النجاة بأطفالنا من رحلة الموت إلى الفقد العبثي

2022.04.18 | 06:10 دمشق

c6891b10-e2ea-4490-aa0d-e92f33a68052.jpg
+A
حجم الخط
-A

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة القريبة السابقة قضية لأحد اللاجئين السوريين في إحدى الدول الأوروبية، وكيفية سحب السوسيال أطفاله، تحت مسمى أن الوالدين غير قادرين على رعاية الأطفال وأنهم الأقدر على رعايتهم، ففي تقديرهم أن الخلافات الأسرية أو الضغوط النفسية للوالدين التي تنعكس سلبا على الأطفال قد تتسبب بالأذى النفسي للأطفال لذا وجب إبعادهم عن ذويهم.

وتسارعت التعليقات والمنشورات والحملات بين مؤيد ومعارض لهذا الإجراء، وما زالت الأسباب الحقيقية مبهمة وغير معلن عنها صراحة، لكن أيا كانت الأسباب يبقى السؤال:

-هل هذا الإجراء صحيح أم خطأ لا سيما بالنسبة للأسر القادمة من مجتمعات تختلف كل الاختلاف عن المجتمعات الأوروبية في العادات والتقاليد وأساليب الحياة والتربية والمنشأ.. إلخ؟

-هل من حق الدولة المحتضنة لهؤلاء اللاجئين أن تطبق القانون على الوافدين الجدد بسحب الأطفال من ذويهم كما تطبقه على رعاياها فيما لو شاهدت أموراً تخالف قوانينها؟

كان من الأوجب قبل البدء بهذه الخطوات وتطبيق القانون أن تعيد تأهيل الوالدين من خلال دورات عن كيفية التعامل مع الأطفال من جانب ومن جانب آخر دورات عن العلاقات الزوجية

للإجابة عن هذه الأسئلة وجبت الإشارة إلى عدة نقاط فيما يتعلق بالوافدين الجدد ومن خلالها ستتضح الإجابة.

  1. مجتمعاتنا العربية تختلف تماما عن المجتمعات الغربية من حيث التربية والعلاقات الاجتماعية والنظم الحياتية المتبعة والبيئة.. لكن مع الأسف دولة القانون لم تأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار وأن الوالدين أصلا تربّوا كما يربّون أبناءهم، وتعاملت مع الأمر كالمواطن الأصلي الذي نشأ منذ سنين طويلة على هذه المنظومة في آلية التربية والعلاقات الأسرية سواء في التعامل مع الأطفال أو الزوجة إلى أن أصبحت عادة طبيعية لديهم، كان من الأوجب قبل البدء بهذه الخطوات وتطبيق القانون أن تعيد تأهيل الوالدين من خلال دورات عن كيفية التعامل مع الأطفال من جانب ومن جانب آخر دورات عن العلاقات الزوجية لبناء أسر سليمة و‘طلاعهم فيما بعد على القوانين والعقوبات فيما لو أخلّ أحدهم بالنظم المقدمة.
  2. الوافدون الجدد لم يأتوا من وضع مستقر رغبة في تغيير نمط الحياة أو الاطلاع على الثقافات الأخرى، بل أتوا خوفا على أبنائهم وهربا من حرب طاحنة شردت وهجرت الملايين في بلاد لم يعلموا عنها شيئا، عدا رحلة الموت التي واجهتهم من تشرد، وجوع، ومعاناة، وبرد وحر شديد، وفقر، وفقدانهم للأهل والممتلكات، مما أدى إلى ضغوط نفسية ما أنزل الله بها من سلطان. تلك الظروف كانت كفيلة بأن تخلق في كل فرد منهم أمراضا نفسية تجعله في كثير من الأحيان يفقد السيطرة.. ودول المهجر لم تأخذه بعين الاعتبار، ولم تتخذ إجراءات تساعد على إعادة التوزان النفسي، من خلال إخضاع الوالدين أو أيّ من يعاني منهما لجلسات علاج نفسي للوصول إلى الاستقرار النفسي والمعنوي كما هو المادي، ومن ثم تطبيق القانون فيما لو تم الإخلال به
  3. - يختلف الارتباط الأسري بين الآباء والأبناء بمجتمعاتنا عما هو في دول الغرب، ففي الدول العربية تقوم تربية الطفل وتعليمه مع الأسف الشديد على شيء من التعنيف ولو بالقليل سواء كان لفظيا أو جسديا ظنا أنها عقوبات تساهم في تقوية الطفل واعتماده على نفسه وأنه يخلق منه إنسانا قويا، هذا جزء من ثقافة مجتمعاتنا العربية.. لذا نشاهد في غالبية مجتمعاتنا أنه مهما قسا الوالدان على الأبناء يبقيان الملاذ والملجأ الآمن للأطفال، فهما في نهاية المطاف يقومان على الاحتضان والعناية وتأمين كل المتطلبات التي تضمن العيش الآمن لهم، لذا نجد تعلق الأطفال بوالديهم مهما قسوا عليهم فقد تربوا على ثقافة الوصاية الأبوية وأنهما الحماية والأمان. طبعا هنا نتحدث عن الأغلبية المعتدلة، وليس الحالات الشاذة التي تمارس التعنيف الأسري السلطوي العبثي على المرأة والأطفال. في المحصلة كل أنواع التعنيف مرفوضة، ولا بد من إدخال ثقافة الحوار والثقة بين الآباء والأبناء. أيضا هنا الدولة المضيفة تغافلت عن هذا الفارق الثقافي في أساليب التربية وفرضت قسريا قانونها دون الرجوع إلى معالجة الأسباب ومن ثم الحساب.
  4. وتعدّ من أهم النقاط التي تفتقدها شعوبنا وهي مسؤولية الدولة تجاه رعاياها وذلك من خلال الاهتمام بالمنظومة الأسرية وتأمينها في حال فقد أحد الأبوين تأمين احتياجات أطفاله بأي مجال، فالرجل بالمجتمعات الشرقية هو المسؤول الأول والأخير على حماية وتأمين الأسرة ماديا، وفي حال أي انكسار فذلك سينعكس سلبا على البيئة الحاضنة، وقد يؤدي إلى انهيار الأسرة أو شيء منها  على سبيل المثال على الصعيد التعليمي يلتحق الولد بأبيه للعمل لتلبية احتياجات الأسرة، أما في بلاد المهجر فنجد أنه من واجب الدولة تأمين ما عجز عنه الأبوان ليستمرا في التربية السليمة، وتأمين كل المصادر التي تسهم في التربية والنشأة السليمة، وهذا الجانب لم تأخذ به دولة المهجر بأن المسؤولية كاملة على عاتق الرجل، وليس كما هي الحال لديهم، بالتالي هو المخوّل بأي تصرّف يمارس بحق الزوجة والأطفال. فهو لم يعتد المساعدة والدعم من دولته بتأمين المأوى أو الغذاء واحتياجات الأطفال في حال الكسر أو العجز، حتى يتسنى له الوقت الكافي للعناية بالتربية.

هذه أهم النقاط التي تغاضت عنها تلك الدولة، والتزمت بالقانون من دون التفكير بأثاره السلبية التي ستنعكس على الأطفال قبل الأبوين بحكم اختلاف الثقافات والمجتمعات. لذا وجدنا من واجبنا الإشارة إليها، كما  وجب على منظمات المجتمع المدني طرحها على ذوي الاختصاص في القضايا الإنسانية والمخولة في اتخاذ إجراءات كهذه بحق الوافدين الجدد، وأن تراعي الفارق الثقافي والتربوي والبيئي، وتقوم على إعداد هيكلية معينة تطبق على الوافدين الجدد من دورات عملية تعتني بالشؤون النفسية وإعادة التأهيل أولا، ومن ثم  دورات تعتني بالشؤون التربوية والعلاقات الأسرية والزوجية لمن هم بحاجة لها ولمسوا فيهم هذه الفوارق وإعدادهم  لتلك المجتمعات الجديدة، لا أن يقتصر الأمر على التعليم واللغة وعلى دورات الاندماج التي تقتصر على التعريف بالبلد وتاريخها ومنشآتها والحقوق المادية ولا تركز على بنية تلك المجتمعات من عادات وتقاليد وأساليب تربوية والتي نرى أن لها الدور الأهم في عملية الاندماج.

لا بد من إعادة النظر في تلك الإجراءات قبل اتخاذها بحق الوافدين الجدد، ودراسة الحالات والأسباب قبلا، وإخضاعها للعلاج والتأهيل والتدريب على العيش الجديد مع أبنائهم

بعد هذا الطرح نطرح سؤالا على الجهات المعنية التي تقوم على هذا الإجراء:

الآباء الذين فروا من الحرب وخاطروا بحياتهم وركبوا قوارب رحلة الموت للنجاة بأبنائهم والحفاظ على حياتهم سعيا لتأمين حياة أبنائهم، هل ستكون الأسر الجديدة الحاضنة أحن وأحرص عليهم من والديهم؟

لا بد من إعادة النظر في تلك الإجراءات قبل اتخاذها بحق الوافدين الجدد، ودراسة الحالات والأسباب قبلا، وإخضاعها للعلاج والتأهيل والتدريب على العيش الجديد مع أبنائهم.

وعوضا عن سحب الأطفال الذي سيتسبب بالأذى النفسي الأكبر للأطفال الذين اعتادوا على ذويهم، يمكن تأمين مشرف اجتماعي يرافق الأطفال في مكان إقامتهم مع والديهم خلال فترة علاج الأبوين إن كان الدافع فعلا سلامة الأطفال النفسية، ليعيشوا معا تجربة العلاج والتشافي بإشراف المختصين وليس التفريق.

نعم من حق الدولة اتخاذ هذا الإجراء لكن ليس قبل القيام بالإجراءات العلاجية للأسباب وتقديم الحلول الوقائية اللازمة، وتأهيل المواطنين الجدد، طالما وافقت على استقبالهم في بلاد الحقوق والواجبات، وبعد هذا في حال الإخلال وجب تطبيق القانون بسحب الأبناء.