icon
التغطية الحية

اليوم التالي للنكبة الفلسطينية.. ماذا فعل السوريون في عام 1948؟

2023.11.06 | 21:14 دمشق

جيش الإنقاذ العربي والنكبة الفلسطينية
جيش الإنقاذ العربي والنكبة الفلسطينية
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لم يكن التضامن الشعبي العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية جديداً، فقد كانت فلسطين منذ سنوات نكبتها الأولى قضية أساسية لدى الشعوب العربية بشكل عام والشعب السوري بشكل خاص، لما يحمل ذلك من جذور تاريخية وامتداد جغرافي وثقافي وديني واجتماعي.

ولا يعد ما جرى في 7 من تشرين الأول 2023 هو بداية النضال الفلسطيني المقاوم لتحرير البلاد من الاحتلال، بل يمتد إلى سنوات طويلة منذ بدء الاحتلال البريطاني ثم الثورة الفلسطينية الكبرى التي أشعلها الشيخ السوري عز الدين القسام (1936 - 1939)، وحتى نكبة عام 1948 التي نقلت فلسطين إلى مرحلة أخرى من الاحتلال، مع استمرار ارتكاب المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني وشعوب دول الطوق، مع بقاء الأنظمة الاستبدادية التي طبّعت مع الاحتلال مباشرة أو التي فهمت قواعد الاشتباك فلم تطلق رصاصة لتحرير الأراضي المحتلة بعد حرب تشرين 1973، وركبت موجات الانتصار لفلسطين فأسست أفرعاً أمنية باسمها وافتتحت سجوناً للساعين فعلياً لتحريرها.

وفي خضم ذلك قد يتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة عن اليوم التالي للنكبة، أين كان السوريون عام 1948، وماذا فعلوا؟ من هب لنصرة الخاصرة الجنوبية لسوريا؟ وكيف كان ارتداد هزيمة النكبة على الجمهورية السورية الناشئة قبل غيرهم من العرب والمسلمين؟ وكيف مهدت تلك الأحداث لتحركات عسكرية داخلية؟

سوريا ما قبل النكبة

لم تكن سوريا في خريطتها الجديدة والتي رسمت معالمها اتفاقية "سايكس بيكو" بوضع أفضل من فلسطين بعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم المنطقة بين احتلالين فرنسي وبريطاني، حيث نالت "استقلالها" عن الاستعمار الفرنسي عام 1946 أي قبل نحو عامين فقط من عام النكبة وإعلان تأسيس دولة "الاحتلال الإسرائيلي".

في أواسط عام 1944 أتمَّتْ فرنسا نقل جميع السلطات التشريعية والتنفيذية إلى الحكومة السورية ، ما عدا القوات الخاصة السورية التي تضمُّ الجنود المحليين الذي جنَّدهم الفرنسيون واحتفظوا بهم.

وعلى مدار أكثر من عام بدأ الضباط والرتب العسكرية العاملة في القطع العسكرية الفرنسية ينتقلون إلى قطع القوات الوطنية التي انتهت بتسليم كل القطعات إلى سلطة الحكومة السورية في آب 1945.

في تلك الفترة انضمت سوريا إلى جامعة الدول العربية التي يرجح أن انطلاقها كانت بعد خطاب وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن الذي قال فيه إن "الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية".

وبعد ذلك التقى رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس ورئيس الوزراء السوري جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث في القاهرة بخصوص إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها، وانتهت تلك الاجتماعات إلى مباحثات ضمت دولاً أخرى ليعلن تأسيس الجامعة العربية في 22 من آذار 1945 أي قبل تأسيس منظمة الأمم المتحدة بعدة شهور.

وفي 17 من نيسان عام 1946 خرج آخر جندي فرنسي من الأراضي السورية، ليتبعه إعلان الحكومة السورية في 25 من نيسان 1946، إعلان تمام الاستقلال الشامل.

استقلال سوريا

نكبة فلسطين.. وجيش إنقاذ عاد خائباً

في تشرين الثاني عام 1947، أعلنت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين لدولتين يهودية وفلسطينية فأيدت 33 دولة القرار ورفضت القرار 13 دولة وامتنعت عن التصويت 10 دول بينهم بريطانيا صاحبة وعد بلفور (1917) بتشكيل وطن قومي لليهود.

ورداً على ذلك شكلت اللجنة العسكرية للجامعة العربية جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي الذي اتخذ من سوريا مقراً لقيادة  الجيش بهدف منع تأسيس دولة يهودية وإعاقة خطة التقسيم.

تم تجهيز معسكر قريب من مدينة قطنا بريف دمشق ليكون مركزاً لتجمع المتطوعين العرب الراغبين بالالتحاق بجيش الإنقاذ. غير أن العديد ممن جاء للتطوع غادر لعدم وجود تجهيزات. إضافة إلى ذلك، لم يكن هناك العدد الكافي من الضباط الأكفاء لتدريب المتطوعين. وعلى الرغم من تضارب المصادر المتعلقة بعدد المتطوعين في جيش الإنقاذ فإنه يقدر بنحو 4000 شخص معظمهم من سوريا والعراق.

فشل جيش الإنقاذ في منع تقسيم فلسطين بشكل كبير جداً وقبل وقف إطلاق غير مشروط، وكانت قيادات كبرى فيه من الجنرالات البريطانية في الجبهة الأردنية، وكانت أعداد أفراده قليلة جداً أمام أعداد العصابات الصهيونية مثل الهاغانا والبلماح والأرجون والشتيرن، والتي تجاوزت الستين ألفاً ومجهزة ومسلحة بأحدث الأسلحة.

وقد أشار بيتر مانسفيلد في كتابه "تاريخ الشرق الأوسط" إلى أن السبب الأهم في هزيمة القوات العربية هو عدم استعداد جيوشها لخوض تلك المعركة التي لم تعكس التفوق السكاني العربي أمام الكيان الإسرائيلي، ففي حين كان مجموع تعداد سكان الدول العربية في مواجهة العصابات اليهودية يزيد على أربعين مليون نسمة لم يكن عدد اليهود يتجاوز ستمئة ألف نسمة. أما في ساحة المعركة فقد كان الوضع مختلفاً، حيث كان عدد القوات اليهودية يقدر بنحو 60 ألف مقاتل مقارنة بنحو 21.500 مقاتل من القوى العربية مجتمعة، نحو نصفهم من المتطوعين.

جيش الإنقاذ

اليوم التالي: في البحث عمن ضيّع فلسطين

كان إعطاء فلسطين لليهود بمثابة هزة كبيرة في وجدان السوريين، ليس لاعتبارات القدس كأولى القبلتين وثالث الحرمين فقط، بل وتعرض كبير لجزء من "سوريا الكبرى" للقضم وتشكل دولة عدوة في الخاصرة الجنوبية التي تمثل خطاً دفاعياً استراتيجياً.

وجاء قرار التقسيم كضربة في صميم السوريين الذين خرجوا بمظاهرات عارمة تجاوزت عشرات الآلاف في دمشق وحدها، هاجم المتظاهرون فيها سفارات الولايات المتحدة وبلجيكا، والمركز الثقافي السوفييتي، ومقر الحزب الشيوعي السوري، حيث نُهب الأخير وقتل فيه 4 أشخاص، وكذلك الحال في مظاهرات حلب التي كانت واسعة بعموم الأحياء.

ونتيجة لهذه الهزيمة المؤلمة تمددت المظاهرات في عموم سوريا، كما أحرقت محال الشراباتي التجارية في دمشق والتي تخص أحمد الشراباتي وزير الدفاع آنذاك، فقامت الحكومة بنشر قوات الشرطة والدرك وتوزيعهم على مفارق الطرق وأمام أبواب المدارس، واندلعت المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.

في 30 من تشرين الثاني 1948، ومع الذكرى الأولى لصدور قرار التقسيم، تمت الدعوة إلى إضراب عام ومظاهرات في كامل أنحاء سوريا، وكانت نسبة الالتزام شبه كاملة. الطلبة والمعلمين وموظفي النقل العام والسكك الحديدية والاتصالات والمحامين والأطباء والمهندسين، تزامن ذلك مع مظاهرات حاشدة في حلب ودمشق.

فلسطين

حينما كان السوريون يقيلون الحكومات

وهاجم المتظاهرون وزير الداخلية صبري العسلي مقابل مبنى الوزارة، وحاولت قوى الأمن تفريق المظاهرات بإطلاق النار في الهواء وعلى الأرجل فقتل في دمشق مواطن وجرح 57 آخرون.

 أما في حماة، فإنّ الصدامات المسلحة قد وقعت بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها. في اليوم التالي أي 1 من كانون الأول، عادت المظاهرات من جديد، فاستقال جميل مردم، وأطلق سراح الموقوفين على خلفية المظاهرات أو على خلفية اتنقاد الجيش والدولة بعد هزيمة فلسطين.

وأخذت الاحتجاجات تنحى طريق العنف حيث قام المتظاهرون بإلقاء القنابل البدوية على الدرك مما دفع رجال الشرطة لإطلاق النار على الجماهير الغاضبة.

وعندما وصلت الأزمة إلى ذروتها في الثالث من شهر كانون الأول 1948 في عهد القوتلي إلى رئيس الأركان حسني الزعيم أن يتدخل لوضع حد للاضطرابات الواسعة التي شملت البلاد، وأمر بفرض الأحكام العرفية وإغلاق المدارس وإخضاع الصحافة لرقابة عسكرية صارمة.

وبتوجيه من القوتلي بدأ الزعيم جولة في أنحاء البلاد محاولاً استعادة الثقة العامة، مما أدى إلى تهدئة الأوضاع وعودة النظام. وفي هذه الأثناء نجح خالد العظم في تشكيل وزارة ائتلافية.

وأدت تلك الأحداث إلى تبادل الاتهامات بين العسكريين والمدنيين عمن يتحمل مسؤولية خسارة الحرب وفشل جيش الإنقاذ في منع ضياع فلسطين وانتقلت لمناقشتها تحت قبة البرلمان.

وفي شباط 1949 تجددت المظاهرات الطلابية على خلفية اتفاقية التابلاين (خط نقل النفط من السعودية إلى أوروبا وأميركا عبر ميناء صيدا)، ووصف خالد العظم بالكولونيالي والمعادي للعروبة؛ ولم تفلح الحكومة الجديدة في حالة احتواء الغضب والإحباط في الشارع، ما أسهم في ترسيخ أسس انقلاب حسني الزعيم على النظام الجمهوري، في 30 من آذار 1949.