المنطقة الآمنة والهواجس التركية

2019.01.21 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هبطت فكرة "المنطقة الآمنة" التي ذكرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إحدى تغريداته، كالقنبلة الموقوتة على رؤوس كثير من الفاعلين الإقليميين في الصراع السوري. أما التهديد بتقويض الاقتصاد التركي "إذا هاجمت تركيا الأكراد في سوريا" الذي ورد في التغريدة نفسها، فربما كان رداً من واشنطن على المهانة التي تعرض لها مستشار الأمن القومي جون بولتون والوفد المرافق له في أنقرة حين رفض أردوغان استقباله. وقد جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين التركي والأميركي لتتجاوز آثار تهديد ترامب، وتضع أسس تفاهم لا نعرف محتواه وتفاصيله بين واشنطن وأنقرة حول مصير شرقي الفرات بعد انسحاب القوات الأميركية.

وإذا كانت عبارة "المنطقة الآمنة" قوبلت بارتياب في بعض الإعلام التركي، فقد

إن المتفائلين، في الرأي العام التركي، يرون أن عمق 20 ميلاً (32 كم) الذي ذكره الأميركيون، هو نوع من منطقة عازلة يتم إخلاؤها من الكرد، أو على الأقل من وحدات حماية الشعب

اعتبرها بعض آخر بمثابة انتصار دبلوماسي لتركيا وأردوغان بالذات، من خلال تصوير الأمر على أن الرئيس التركي تمكن من إقناع ترامب بالمطالب التركية الخاصة بإبعاد "الخطر الكردي" المفترض عن حدودها الجنوبية.

أما الارتياب والتوجس فيعودان إلى تشبيه ما يحدث اليوم في شمال سوريا بما حدث في شمال العراق وأدى إلى قيام كيان كردي شبه مستقل عن العاصمة بغداد. في حين إن المتفائلين، في الرأي العام التركي، يرون أن عمق 20 ميلاً (32 كم) الذي ذكره الأميركيون، هو نوع من منطقة عازلة يتم إخلاؤها من الكرد، أو على الأقل من وحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية والفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.

يتابع مراسل صحيفة "خبر ترك" الإلكترونية في واشنطن "سردار تورغوت" هذا الموضوع بشكل يومي، من خلال مصادره السياسية والإعلامية والدبلوماسية في العاصمة الأميركية. فيما يلي بعض مما كتبه تورغوت بخصوص موضوع المنطقة الآمنة:

في شباط 2018 تم عقد اجتماع أمني خاص، في واشنطن، موضوعه مصير كرد سوريا في شرق نهر الفرات، ترأسه وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو الذي كان، حينذاك، مدير المخابرات المركزية الأميركية، وحضره رؤساء أجهزة الاستخبارات الروسية الذين كانوا، رسمياً، ممنوعين من دخول الولايات المتحدة. وقد دار النقاش، في هذا الاجتماع، حول خطة أعدها المستشرق الروسي المقرب من دوائر صنع القرار في موسكو فيتالي نعومكين.

ويعتبر "تورغوت" أن "الدولة الأميركية العميقة" حسب تعبيره "مغرمة" بفكرة إقامة دولة كردية مستقلة، ويزعم أن البنتاغون قد أعد خارطة لتلك الدولة المفترضة منذ العام 1992، وكانت تمتد من شمال العراق إلى شمال سوريا، لينتهي إلى تأكيد انتصاري بأن تركيا بقيادة أردوغان قد مزقت تلك الخريطة، أي خربت مخططات واشنطن بشأن الدولة الكردية المفترضة.

وهكذا، حين عقد اجتماع واشنطن الأمني الأميركي – الروسي، في شباط 2018، كانت الولايات المتحدة قد اقتنعت ببطلان صلاحية الخارطة المذكورة، وشعرت بالحاجة

تتضمن خطة نعومكين التي يسميها "نموذج شمال العراق"، وفقاً للمراسل التركي، إدارة ذاتية كردية على أن تكون بعيدة عن الحدود التركية بمسافة 30 كم على الأقل

إلى خطة جديدة بشأن شرقي الفرات. "فيتالي نعومكين قدم الخطة المطلوبة للأميركيين" يقول تورغوت، ويضيف مؤكداً أن "الدولتين العميقتين" في موسكو وواشنطن وصلتا إلى اتفاق مبدئي حول وجوب المراعاة الصارمة لأمن الحدود التركية ومصالح أمنها القومي.

تتضمن خطة نعومكين التي يسميها "نموذج شمال العراق"، وفقاً للمراسل التركي، إدارة ذاتية كردية على أن تكون بعيدة عن الحدود التركية بمسافة 30 كم على الأقل، وأن يرفع العلم السوري على حدودها، ولا يكون فيها جيش (كردي). أما "المجموعات المسلحة الكردية" فيمكنها أن تقوم بدور شرطة محلية. كما يرتفع علم الدولة السورية على الدوائر الحكومية، ويتم الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعلى ألا يدخل الجيش السوري مناطق الإدارة الذاتية، دائماً وفقاً لمعلومات المراسل سردار تورغوت.

قام نعومكين، هذا الشهر، بزيارة واشنطن ليشرح تفاصيل خطته المذكورة للنخب السياسية الأميركية، فتحدث في جامعة جورج تاون أمام جمهور ممن تلقوا دعوات خاصة. وبعد عودته إلى موسكو جرى اتصال هاتفي بين الرئيسين الأميركي والروسي، استغرق ساعة ونصف، كان موضوعه خطة نعومكين، حسب المراسل التركي الذي يضيف قائلاً إن الرئيسين قد اتفقا، من حيث المبدأ، على الاهتمام بشكل خاص بالهواجس التركية بشأن أمنها القومي، وبحيث لا تنشأ "أوضاع غير مرغوبة من تركيا على حدودها الجنوبية".

ويختم تورغوت تقريره المتفائل من وجهة النظر التركية بالقول إن الاستعدادات الأولية لعقد قمة ثلاثية بين ترامب وبوتين وأردوغان، في أواخر العام الجاري، قد بدأت فعلاً.

هل خليط المعلومات والافتراضات والرغبات الذي يتألف منه تقرير المراسل التركي يعكس الحقيقة فعلاً، أم أنه محكوم، إلى حد كبير، بنظريات المؤامرة من جهة، وتحويل الرغبات إلى وقائع متخيلة من جهة ثانية؟ هذا ما ستكشفه لنا الأسابيع القادمة.