icon
التغطية الحية

دليلك لتنفّذه مع أبنائك: هل يمكن صناعة لاعب كرة القدم؟

2022.01.04 | 11:32 دمشق

ميسي الصغير
طفل يرتدي قميص نادي برشلونة باسم "ميسي" (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

أهداه والده أول مضرب جولف عندما كان عمره 7 أشهر فقط، وأمسكه للمرة الأولى وضرب الكرة في الثانية من عمره، في الثالثة بدأ يتدرب على التسديد على أرضية خشنة، ومن أجل مستقبل لامع علّمه والده التعامل مع وسائل الإعلام، لعب أمامه دور المراسل، وعلّمه الرد بشكل مثالي.

في العام التالي، كان الطفل يتدرب في ملعب الجولف ثماني ساعات يومياً، ومارس كثيرا من التدريبات البدنية لرفع لياقته، وأعلن والده للجميع أن ابنه قادم ليصبح الأفضل على الإطلاق ويغيّر تاريخ العالم.

بعد سنوات، صدقت آمال الأب بالفعل وأصبح ابنه (تايجر وودز)، أنجح لاعب جولف في التاريخ وأغنى رياضي في العالم لسنوات طويلة.

طريق الأموال

والد "نيمار" حصل على 100 مليون يورو كعمولات من انتقالات نجله، أسرة "فينيسيوس" حصلت على 10 ملايين لنقله إلى ريال مدريد،  فلمَ لا تكون أنت القادم؟

هذا مشروع يضمن حياة هانئة لك ولأحفادك، أن تجعل ابنك رياضياً محترفاً، صفقة تستحق أن تسخر لها حياتك، وأظنك تتمنى ذلك، لكن السؤال الأهم: هل يمكن ذلك فعلاً؟

الإجابة نعم، يمكنك ذلك، تايجر وودز الذي بدأنا معه ليس الوحيد، سيرينا ويليامز نجمة التنس كانت تفوز على الجميع منذ كانت في المرحلة الابتدائية، والصين تمتلك نظاماً مستمراً لإنتاج الأبطال الأولمبيين، وقد أثبت نجاحاً هائلاً في الدورات الأخيرة.

النظام عبارة عن أكاديميات منتشرة حول الصين، تجلب الأطفال من سن السادسة وتفصلهم عن أسرهم، وتخضعهم لتمارين شاقة وقاسية، ونظام غذائي وأسلوب حياة منضبط.

لا يختار الأطفال رياضتهم على حسب رغباتهم، بل يُقسمون إلى الرياضات بناء على اختيارات المدربين المسؤولين وبعض القياسات العلمية لمواصفات أجساد الرياضيين لكل لعبة.

ينشط المشروع في ألعاب محدّدة مثل السباحة ورفع الأثقال والجمباز، وهي الرياضات التي يمكن إتقانها بالتدريب والممارسة من دون الاعتماد على موهبة اللاعب الفطرية أو إبداعه الفردي.

هذا النظام أخرج آلاف الرياضيين، ومنح الصين عشرات الميداليات الذهبية، وما زال مستمراً حتى الآن.

في كتابه "الاستثنائيون"، يرى مالكوم جلادويل أن هناك مبالغة في تقدير قيمة الذكاء والموهبة، وأن ظروف النشأة وطبيعتها مع ساعات التدريب والاجتهاد هي العامل الأهم في طريق النجاح، ويبدو أن رأي مالكوم قد أثبتته الصين بالفعل.

فكرة "مالكوم" أن هناك مهارات يمكن إتقانها بالتكرار، الشطرنج على سبيل المثال، كلما لعب طفلك آلاف الساعات من الشطرنج، سيجعله ذلك أفضل من قرينه الذي لم يلعب كثيراً.

لذلك إذا كنت ترغب أن يلعب ابنك رياضات مثل الشطرنج والجمباز والرماية، فابدأ معه من الآن، ستكون فرصته أكبر كلما زادت ساعات تدريبه.

محمد صلاح القادم

تختلف كرة القدم عن هذه الرياضات كثيراً، لكونها تعتمد على الموهبة الفطرية والإبداع، لكن هل يمكن صناعة لاعب كرة القدم أيضاً؟

وونغ جونغ رجل كوري كان مهووساً بكرة القدم، لعب لأندية متوسطة، وكان يحلم بتمثيل منتخب بلاده وحصد البطولات معه، لكنه لم يكن جيداً بما يكفي ومنعته الإصابة من الاستمرار، لكنه قرّر أن حلمه الذي فشل فيه سيورثه لأبنائه، وسواء أقبلوا ذلك أم رفضوا، فإن ابني السيد "وونغ" سيلعبان كرة القدم ليحققا حلم والدهما.

نظام تدريبي صارم، أكل منضبط، مواعيد محدّدة للنوم، وقت قليل للتلفاز، وتدريبات بكرة القدم لآلاف الساعات في الاستلام والتسليم والركض بالكرة.

خبرة والدهم بالكرة أكسبته بعض المعرفه، فقرّر أن الأفضل في السن الصغيرة ألا يركل الأولاد الكرة كثيراً لأنها تؤذي كاحلهم، لكن الأهم هي المهارات التقنية.

يقول الابن الأصغر لـ وونغ جونغ: "أجبرني والدي على أن أحافظ على الكرة لأربع ساعات دون أن تسقط، بعد نحو 3 ساعات، بدأت أرى الكرة الواحدة 3 كرات، وأرى الأرض حمراء اللون، وشعرت بتعب شديد، كنت غاضباً حينذاك، لكني الآن أشكره".

بدأ الطفلان معاً، لكن الأكبر لم يتحمّل تدريبات والده العنيفة، واستمر الأصغر حتى حصل علي فرصة احترافية في سن الـ16، كانت في هامبورغ بألمانيا، وانتقل معه الوالد، وبعد أن ينهى الولد تدريباته يعمل والده معه لساعات في المنزل، واهتم إلى جانب ذلك بدراسة خطوات ابنه في باقي مسيرته.

والنتيجة؟ سون هيونغ مين، هو أفضل لاعبي آسيا ونجم توتنهام والدوري الإنجليزي، ووالده ما زال المشرف الأوّل على مسيرته حتى الآن، وقد منعه من الزواج حتى يعتزل.

سون ليس الوحيد، فـ لازيتش لاعب وست هام يونايتد، قرّر والده أيضاً أنه سيصير لاعب كرة قدم منذ كان في الرابعة من عمره، وتولّى تدريبه بنفسه منذ هذه السن، وقد نجح في ذلك.

لذلك فإن عملية تحويل ابنك للاعب كرة قدم محترف ليست مستحيلة، لا يعني ذلك أنه لا دور للموهبة، بالطبع يولد بعض الأشخاص بموهبة فطرية فائقة، لكن الاهتمام المبكر يكشف هذه الموهبة ويصقلها، ويحقق الفائدة القصوى منها.

كيف نصنع لاعب كرة قدم؟

الإجابة من الدكتور أرنا غوليتش - رئيس قسم علوم الرياضة في جامعة كايزرسلاوترن - الذي أجرى دراسات على آلاف اللاعبين في الأكاديميات الألمانية، وخرج بنتائج مهمة للغاية.

طبقاً للدراسة، فلا يوجد طريق موحّد تسلكه كل المواهب للوصول إلى النجاح، وتختلف من بيئة لأخرى ومن مكان لآخر، ولاحظت الدراسة أن الأطفال الذين مارسوا ألعاباً مختلفة في طفولتهم، حقّقوا نجاحاً أكبر من أقرانهم.

في كتابه (المدى: لماذا ينجح العموميون في عالم من المتخصصين؟) يتفق ديفيد إبشتاين - الباحث في علوم الرياضة - مع الدكتور أرني، ويرى أن أفضل طريقة لصناعة الرياضي، أن تسمح لطفلك بتجربة أكثر من لعبة والاختيار بنفسه في بيئة داعمة ومشجعة.

لن يجعله ذلك يختار رياضته المفضله بنفسه فقط، بل أياً كانت الرياضة التي سيختارها، فإن ممارسته للرياضات الأخرى ستساعده على المستوى الجسدي والذهني.

روجر فيدرر أحد أعظم لاعبي التنس، مارس رياضات كالسباحة وكرة القدم قبل أن يحترف التنس، ومارس كثير من لاعبي كرة القدم ألعابا أخرى قبل احترافها، وأكاديميات مثل أياكس أمستردام تجعل ناشئيها يمارسون ألعاباً ككرة اليد وكرة السلة بشكل منتظم.

ممارسة السباحة تمنح الطفل قدرة أكثر على التحمّل، والتنس يساعده على التفكير بشكل أسرع وملاحظة الكرة، وسيمنحه الجمباز مرونة هائلة، وهكذا، كل لعبة يمارسها في سن صغيرة ستساعده أياً كانت الرياضة التي سيحترفها.

ماذا يفعل الأبوان؟

إذا قرّرت أنك ستجعل ابنك رياضياً محترفاً، فإن هناك عدة نصائح ستساعدك في ذلك أياً كانت الرياضة التي سيختارها، وستمنحه تفوقاً على أقرانه حين يمارس لعبةً بشكل محترف.

احرص على تعريض ابنك لقدر جيد من الشمس في طفولته، وحافظ على نظام غذائي متزن منذ يومه الأول حتى تمنحه جسداً رياضياً مناسباً، لا بد أن يتعود طفلك كذلك على الالتزام، والاستمرار في التدريبات لفترة طويلة، ويمكنك أن تبدأ معه ذلك بنفسك.

يرى توم باير المدرب المختص في تدريب الأطفال، أنه يمكنك تدريب طفلك منذ سن الثانية، في هذا السن يكون الدماغ قادر على تعلم معلومات جديدة، اللغات والموسيقا وأيضاً مهارات الرياضة.

في سن الثانية، يبدأ الأطفال في الشعور بالتوازن والتناسق بين عضلاتهم وتتزايد سرعتهم، ويمكنهم ركل الكرة بسهولة.

حين يصل إلى سن مقبول، فإن الأكاديميات المختصة ستمنحه الفرصة لينمي مهاراته وينخرط مع زملائه، لكن تابعه بشكل مستمر، كثير من المدربين في الأكاديميات يتعاملون بطرق سيئة وقد يكره الطفل الرياضة بسببهم.

وبينما تفعل ذلك، حافظ على أن يظل ابنك مستمتعاً باللعب، يرى دي بروين (نجم مانشستر سيتي) أن هذه النصيحة الأهم للأطفال: الاستمتاع باللعبة التي اخترتها هو ما سيجعلك قادراً على الاستمرار لأبعد نقطة.

حين يصل ابنك إلى سن الاحتراف، فإن أفضل ما تقدمه له هو أن تساعده في اختيار مسارات جيدة، وأن يحصل على وكيل جيد يساعده في باقي مسيرته، وعندها تهانينا، لقد أنجزت مهمتك.

في الحقيقة، إن الخطوات السابقة ستساعد طفلك بالفعل، وستمنحه تفوقاً على أقرانه، لكن ينبغي أن تعلم أنه لا شيء مضمون.

الرياضة مجال شديد العشوائية، والنجاح فيه يتطلب قدراً من الحظ والتوفيق، وإصابة واحدة قد تودي بمسيرة طفلك، لذا من الأفضل أن يحافظ ابنك على مساره التعليمي بشكل ما، حتى تكون له فرصة جيدة في الحياة لو لم ينجح في الرياضة.

وفي كرة القدم وغيرها، فإن موهبة طفلك إن وجدت فهي تستحق الاهتمام، وقد تكون فرصتك لتصير "أبا نيمار الجديد"، فلا تفوتها.