icon
التغطية الحية

"الوشم".. رواية قادمة للكاتبة السورية منهل السراج

2022.03.28 | 18:04 دمشق

mnhl_alsraj-_tlfzywn_swrya.jpg
إسطبنول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"الوشم" عنوان رواية جديدة للكاتبة والروائية السورية منهل السراج ستصدر قريباً عن دار "موزاييك" للدراسات والنشر في إسطنبول.

الرواية قصةٌ تحكيها بطلتها، السيدة "لولا الآغا"، وتسرد فيها تفاصيل اللحظات التي عاشتها مع ثورة السوريين في مدينة حلب، وعن أسرتها، وعن السنوات التي قضتها في معتقلات نظام الأسد.

من فصول رواية "الوشم"

"اسمي لولا! شقراء ونحيلة ونظرتي إلى العالم على الدوام معاتبة.. لأني ورغم رقتي انهال العالم علي بأشد وأقسى ما لديه. انتظروني سأسرد كل ما لدي ولن أهتم إن أعجبتكم لغتي أو لم تعجبكم، لأني كما قلت لكم، المعلمات كن يعاقبنني ولم يعلمنني إلا محاولات الخلاص من العقاب.

لا أدري ولماذا وقبل أن أبدأ في كتابة مذكراتي تلك، أحسست بجفاف في فمي كأن ريقي ابتُلع مني، أخذت جرعة من الماء وأعدت قراءة، اسمي لولا! جرعة الماء جعلت الجفاف أشد، كأنني وصحراء بلادي واحدة، نحيلة وحانقة ومهمومة بعدد رمال الصحراء.

***

أرسلت أولادي الثلاثة إلى مدارسهم الفرنسية. أصبح الكبير في الثامنة عشرة والأصغر في الخامسة عشرة والبنت في الثالثة عشرة.. وفي حضني وليدي الجديد. وسآتي على قصة ابنتي هاجر التي ظلت في حلب في بيت عمها يرفضون إرسالها لي، خطفوها مني خطفاً. تبلغ من العمر تسع سنين فقط، عمر أشد الأحداث التي عبرت علي وعلى سوريا إن شئتم. يقولون لي، الله عوضك عن هاجر صغيرتك بوليد جديد، فكنت أسارع وأقول بعصبية، ليس صحيحاً لا ولد يعوض عن ولد، وأريد أن أعانق ابنتي وأعتني بها وأحن عليها وأعوضها عن بعدها عني.

كانت هاجر في أحشائي وربما هي التي جعلتني أغلي في "جمعة الله أكبر" أريد أن أشارك الثوار ثورتهم. وقفت في نافذة بيتي في منطقة صلاح الدين في حلب أراقب مرورهم وشجاعتهم وهتافاتهم وحرارة إرادتهم، أحسست بحماس هائل ولم أدر كيف أناديهم، جف حلقي، لكن خرطوم الماء كان في يدي، من دون تدبير أرسلت إليهم ماء برداً وسلاماً وهمست أردد هتافاتهم.

أخبر ابني محمد أباه وغضب مني: فكري بما في بطنك. قال ووضع برفق كأس الشاي.

 ولم أهتم، بعد أولاد أربعة لا يصبح للزوج وأمه سطوة كما يفعلان مع الكنة عروساً، هكذا ظننت.

صرت أراقب الثوار يخرجون في مظاهرات بأكثر من عدد أوقات الصلاة، أقرأ لافتاتهم ويرفرف قلبي مع رفرفة أعلام الثورة.

***

مرة، وفيما كنت أمشي مع رفيقتي، طبيبة وتعمل في حي صلاح الدين، نتحدث عن نشاطات الشباب وشعاراتهم، وجدنا أنفسنا في وسط مظاهرة حاشدة تقتحم الحي، صرت بين الثوار.

شجاعة هائلة اقتحمتني، لم أتردد، نسيت ما كان يشغل بالي، البيت وأولادي، تنبيه زوجي وأهله، أهلي، العادات والتقاليد.. نسيت حتى الطفلة التي تنمو في أحشائي. واندفعت لأكون بينهم وأرفع الصوت، رحت أهتف وأهتف.. هتفت عن عمري كله، صرخت لأني لم أكمل تعليمي صرخت لأني تزوجت صغيرة، صرخت لأني عوقبت في المدرسة ظلماً، صرخت لأني أهنت في بيت زوجي وأهله، وأُمرت بالصمت عن الأسئلة، صرخت عن الفقر وسكوت البنات وصرخت عن الظلم الذي يلحق بشباب البلد.

كأن صراخ الناس ولوعتهم وتوقهم جعل الهواء حولنا يغلي، كنت أشعر بهتافي وبهتافهم، نقاتل ونحقق وعن قريب كل ما نريد، سوف نمتلك قرار حياتنا ونصبح أحراراً. كانت أصواتهم وتوتر أعناقهم تجعلني أطلب أن أعانقهم جميعاً. صرنا نضحك أنا ورفيقتي ونحن نهتف كأننا تحررنا من عمر مديد من القيود، وأسرعنا مع سرعتهم لكي نبقى بينهم ووسطهم، وواصلنا الهتاف ونحن نرفع قبضات مصممة.

 دقائق ورعد صوت رصاص.

سقط قتيل أمامي.

نظرت حولي مبهوتة، ساد الصمت لحظة ثم صار الهتاف نواحاً، وركضنا لا نعرف عن وجهتنا شيئاً.

المنطقة كبيرة وكثيفة السكان وأعداد الثوار تتزايد. لم يكن ليصدقنا أحد أن أهل المنطقة عزل وبأصواتهم فقط انطلقوا في ثورتهم. كنا نريد أن نقول إننا على الأرض لحماً بشرياً وبأنهم يستحكمون بنا من الأعلى وأننا لا نملك قناصين ولا طائرات ولا حتى عربات. لكن كأن هؤلاء البشر كانوا وجبات لوحوش جائعة تتربص بهم ولا بد أن يُقتلوا أو يُعتقلوا أو يُهجروا. وكانت أول مرة أنطق بـ يا حسرتي على الشباب! تلك الكلمات التي سأرددها كثيراً بعدئذ".

منهل السراج

كاتبة وروائية سورية من مواليد محافظة حماة 1964. حاصلة على إجازة في الهندسة، وتعيش في السويد منذ عام 2006. فازت بالمركز الثالث عن جائزة الرواية الصادرة من دائرة الثقافة في الشارقة عام 2002.

عضو في اتحاد الكتاب السويدي منذ عام 2006، وتكتب في مجلة الرافد الإماراتية. لها أبحاث في تاريخ العلوم التطبيقية عند اليونان والعرب، وخاصة في علم الحِيل (ميكانيكا).

أعمالها الأدبية

"تخطّي الجسر"، مجموعة قصصية 1997.

"جورة حوا"، رواية، 2005.

"كما ينبغي للنهر"، رواية، 2007.

"على صدري"، رواية، 2007.

"عصي الدمّ"، رواية، دار الآداب اللبنانية، 2012.

"صُراح"، رواية، دار ممدوح عدوان 2018.