عن أزمة المياه.

ويعمل محمد نبهان، في بيع مياه الشرب بجرار زراعي يجر صهريجاً من الماء بسعة 5 آلاف ليتر، وينقل يومياً إلى مدينة مارع بريف حلب الشمالي بشكل وسطي نحو 10 صهاريج، يتم ضخها إلى منازل الأهالي في المدينة، ولا يكاد يتوقف عن عمله حتى ساعات متأخرة من الليل.

وقال نبهان لموقع تلفزيون سوريا، إن مهنة نقل المياه أصبحت رائجة نتيجة الاحتياج الكبير للمياه خلال فصل الصيف على وجه التحديد، حيث يعمل معه في مدينة مارع في نقل المياه عشرات آخرون، ينقلون المياه للأهالي ذلك نتيجة عدم تغطية مياه الشركة لكامل سكان المدينة واقتصارها على ساعات محدودة أسبوعياً.

وأضاف: "المياه مهمة ولا يمكن الاستغناء عنها، وأعداد السكان على مستوى مدينة مارع أصبحت أضعاف السكان الحقيقيين، كما أن المياه التي يتم ضخها لا تغطي الأحياء السكنية التي نشأت حديثاً، ويتركز نقل المياه بشكل يومي لتلك الأحياء، بينما لا تصل المياه لعدد جيد من المنازل في مركز المدينة ما يدفعهم إلى شرائها".

مياه الشركة لا تروي السكان

مدير شركة المياه في مدينة مارع المهندس يوسف الحجي، أكد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن المياه لا تغطي كامل المدينة والاحتياج يفوق منسوب المياه المتوفر في الآبار، حيث تعتمد شركة المياه على عدة آبار بشكل دوري في عملية الضخ بهدف تعويض النقص في الآبار.

انخفاض منسوب المياه الجوفية في الشمال السوري

ولا يقتصر عمل صهاريج المياه في مدينة مارع فقط، وإنما يشمل معظم مدن وبلدات ومخيمات ريفي حلب الشمالي والشرقي، ما يعني أن المشكلة تعاني منها معظم مناطق الشمال السوري. ففي مدينة الباب، تتفاقم المشكلة كل عام خلال فصل الصيف، بسبب عدم كفاية مياه الشركة التي تأتي يوماً واحداً في الأسبوع لجميع الأحياء، وفي حال حصلت المنازل المشمولة بشبكات مياه الشرب، فإن الوقت المحدد لتعبئة المياه لا يزيد على ألفي ليتر وفي أحسن الأحوال لا تغطي احتياج الأسرة لمدة أسبوع.

وأوضح المهندس مصطفى الأخرس، المدير السابق لشركة المياه في مدينة الباب لموقع تلفزيون سوريا، أن مياه الشركة التي تصل إلى منازل المدنيين عبر الأنابيب الأرضية، تغطي 70 % من مدينة الباب، بينما الـ 30 % هي أحياء ومنازل جديدة نشأت مع التوسع العمراني في المدينة ولم تصلها خطوط المياه.

2000 لتر بـ 50 ليرة تركية.. 200 ليرة شهرياً على الأقل

وأضاف المهندس مصطفى الأخرس: "المياه الواردة أسبوعياً لا تغطي كامل احتياج الأهالي، ما يضطرهم إلى شراء الماء مرة أسبوعياً، أما الأحياء التي خارج خدمة المياه فيشترون الماء مرتين أسبوعياً، حيث يبلغ سعر خزان المياه بسعة ألفي ليتر نحو 50 ليرة تركية".

وتعتمد مدينة الباب على آبار المياه الموجودة في منطقة سوسيان والراعي والتي تضخ إلى خزان المدينة الواقع على جبل الشيخ عقيل، بسعة 10 متر مكعب، وبعدها يتم تغذية أحياء المدينة المشمولة في خدمة المياه، ذلك بعدما توقف عمل مضخة المياه عين البيضا التي تروي المدينة قادمة من نهر الفرات.

بينما في مدينة اعزاز لا يختلف الأمر كثيراً، فالمدينة منذ سنوات تصارع غياب مياه الشرب، وسط عجز الجهات المحلية عن تغطية كامل المدينة بالمياه التي يتم ضخها من عفرين وصولاً إلى مدينة اعزاز، كونها لا تغطي كامل احتياجات الأهالي ما يدفعهم إلى شراء الماء من الصهاريج.

ورغم تضرر شبكات المياه في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي، مثلها مثل جميع الخدمات البلدية خلال السنوات الماضية نتيجة القصف والحفر العشوائي؛ عملت المجالس المحلية على تأهيلها بشكل تدريجي، لكن ما لم يكن بالحسبان انخفاض منسوب المياه الجوفية وعجزها عن توفير المياه إلى كامل السكان، في ظل توقف العديد من الآبار.

انخفاض منسوب المياه الجوفية

انخفض منسوب المياه الجوفية إلى مستويات متدنية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بحسب تقديرات الأهالي والخبراء، ووصلت إلى النصف في بعض الأحواض الغزيرة التي كانت توفر المياه لعشرات الآبار، في حين وصلت إلى أدنى من ذلك في أحواض المياه الجوفية المحدودة، ما ساهم في جفاف العديد من الآبار، التي تغذي مدن المنطقة.

وفي مدينة اعزاز جفت آبار المياه التي كانت تغذي المدينة، ما دفع المجلس المحلي إلى الاعتماد على ضخ المياه من منطقة ميدانكي في ريف عفرين، والاستعانة بآبار المياه في بلدة جبرين.

وفي مدينة الباب، جفت أربعة أبار من أصل 7 في منطقة سوسيان والآبار المتبقية انخفضت غزارتها إلى أكثر من النصف، بحسب ما أوضح مصطفى الأخرس خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا.

بينما في مدينة مارع خسرت الآبار التي تغذي المدينة نصف غزارتها خلال العامين الماضيين متأثرة بالعديد من العوامل الطبيعية وغير الطبيعية، من جراء استنزاف المياه الجوفية وانخفاض الهطولات المطرية خلال فصل الشتاء، ما جعل المنطقة على وقع أزمة طويلة الأمد في ظل غياب التعويض من مياه الأمطار ومياه الآبار.

أسباب انخفاض منسوب المياه الجوفي في الشمال السوري

تسببت العديد من العوامل في انخفاض منسوب المياه الجوفية والتي أدت إلى جفاف بعض الآبار وخروجها عن الخدمة، وأخرى خسرت أكثر من 50 % من غزارتها، في ظل حاجة الأهالي الماسة للماء لا سيما خلال فصل الصيف، حيث يبلغ عدد الآبار في الشمال السوري نحو 30 ألف بئر، في منطقة صغيرة يتجاوز عدد سكانها 6 ملايين نسمة.

وأوضح الخبير البيولوجي ثابت كسحة أسباب انخفاض المياه الجوفية:

  • حفر الآبار بشكل عشوائي من دون دراسة المسافة أو إدراك خطورة قرب المسافة بين الآبار، لأن الحوض يتحمل حفر 20 بئرا، لكن في الوقت الحالي هناك أكثر من 50 بئرا.
  • استنزاف المياه بشكل جائر من قبل المزارعين لا سيما الري عبر الطاقة الشمسية.
  • ندرة الهطولات المطرية وغياب التعويض خلال فصل الشتاء، وارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف.
  • ارتفاع أعداد السكان في المنطقة ما ساهم في استنزاف المياه الجوفية.

 آثار انخفاض المياه الجوفية

يقبل الشمال السوري على كارثة إنسانية تظهر ملامحها كل عام خلال فصل الصيف، نتيجة انخفاض منسوب المياه الجوفية وحرمان الأهالي المقيمين في المدن والبلدات والقرى والمخيمات المنتشرة في المنطقة، في ظل ارتفاع أسعار مياه الشرب المنقولة على الصهاريج وعدم قدرة الأهالي على توفير تكاليف شراء الماء.

وقال محمد عبد الرحمن، أحد سكان مدينة اعزاز لموقع تلفزيون سوريا إنه يشتري الماء مرتين أسبوعياً، وفي كل مرة يدفع نحو 50 ليرة تركية، وبشكل شهري يحتاج إلى 400 ليرة تركية، في وقت لا يستطيع فيه الاستغناء عن العنصر الأساسي في المنزل.

حال محمد حال كثير من السوريين الذين يقيمون في المنطقة في ظل الحاجة الماسة للمياه، والتي لا يمكن الاستغناء عليها، في حين يعيش معظم سكان المنطقة تحت خط الفقر ويشكل المبلغ الذي يدفع ثمن المياه نصف مرتب العاملين في القطاع العام، وكامل أجر العاملين في المياومة.

ورغم بوادر أزمة المياه التي تكررت خلال السنوات القليلة الماضية يغيب دور الجهات الرسمية الإدارية في المنطقة، وعدم قدرتها على ضبط الاستهلاك الجائر للمياه، والذي سيرسم واقعاً سيئاً سيعيشه معظم سكان المنطقة في ظل حرمانهم من أدنى الاحتياجات اليومية المهمة، لذلك ينصح الخبراء بإيجاد مشاريع بديلة لتعويض نقص المياه عبر فتح قنوات لاستجرار المياه من نهر الفرات لتغذية المنطقة، والذي سيساهم في تغذية الآبار الجوفية وتقليل استهلاك المياه من قبل المزارعين.