icon
التغطية الحية

الولايات المتحدة تنجر للنزاع من جديد مع عودة تنظيم الدولة

2022.01.27 | 08:27 دمشق

fighting-between-isis-and-us-backed-forces-spreads-in-syria.jpg
قوات قسد والتحالف الدولي (إنترنت)
نيو يورك تايمز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

هجوم وقع على سجن يؤوي الآلاف ممن كانوا مقاتلين لدى تنظيم الدولة في سوريا، وسلسلة من الغارات على قوات عسكرية في الجارة العراق، وفيديو مرعب يوثق الأصوات في أحلك أيام الاستعصاء تظهر فيه عملية قطع رأس أحد ضباط الشرطة العراقيين.

إن الأدلة على عودة تنظيم الدولة في العراق وسوريا تزداد يوماً بعد يوم، بعد مرور ثلاثة أعوام تقريباً على خسارة هؤلاء المقاتلين لآخر منطقة لهم في دولة الخلافة المزعومة، التي كانت تمتد على مساحات شاسعة ضمن كلا البلدين. وتظهر الحقيقة القائلة إنه كان بوسع تنظيم الدولة تصعيد الهجمات المعقدة القائمة على التنسيق خلال الأيام الأخيرة الماضية بأن ما كنا نظنه مجرد خلايا نائمة متباينة قد عادت للظهور لتمثل تهديداً أشد خطراً مما كانت عليه.

"تنظيم الدولة لم ينته بعد"

يقول كاوا حسن، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مركز ستيمسون، وهو مركز أبحاث في واشنطن: "إنها دعوة لإيقاظ اللاعبين الإقليميين والمحليين بأن تنظيم الدولة لم ينته، وبأن القتال لم يخمد، ويدل ذلك على صمود تنظيم الدولة وقدرته على الرد في الزمان والمكان المناسبين له".

في يوم الثلاثاء، امتد القتال بين قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة وهؤلاء المقاتلين من سجن الصناعة المحاصر في شمال شرقي سوريا إلى الأحياء المحيطة به، فتحول بذلك إلى أكبر مواجهة بين الجيش الأميركي وحلفائه السوريين وبين تنظيم الدولة خلال السنوات الثلاث الماضية.

وقائع المعركة

انضم الجيش الأميركي إلى القتال بعد هجوم مقاتلي تنظيم الدولة على سجن مؤقت في مدينة الحسكة، في محاولة لتحرير زملائهم من المقاتلين. واليوم أصبح تنظيم الدولة يسيطر على ربع السجن ويحتجز المئات من الرهائن، معظمهم أطفال تم احتجازهم بعد سقوط دولة الخلافة التي انضم أهاليهم إليها، في عام 2019.

نفذت الولايات المتحدة غارات جوية وقدمت معلومات استخبارية وجنوداً للعمليات البرية مزودين بمركبات برادلي القتالية وذلك للمساعدة في تطويق السجن.

وحتى عندما وقعت مناوشات في محيط السجن يوم الثلاثاء، امتد القتال الذي شمل مقاتلي تنظيم الدولة على مساحة 241 كلم ليصل إلى مدينة الرصافة التي تبعد نحو 48 كلم عن تخوم مدينة الرقة.

أي أن استعراض المقاتلين لقوتهم لم ينحصر في سوريا فحسب.

 

merlin_200783874_a28734b3-3e8b-4fe9-9e85-05bb52b3bb53-superJumbo.jpg
مقاتلو قسد خارج السجن يوم الأحد الماضي

 

إذ في العراق، وفي الوقت الذي بدأ فيه الهجوم على السجن تقريباً، دهم مقاتلو تنظيم الدولة مقرا للجيش في محافظة ديالى، فقتلوا 10 جنود وضابطاً في أعنف هجوم وقع منذ بضع سنوات داخل قاعدة عسكرية عراقية، حيث تقدم المسلحون إلى القاعدة العسكرية من ثلاثة جوانب، في ساعة متأخرة من الليل، عندما كان بعض الجنود نياماً.

زاد ذلك الهجوم من المخاوف التي ترى بأن بعض الظروف التي سمحت بظهور تنظيم الدولة في العراق في عام 2014 عادت لتفسح المجال اليوم لهذا التنظيم حتى يعيد تنظيم نفسه.

فخلال شهر كانون الأول المنصرم، اختطف المتمردون أربعة قناصين عراقيين بينهم عقيد في الشرطة في منطقة جبلية تقع شمالي العراق، ثم قام هؤلاء المقاتلون بقطع رأس ضابط الشرطة، وبعدها نشروا فيديو يظهر تلك العملية المروعة.

لقد أكدت الهجمات التي وقعت في العراق والتي قامت بها الخلايا النائمة التابعة لتنظيم الدولة في مناطق جبلية وصحراوية قصية على عدم وجود أي تنسيق بين قوات الحكومة العراقية وقوات البشمركة والقوات الكردية في منطقة كردستان العراق. إذ وقعت غالبية تلك الهجمات ضمن المنطقة المتنازع عليها بين حكومة كردستان العراق والحكومة العراقية المركزية.

جيل جديد من المجندين المتطرفين

تحدث أرديان شايكوفيتش مدير المعهد الأميركي لاستهداف الإرهاب وعودته ومكافحته فقال إن الكثير من المقاتلين الذين تم إلقاء القبض عليهم في الهجمات منذ أن خسرت تلك الجماعة آخر مناطقها قبل ثلاث سنوات بدوا وكأنهم أصغر عمراً ومن عائلات فيها أفراد لديهم ارتباطاتهم بتنظيم الدولة، وأضاف: "إن كان الأمر كذلك، فإن هؤلاء يمثلون جيلاً جديداً من مجندي تنظيم الدولة بعدما غير حساباته ومشهد تهديداته بطرق كثيرة".

عانى العراق وهو يتعامل مع الآلاف من المواطنين العراقيين الذين تربطهم صلة قربى بمقاتلي تنظيم الدولة، بعدما تعرض هؤلاء لعقوبة جماعية ثم تم وضعهم في معسكرات الاعتقال التي يخشى أن تتحول إلى أرض خصبة للتطرف.

 

merlin_163136691_81f05a9f-f795-4b72-9887-18e55076371a-superJumbo.jpg
أحد السجون التي أقيمت لمقاتلي تنظيم الدولة في الحسكة

 

إلا أن الفساد في صفوف قوات الأمن العراقية قد أدى إلى ترك بعض قواعد قوات الأمن بلا معدات ولوازم مناسبة وسمح للجنود والضباط بإهمال واجباتهم، ما أسهم في انهيار وحدات الجيش بكامله التي انسحبت في عام 2014 بدلاً من أن تقوم بمحاربة تنظيم الدولة.

أما في سوريا، وفي يوم الثلاثاء تحديداً، فقد ذكرت قوات سوريا الديمقراطية بأنها قامت بتمشيط أحياء الحسكة القريبة من السجن، وقتلت خمسة من عناصر تنظيم الدولة كانوا يرتدون أحزمة ناسفة.

وذكرت تلك الميليشيا بأنها قامت يوم الإثنين الفائت بتحرير تسعة من العاملين في السجن الذين احتجزهم تنظيم الدولة، وقتلت تسعة مقاتلين آخرين، بينهم انتحاريان، وذلك في غارات استهدفت محيط السجن. وقد ذكر الناطق الرسمي باسم قسد، فرهاد الشامي بأنه قد استسلم حتى الآن 500 من المعتقلين ممن شاركوا في الاستعصاء. كما أخذت تلك الميليشيا تتفاوض مع قادة تنظيم الدولة في السجن.

أطفال أجانب في سجون ومعسكرات اعتقال سورية 

يقدر وجود نحو 3500 معتقل في ذلك السجن المكتظ، بينهم 700 قاصر، و150 منهم تعود جنسياتهم لدول أخرى ولكن تم نقلهم إلى سوريا عندما كانوا أطفالاً صغاراً بعدما ترك أهاليهم بلادهم لينضموا إلى حركة المتمردين تلك. ويقدر عدد الأجانب الذين سافروا إلى سوريا للقتال من أجل دولة الخلافة أو للعمل فيها بـ 40 ألف أجنبي.

لقد أظهر الاستعصاء الذي وقع في ذلك السجن المصيبة التي يعاني منها الآلاف من الأطفال الأجانب الذين اعتقلوا طوال ثلاث سنوات في مخيمات وسجون داخل تلك المنطقة، بعدما تخلت عنهم دولهم.

بعض نزلاء السجن لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، وبعضهم تم تحويله إلى السجن لأن سنه صارت أكبر من السن المسموحة ببقائه في مخيمات الاعتقال التي تحتجز فيها عائلات مقاتلي تنظيم الدولة.

مسؤولية الدول الأجنبية

تقول سونيا كوش مديرة منظمة أنقذوا الأطفال في سوريا إن من يعتقلون الأطفال مسؤولون عن أمنهم، كما وجهت إصبع الاتهام أيضاً إلى الحكومات الأجنبية التي رفضت إجلاء رعاياها المحتجزين، وأضافت: "إن المسؤولية عن أي شيء يمكن أن يحدث لهؤلاء الأطفال تقع أيضاً على عاتق الحكومات الأجنبية التي ظنت أنه بوسعها أن تتخلى عن رعاياها الأطفال في سوريا بكل بساطة".

مع بلوغ تنظيم الدولة أوج قوته في عام 2014، سيطر هذا التنظيم على نحو ثلث العراق وعلى مساحات شاسعة من سوريا، أي على مساحة من الأرض تعادل مساحة بريطانيا. وعند سقوط آخر معقل لهذا التنظيم، أي الباغوز، في سوريا، قبل ثلاث سنوات، تم وضع النساء والأطفال الصغار في مخيمات للاعتقال، وتم إرسال من اعتقد أنه مقاتل لدى تنظيم الدولة إلى السجن.

ظروف متشابهة في كل مخيمات الاعتقال

يفتقر أكبر مخيم لاعتقال عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، أي مخيم الهول القذر والمكتظ بالبشر والخطر، إلى ما يكفي من الغذاء والخدمات الطبية والحرس. وفي خضم هذه الفوضى، ظهرت فئة متطرفة من المعتقلين أخذت ترهب وتروع الفئات الأخرى من قاطني ذلك المخيم.

عندما يبلغ الصبية الموجودون في المخيمات سن المراهقة، يجري نقلهم عادة إلى سجن الصناعة، حيث يتم حشرهم في زنازين مكتظة بالسجناء، ويفتقر ذلك السجن إلى ما يكفي من الغذاء والرعاية الطبية بل حتى نور الشمس.

 

merlin_152756712_cf5b93fe-61bc-4b12-a935-178d937e3770-superJumbo.jpg
مخيم الهول في عام 2019

 

إلا أن محنة السجناء تصبح أشد عندما يبلغون الثامنة عشرة، إذ بالرغم من عدم توجيه أي تهمة إلى أي أحد من الأجانب اليافعين بأي جريمة تذكر، فإنه يتم وضعهم مع بقية نزلاء السجن، حيث ينام ثلاثة من مقاتلي تنظيم الدولة المصابين بجراح على سرير واحد.

القوات الأميركية في عين العاصفة

أما خارج السجن، فقد أصبحت القوات الأميركية التي دخلت في معركة ضد مقاتلي تنظيم الدولة في يوم من الأيام جزءاً من القوات المتبقية من التحالف العسكري الذي ترأسته الولايات المتحدة والذي انسحب جله من البلاد في عام 2019. فلم يعد يوجد إلا نحو 700 جندي أميركي في المنطقة، جميعهم يخدمون في قاعدة عسكرية موجودة في الحسكة، بالإضافة إلى مئتي جندي آخر يخدمون بالقرب من الحدود السورية-الأردنية.

وأعلن البنتاغون بأن مركبات برادلي القتالية المصفحة التي تم نشرها لدعم قوات قسد الكردية قد استخدمت كمتاريس مع تشديد القوات الكردية لحصارها على السجن. كما ذكر مسؤول لدى التحالف بأن تلك المركبات تعرضت للاستهداف وردت على ذلك عبر إطلاق النار.

فقد قال جون ف. كيربي الناطق الرسمي باسم البنتاغون في مؤتمر صحفي عقد بواشنطن: "قدمنا دعماً برياً محدوداً، وتمركزنا بشكل استراتيجي لنشر الأمن في المنطقة".

المصدر: نيويورك تايمز