icon
التغطية الحية

المنشطات التكنولوجية.. رحلة الأغنياء لاحتكار الرياضة

2022.04.03 | 17:40 دمشق

دراجات هوائية
الأميركي لانس آرمسترونغ، أشهر محترفي رياضة سباق الدراجات (رويترز)
+A
حجم الخط
-A

تشتعل المنافسة بين المشاركين في كل بطولة رياضية، ويسعى كل منهم للأخذ بكل أسباب التفوق ليفوز على خصمه، والذي يترتب عليه مجدٌ رياضيٌ وكثيرٌ من الأموال بطبيعة الحال.

يتدرب اللاعبون بجدية أكبر ويحافظون على نومهم وغذائهم، ويستقدمون أفضل المدربين لأجل هذا المكسب، لكن بعضهم يذهب في محاولته للتفوّق إلى أشياء أكبر، وفي كل منافسة رياضية كان بعضهم يتعاطى المنشّطات الكيميائية كطريقة مضمونة، وشهد هذا الأمر كثيراً من الجهود للحد منه ومنعه تماماً عبر التحاليل المكثفة والضوابط التي تضعها الاتحادات لضبط الأمر.

لكن مؤخراً طرأ على الساحة نوع جديد من المنشطات التي تساعد الرياضيين ولا تكتشفه التحليلات، وسارع أغلبهم للاستفادة منها، ولم تأخذ الاتحادات الرياضية منه موقفاً واضحاً حتى الآن فسَمح بها بعضهم ومنعها بعضهم، لكنها ما زالت موجودة حتى الآن ويزداد استخدامها في جميع المنافسات، منشطات جديدة لكنها ليست مضرة ولا تسبب الإدمان.

المنشطات التكنولوجية

تُعرف "Technology doping" (المنشطات التكنولوجية) بأنها تقنيات وأدوات مساعدة يستخدمها الرياضي لتحسين أدائه وأرقامه القياسية، وقد شهدت رواجاً في السنوات الأخيرة بين مختلف الرياضات.

وهذه التقنيات تمنح الرياضي الذي يستخدمها أفضلية على زملائه، وأفضلية على الرياضيين التاريخيين في اللعبة وأرقامهم القياسية، ولذلك تتنافس الشركات والدول في تطوير هذه المنشطات وتعظيم إمكاناتها، لضمان أكبر قدر من الميداليات وكسر أكبر قدر من الأرقام القياسية.

تنقسم هذه المنشطات إلى أنواع مختلفة، بعضها على هيئة أحذية فائقة، أو ملابس ذكية، أو موتور بالغ الصغر، أو قدم صناعية بالكامل.

أحذية فائقة

في سباق أُجري في فيينا، عام 2019، استطاع العدّاء  الكيني إليود كيبتشوغي كسر الرقم القياسي للمارثون، حيث قطعه في 1:59:40 وهو رقم مدهش، إذ بلغت سرعته المتوسطة خلال ساعتي الماراثون نحو 21 كيلومتراً في الساعة.

كان رقم "كيبتشوغي" خارقاً بالطبع، وأثار كثيراً من الأسئلة، لأنه لم يكن متوقعاً بأي طريقة أن يُكسر حاجز الساعتين للماراثون، حتى لو كان "كيبتشوغي" مَن فعلها.

أحد الأسئلة التي أثارها الرقم القياسي الجديد، كان متعلّقاً بالحذاء الذي ارتداه "كيبتشوغي"، والذي صنع خصيصاً لأجله قبل السباق.

كان الحذاء من إنتاج شركة Nike ويُسمّى "alphafly" وهو مُصنّع من الفوم ويحتوي نعله على 3 ألواح من الـ"كاربون فايبر" (مادة ذات وزن منخفض وصلابة عالية)، وكان وزن الحذاء أقل من متوسط وزن الأحذية المتداولة.

كان هذا الحذاء يوفّر راحة أكبر للعدّاء، كما تساعد ألواح الـ"كاربون فايبر" في دعم كاحله وتثبيته في أثناء العدو، حيث يقلّل الحذاء الفقد في الطاقة بنحو 4.5%.

لكن حين أجرى الاتحاد الدولي أبحاثه واكتشف الأمر، أصدر قراراً بعدم اعتماد الرقم ومنع اللاعبين من ارتداء هذا الحذاء مجدداً، ووُضعت عدة ضوابط للأحذية المتاحة، تتعلق بنوعية الخامات المستخدمة وعدد ألواح الكربون، كما اشترط أن يُطرح الحذاء للبيع قبل 4 أشهر من بداية المنافسات، حتى يتسنى لجميع المشاركين الحصول عليه.

بعد ذلك، عدّلت شركة Nike حذاءها ليطابق المواصفات، وخرجت بالنسخة االمعدلة "vaporafly"، وارتداها "كيبتشوغي" بالفعل، في أولمبياد 2020، لكنه لم يستطع تكرار رقمه السابق وأنهى الماراثون بـ2:08:38.

صراع الأحذية لا يقف عند العَدْو فقط، شركة Anta أنتجت حذاء مخصصاً للربّاعين الصينيين يساعدهم على تثبيت أقدامهم، وما زالت الشركات تتنافس في هذا الباب، ويحاول الاتحاد تحجيم الأمر قدر الإمكان، لكنه لم يستطع منع الأمر بشكل كامل.

ملابس ذكية

يتكرّر الأمر ذاته في السباحة، وظهر لأول مرة في أولمبياد بكين 2008، حيث كُسر 25 رقما قياسيا، والغريب أنّ 23 من الأرقام، كُسرت عن طريق رياضيين ارتدوا بدلة مختلفة.

كانت البدلة من إنتاج شركة speedo وتُسمّى "LZR speedo racer"، وصمّمت بمساعدة وكالة ناسا لتُحاكي جلد سمكة القرش، إذ يتشكّل سطح البدلة من أجزاء صغيرة ناعمة تشبه حراشف السمكة، تجعل مقاومة الماء للسباح أقل ما يمكن، وبها بعض الجيوب التي يمكنها تخزين الهواء بحيث تساعد السباح على الطفو.

تكرّر الأمر بعد عامين عبر بدلة جديدة تحمل اسم arena، وهو ما استدعى تدخّل مسؤولي الاتحاد الدولي للسباحة، والذي اعتبر البدلة منشّطاً تكنولوجياً يعارض اللعب النظيف، فمنع استخدامها ووضع شروطاً معينة للحفاظ على توازن الأرقام القياسية.

اتحاد الدرّاجات اتخذ قراراً مشابهاً فيما يخص بعض الأدوات الجديدة بالدرّاجات، وأصر أن مَن يحاول كسر رقم لا بد أن يكسره بالمعدات نفسها التي استخدمها صاحب الرقم الأصلي، حتى تكون المقارنة العادلة.

بشر أم آلة

في البارالمبياد (ثاني أكبر حدث دولي متعدد الرياضات، يشارك فيه رياضيون بدرجات إعاقة متفاوتة)، يظهر الأمر بشكل أوضح، حيث تلعب الأطراف الصناعية أدواراً مهمة في الفوز، هناك أطراف تساعد على الجري وأطراف تحوي مثل زنبرك تساعد على القفز وهكذا.

أوسكار بيستوريوس العدّاء الجنوب أفريقي، شارك طوال مسيرته بأطراف صناعية كانت مصمّمة خصيصاً لتناسب العَدْو، ورغم أنه بلا أقدام حقيقية، فقد شارك في "أولمبياد لندن 2012" في مواجهة عدائين أصحاء.

تكرّر الأمر مع الألماني ماركوس ريم الذي أراد المشاركة في "أولمبياد ريو 2016" في مسابقات الوثب الحالي، لكنه مُنع  من المشاركة لأنّ أطرافه الصناعية التي استعاض بها عن أقدامه المبتورة كانت تقدّم له إضافة عن الأصحاء.

ويتكرر الأمر كذلك في بعض الألعاب التي يمارسها الرياضيون على كراسي متحركة، إذ تشكّل إمكانات الكرسي عنصراً فارقاً في الأفضلية.

صراع أخلاقي

سيظل التقدّم التكنولوجي ظاهرة طبيعية تؤثر على كل مجالات الحياة، لكن في الرياضة فإن الأمر يتحوّل تدريجياً إلى ظاهرة تهدّد الرياضة وعدالتها، ويطرح نقاشاً حول إمكانية اعتبار الأرقام القياسية ومقارنتها بالسجل التاريخي والأبطال السابقين الذين لم تتح لهم هذه الإمكانات.

يمتلك الجيل الحالي من الرياضيين مزايا متعددة تتعلق بطرق التدريب والتغذية والنوم، وهو ما يكفي لتفوقهم على رياضيي الأجيال السابقة، فليس من المنطق أن يزداد هذا التفوّق عبر منشطات تكنولوجية إضافية لم تتح لهم.

كذلك فإنّ هذا التطور إن استمر، فسيحوّل رياضات المعاقين إلى منافسة في إمكانات الكرسي المتحرك أو الطرف الصناعي الذي يستخدمه اللاعب، وتبقى الإمكانات التكنولوجية العامل الأبرز لحسم المنافسة لا الموهبة المجردة.

ويجعلنا ذلك نتساءل، هل تحصر هذه التقنيات الرياضة في أيدي الأغنياء وتمنع الفقراء من التنافس؟

رغم محاولة اتحادات الرياضة وضع حدِّ للأمر، فإنّ الكثير من هذه التقنيات أصبحت أمراً واقعاً، وكلفة هذه التقنيات ليست في متناول جميع الرياضيين، وبالتالي يستفيد منها الرياضيون القادمون من بلاد غنية بشكل أكبر.

وتوجد هذه التقنيات في البلدان الغنية قبل الفقيرة بزمن طويل، كما يرتفع سعرها في المعتاد، ولا يقدر عليها أغلب الرياضيين من البلدان الفقيرة، ناهيك عن فروق التدريب والمعدات والتجهيزات، فكيف يمكن للرياضي القادم من بلدة فقيرة أن ينافس؟

تدريجياً ستتلاشى قيمة الموهبة والفروق الفردية، ولن يتمكّن الرياضي الفقير من الفوز مهما فعل وستظل اللعبة في قبضة مجموعة محدّدة من الدول ويكتفي باقي العالم بالطفرات من حين لآخر، لكن هل هذا هو العدل المنشود في الرياضة، وهل هذا هو الهدف الذي تسعى لأجله الرياضات؟