الهجرة من اللاذقية وطرطوس ليست حكراً على الشباب والمتعلمين

حافلة للنقل الداخلي في دمشق ـ رويترز

2022.09.15 | 12:09 دمشق

نوع المصدر
اللاذقية ـ علي أحمد

الهجرة من سوريا أصحبت "تحصيل حاصل" بغض النظر عن الوضع الاقتصادي أو خلفية المهاجر السياسية. يقول أحد سكان مدينة اللاذقية لموقع تلفزيون سوريا طالبا عدم ذكر هويته. ويضيف "لقد أصبح الوضع غير محمول بالنسبة لكثير من السوريين، لذلك تتزايد الهجرة اليوم بشدة من مناطق عرف عنها ولاؤها للنظام السوري.. شيئاً فشيئاً يتناقص عدد الشباب والشابات في سابقة تعتبر حديثة العهد في مناطق الساحل السوري".

نعمل مجاناً في سوريا

نمير شاب ثلاثيني من مدينة طرطوس، كان يعمل في شركة خاصة ومرتبه الشهري يكفيه نوعاً ما ولكنه سئم الضغط والتوتر النفسي الذي يعيشه يومياً. يشرح لموقع تلفزيون سوريا الظرف الاقتصادي والنفسي الذي يعانيه: "شعرت بأنني أعمل مجاناً كل ما أجنيه أدفعه ثمن محروقات أو أشتري فيه مياها لمنزلنا، أصبحت في منتصف الثلاثينيات ولليوم لم أستطع ادخار مبلغ يساعدني لأستقل مادياً عن أهلي وأؤسس لمستقبلي".

يجد نمير أنه من غير المنطقي أن يقضي نهاره في المنزل بعد عودته من العمل منتظراً وصول مياه الدولة ليستطيع تعبئة الخزانات والاستحمام، فهذه الأمور باتت من رفاهيات العيش بالنسبة له وهذا ما دفعه للبحث عن فرصة عمل والهجرة خارج سوريا.

حالة نمير كغيره من حالة شبان سوريا وبالأخص في اللاذقية وطرطوس، فالفرق في هاتين المحافظتين أن رواتب شركات القطاع الخاص أقل من مثيلاتها في دمشق، والخدمات المعيشية في الساحل السوري أسوأ من دمشق رغم رخص تكاليف المعيشة في الساحل نسبياً إلا أن موارد الدخل تبقى أقل.

علاء شاب متخوف من موضوع الخدمة الإلزامية في قوات النظام السوري ولا يريد أن يضيع ولو يوماً واحداً من حياته في الخدمة الإلزامية التي لا يعرف متى يصدر قرار يسرحه فيه أو يجبره على البقاء كأخيه لتسع سنوات في جيش النظام.

علاء ورفاقه قرروا مغادرة البلاد في لحظة حصولهم على جوازات سفر من مبدأ "أن لا حياة ولا أمل يرجى من هذا البلد وكل التعويلات على أن النظام سينقذهم هي محض خيال فقد فقدوا ثقتهم به منذ زمن، ويؤكد علاء أنه ما لايقل عن 20 ألف شخص من فئة الشباب غادروا سوريا منذ عام تقريباً".  

فتيات يهاجرن بحثا عن عمل

التحول الجديد الذي طرأ على الساحل السوري كان في هجرة الإناث عازبات أو متزوجات، مع تضاؤل فرص العمل وقلتها إضافة إلى العزوف عن الزواج، هذه الظروف دفعت الفتيات العازبات للسفر خارجا بحثاً عن فرص عمل ومستقبل أفضل، وهو ما يعتبر حديث العهد في الساحل السوري نوعاً ما، فرغم سفر الفتيات سابقاً للعمل أو الدراسة في الخارج لكن بنسبة قليلة جداً، أما اليوم نجد عدداً لا بأس به من الفتيات يقررن شق طريق مستقبلهن بأنفسهن، كما فعلت ربا وصديقاتها اللواتي سافرن منذ فترة لدبي، وتؤكد ربا أنه رغم صعوبة الأمر ومعارضة الأهل في البداية إلا أنهن استطعن كسب ثقة الأهل وبدؤوا مرحلة جديدة من حياتهم.

اقرأ أيضا: سوريتان تتحدثان عن تجربة السفر لمتابعة الدراسة في كندا

الهجرة من سوريا ليست حكراً على المتعملين

ظهرت في الآونة الأخيرة إعلانات عن فرص عمل خارج سوريا للعمال وسائقي الشاحنات ومتقني الأعمال الحرفية وغيرهم من أصحاب المهن. وبالفعل شهد الساحل السوري في المرحلة الأخيرة هجرة عدد لا بأس به من سائقي الشاحنات الكبيرة الذين توجهوا إلى أربيل في كرستان العراق والخليج حيث تلقى هذه المهنة رواجاً في هذه الدول، إضافة إلى توجه هؤلاء السائقين لأوروبا وخاصة بريطانيا عبر عقود عمل بوساطة مكاتب ضمن سوريا للعمل في المهنة ذاتها.

هنالك أيضاً مصففو الشعر والمكياج الذين بدؤوا بترك سوريا تباعاً بحثاً عن أماكن أفضل للعمل ومردود مادي أفضل، سامر مصفف شعر ويملك صالوناً للتجميل في اللاذقية قام ببيع صالونه ومعداته وسافر إلى دبي مثله طمعاً بمستقبل أفضل ورغبة بالهروب من الواقع السوري "الحزين".

بحسب سامر فظروف العمل أفضل في الخليج ودبي تحديداً، ففي سوريا لم تعد مهنة الكوافير مربحة كما قبل، فعلى الكوافير تجهيز صالونه بمولدة كهرباء وعليه تأمين بنزين بشكل يومي بسعر السوق السوداء هذا عدا تغير سعر المواد حسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وهذا كله يكلف الكوافير مبالغ إضافية تجعل ربحه زهيداً جداً، يقول لموقع تلفزين سوريا "يادوب الشغلة عم تجيب همها وفوق هاد المفاصلة والعتاب من الأقارب بتخلي الواحد يكره الشغل، وكل ماحاولت ارفع الأسعار العالم بتفكر إنو ماعندي مبالغ مضطر ادفعها شهريا".

رفع الدعم عن الأطباء سبب لهجرتهم

ولم تقتصر موجة الهجرة من الساحل على أصحاب المهن بل تعدتها لتصل للأطباء ممن يعملون في عياداتهم الخاصة ويملكون مورد دخل شهري لا بأس به، فقد تم رفع الدعم الحكومي عنهم تدريجياً بحسب سنين الخدمة والعمل، ويضطرون لشراء جميع المواد بالسعر الحر بحسب قرارات حكومة النظام الأخيرة، ما زاد الضيق عليهم والضغط مثلهم مثل بقية السوريين.

مازن متخصص ترك العمل مؤخراً في أحد المشافي الحكومية وأغلق عيادته الخاصة وسافر إلى اليمن ليعمل بعقد عمل يصل لـ 3 آلاف شهرياً مع تأمين السكن والطعام وهذا من المفارقات الغريبة أن يترك طبيب سوريا ويذهب لبلد تشتعل فيه الحرب أيضا.

وبحسب قول مازن إن "سوريا كاليمن لا بل إن الحرب توقفت في اليمن ولكن في اليمن يوجد مقومات للحياة أفضل من سوريا فكم هو مثير للحزن أن يهجر طبيب سوري ليذهب لبلد مشتعل بالحرب ولكنه يوفر فرص عمل وظروفاً معيشية أفضل من سوريا" يضيف مازن.

وجهات متعددة لسفر السوريين ومحطات مؤقتة

تتعدد وجهات سفر السوريين للخارج رغم صعوبة الحصول على فيز للسوريين، ولكنهم يحاولون بشتى الوسائل الهروب من الجحيم كما يسميه كل ناجٍ غادرها. ومنذ أن طرحت دبي العام الفائت فيزا إكسبو 2020 والسوريون وبالأخص سكان الساحل يقصدون دبي تحديداً لينطلقوا منها لباقي المناطق في الإمارات العربية، باحثين عن أي فرصة عمل.

يقول ليث وهو خريج اقتصاد وأحد الشبان الذين سافروا لدبي مع نهاية العام الفائت إنه بحث في كل مكان عن عمل، حتى إنه قبل العمل في فندق ريثما يجد عملا في مجال اختصاصه. وعن اختياره لدبي هو وغيره أوضح أنها بلاد الفرص بالنسبة للسوريين حالياً، "يوجد كثير من الفرص والمنافسة قوية ودبي طريق عبور نحو الخلاص من سوريا أو نحو أوروبا ربما" يقول ليث.

ليث وغيره سافروا إلى دبي وساعدهم يسر حالهم المادي نوعاً ما، ولكن بقية الشبان ممن لم يحالفهم الحظ والمال اختارا العراق وأربيل، رغم صعوبة العيش هناك إلا أن فرص العمل تبقى أفضل من سوريا وكثيرون ممن قصدوا أربيل قصدوها للبحث عن عمل وتأمين نقود تساعدهم في تأمين مستقبلهم في سوريا لاحقا أو لدفع بدل الخدمة العسكرية.

ومايميز أربيل أو العراق هو وجود سفارات دول أجنبية فيها وكونها محطة مؤقتة بالنسبة للسوريين عكس لبنان والتي باتت إقامة السوريين فيها صعبة جداً.

ولكن قلة من سوريي الساحل قصدت مصر كمحطة مؤقتة أو كملاذ آمن هرباً من سوريا، وقسم منهم اتخذ تركيا كطريق للعبور إلى أوروبا وتبقى هذه النسب قليلة جداً مقارنة بالدول العربية التي يقصدها السوريون اليوم.