icon
التغطية الحية

رونالدو ليس الوحيد.. لماذا أصبح الاستمرار حتى سن الـ 40 طبيعياً؟

2022.01.26 | 05:14 دمشق

nintchdbpict000398282027.jpg
+A
حجم الخط
-A

يلعب داني ألفيش أساسياً في برشلونة وهو في الـ 39 من عمره، وتياجو سيلفا أفضل مدافعي تشيلسي رغم اقترابه من الـ 38، ودجيكو وإبراهيموفيتش من أبرز مهاجمي الدوري الإيطالي، رغم بلوغ الأخير الـ 40، وكريستيانو رونالدو مازال يلعب في الدوري الأقوى في العالم وهو في سن الـ 37.

هل لاحظت ذلك؟ يبدو أن اللاعبين صاروا يمارسون اللعبة حتى سن أكبر من ذي قبل، قبل سنوات كان الوصول للـ 34 كافياً ليتقاعد اللاعب أو ينتقل إلى دوريات ضعيفة يقضي فيها بعض الوقت، لكن يبدو كأن الوضع يتغير.

مجموعة من الباحثين من جامعة فيغو بإسبانيا لاحظوا ذلك، وأجروا دراسة شملت أعمار اللاعبين المشاركين في دوري أبطال أوروبا منذ عام 1992 وحتى عام 2018.

واكتشفت الدراسة أن متوسط عمر اللاعبين ارتفع من 24.9 إلى 27، بزيادة 2.1، وشمل ذلك كل مراكز الملعب من دون استثناء.

ليست كرة القدم وحدها، ففي دراسة للباحثة المختصة بالتنس «ستيفاني كوفالتشيك»، لاحظت أن متوسط عمر لاعبي التنس الأعلى تصنيفاً ارتفع خلال العقدين الأخيرين من 26.2 إلى 27.9، والسؤال الآن، لماذا ارتفع معدل أعمار اللاعبين بهذا الشكل، وهل سيتمكن الجميع قريباً من اللعب حتى سن الـ 40؟

عصر التكنولوجيا

في محاضرة عبر منصة TED الشهيرة؛ يحاول الباحث في علوم الرياضة "ديفيد إبشتاين" أن يجيب عن السؤال بشأن تفوق الرياضيين الحاليين عن سابقيهم، ويستعرض في محاضرته أمثلة من رياضات مختلفة.

يقارن إبشتاين بين "جيسي أوينز" بطل سباق 100 متر في عام 1936 و"يوسين بولت" بطل 2013، والنتيجة أنه إذا تسابق الثنائي كان بولت ليسبق أوينز بنحو 4 أمتار كاملة، وهو رقم كبير حين نتحدث عن سباق 100 متر.

يرفض إبشتاين افتراض أن الرياضيين اليوم أفضل من سابقيهم، أو أن البشر تطوروا لجنس أقوى أو أفضل خلال هذه الفترة.

لكن السبب أن أوينز كان يركض على أرضية من الرماد المتخلف من حرق الأخشاب إذ كانت هذه الخامة المستخدمة في مضمار الركض آنذاك، بينما ركض بولت على خامة صناعية أقرب للبساط، لا تقاوم قدمه وتمنحه راحة أكبر في أثناء الجري.

استعان إبشتاين كذلك بأحد علماء البيولوجيا الميكانيكية ليحاول إزالة أثر تلك العوامل وتوقع النتيجة، والمفاجأة أن بولت كان ليتفوق على أوينز بخطوة واحدة فقط وليس 4 أمتار كاملة لو ركضوا على البساط نفسه.

الأمر إذاً متعلق بالظروف المحيطة بالرياضة، والأدوات المتوفرة، وأغلب الفضل يعود للثورة التكنولوجية خلال العقدين الأخيرين التي ساعدت الرياضيين على الأداء بشكل أفضل ولفترة أطول.

في الدراجات كذلك، قارن الدراجات التي ركبها المتسابقون قبل عقود بالدراجات الحالية، أو بدل السباحة التي تساعد السباحين الآن على الطفو ولا تقاوم الماء.

في كرة القدم، فإن الملاعب الحديثة بأرضياتها المستوية، وأحذية اللاعبين الخفيفة المصنعة بدقة، والكرات التي يلعبون بها، ساهمت في جعل اللاعبين أكثر كفاءة وأكثر قدرة على الاستمرار.

الطب الرياضي

قبل سنوات لم يكن غريباً أن يعتزل لاعب لمجرد إصابة صعبة، وأساطير عدة ضاعت مسيرتهم لأن الأطباء لم يتمكنوا من علاج حالتهم بشكل صحيح.

لاعبون مثل روبيرتو باجيو ورونالدو الظاهرة وجابرييل باتيستوتا، تأثرت مسيرتهم كثيراً بالإصابات، لكن الآن صار بإمكان الأطباء علاج الكثير من الإصابات بدقة أكبر وزمن أقل.

بل صار من الممكن التنبؤ بالإصابات، يحكي «جان ميرسمان» قائد مشروع «milan lab» وهو أحد المشاريع الرائدة في الطب الرياضي، أنه كان بإمكانهم التنبؤ بإصابة اللاعب وتفاديها قبل حدوثها، وقد ساعدوا الكثير من اللاعبين في أثناء عملهم.

وينسب الفضل لهذا المشروع في إطالة مسيرة لاعبين مثل باولو مالديني وخافيير زانيتي وكلارنس سيدورف حتى سن الـ 40، الأخير تحديداً كان على وشك الاعتزال لولا وصوله إلى ميلان.

سيدورف كان يعاني من مشكلات دائمة في الفخذ ويتعرض لإصابات متكررة، وأجرى ميرسمان ورفاقه عدة فحوصات وعملوا لفترة طويلة لحل مشكلاته الصحية، وكان أبرزها مشكلة في أسنانه أثرت على باقي عضلاته، وبحلها لعب لسنوات بلا مشكلات.

يمكنك الآن أن ترى كيف يصاب اللاعبون إصابات مروعة، ثم يعودون للملاعب في غضون أشهر، وأبرز مثال على ذلك «هيرفي إليوت» لاعب ليفربول الشاب الذي خلع قلوب الجميع بإصابته في أول الموسم. قبل أيام عاد إلى التدريبات وسنراه في الملعب قريبا.

كذلك شهدت عملية الاستشفاء بعد المباريات طفرة هائلة، وعدة تقنيات مذهلة يستخدمها اللاعبون الآن، تجعلهم يحافظون على عضلاتهم ويحمونها من الإصابة، وتساعدهم على استعادة طاقتهم بشكل سريع ليتمكنوا من اللعب مجدداً.

يتمتع الجيل الحالي كذلك بحماية أكبر من الحكام، وتناقصت التدخلات العنيفة بشكل ملحوظ مع تقنيات التحكيم الجديدة مثل الـ VAR، يمكنك أن تشاهد مباراة قديمة يلعب فيها مارادونا أو الظاهرة رونالدو وتشاهد كيف كانت التدخلات أعنف من اللازم.

فلذلك الآن الإصابات الخطيرة أقل، وفرص علاجها أكبر، فلا تدفع الإصابات اللاعبين إلى الاعتزال المبكر إلا نادراً رغم أن ذلك كان شائعاً في الماضي.

ماذا نأكل؟

لم تكن التغذية شيئاً مهماً في كرة القدم طوال تاريخها، في التسعينات كان لاعبو الدوري الإنجليزي يشربون الخمور في الحافلة وهم في طريقهم للمباريات، واعتادوا تناول الشيكولاته والسكريات بكميات مفرطة.

حين وصل آرسين فينجر إلى هناك، ألغى هذه العادات وبدأ في إدخال الأسس العلمية للتغذية، وتبعه الجميع بعد ذلك، حتى صار اختصاصي التغذية عنصراً أساسياً في كل الأجهزة الفنية.

 طبقاً لكريس روزيموس، خبير التغذية في نادي ليستر سيتي، فإن الأيام التي كان يأكل فيها كل اللاعبين الوجبات نفسها قد انتهت، لكن الآن يعتمد ما يأكله اللاعب على عوامل مختلفة، مثل عمره وموقعه في الملعب ونسب الدهون والأملاح في جسده وحالته الجسدية والبدنية.

وطبقاً لروزيموس كذلك، فلا تُعامل التغذية اليوم على أنها مصدر للوقود فقط، بل إنها تساعد على الاستشفاء السريع وتجنب الإصابات.

وأبرز ما تساهم فيه التغذية أنها تساعد الرياضي في الحفاظ على جسده لأطول فترة ممكنة، والمشترك بين كل اللاعبين الذين استمروا في الملاعب لفترات طويلة، هي صرامتهم في تنفيذ برنامجهم الغذائي.

يدين ليونيل ميسي بالفضل للتغذية الجيدة في تخلصه من كثير من المشكلات، حين ظهر منهكاً في 2014، وتقيأ في الملعب أكثر من مرة، لجأ إلى خبير التغذية الإيطالي جوليانو بوزر، حيث منعه من تناول البيتزا بعد المباريات، وطلب منه تقليل السكريات بشكل عاجل، وأوصى اللاعب باتباع نظام غذاء نباتي طوال الموسم، وبالفعل التزم ميسي بالنظام ولم يعد يعاني من مشكلات المعدة.

ميسي ليس الوحيد، فرونالدو يمتلك نظاماً غذائيّاً صارماً قوامه الأسماك والخضراوات، مودريتش يتبع نظاماً خاصاً، ومحمد صلاح له نظام دقيق يتبعه دائماً، وإبراهيموفيتش وصل الـ40 ولم يتكاسل عن نظامه المنضبط أبداً.

اختلفت التغذية كثيراً عن الأيام التي أكل فيها اللاعبون الشيكولاته وشربوا الخمر في طريقهم للمباراة، وهو ما يفسر لماذا يستمر لاعبو اليوم في الملاعب لفترة أطول.

البيانات والتحليل

طبقاً للباحثين في «barca innovation hub» أحد أهم المراكز البحثية في كرة القدم، فإن تطور البيانات والمحللين والقدرة على قياس قدرات اللاعبين البدنية والفنية ساهم بشكل كبير في مساعدة اللاعبين في الوصول لسن أكبر في الملاعب.

سمحت هذه البيانات وتحليلها للكثير من اللاعبين بتحسين كفاءتهم، وتحديد عيوبهم البدنية والفنية لإصلاحها، وسمحت للمدربين بتقييم لاعبيهم بشكل أفضل وأكثر دقة.

لكن الدور الأهم الذي تلعبه البيانات في إطالة مسيرة اللاعب، هو أنها تقدم للاعب نقاط قوته وضعفه بشكل مستمر مع مرور الزمن، وهو ما يسمح له بالتركيز على نقاط قوته والبعد عن نقاط ضعفه.

كريستيانو رونالدو هو المثال الأبرز على ذلك، والشاب الذي أذهل الجميع بمراوغاته في اليونايتد لم يكن هو نفسه لاعب الريال الذي اهتم بالوصول للمرمى من أقصر طريق، وليس هو رونالدو الحالي الذي يتمركز في منطقة الجزاء ويحاول اقتناص الكرات وخداع المدافعين.

هذا التحول في الأداء وتركيز المجهود على مهارات معينة يدفع بمسيرة اللاعب سنوات للأمام.

في تحليل لشركة anylatic fc والتي تملك نموذجاً لقياس تأثير أعمار اللاعبين والتنبؤ بمستواهم في المستقبل، لاحظت أن مهارات مثل المراوغة والركض بالكرة تتأثر سلباً بالسن،في حين أن مهارات كالتمرير والتسديد والإنهاء أمام المرمى تتحسن مع العمر، لأن الخبرة والمعرفة تكون عاملاً مهماً فيها.

ولذلك على اللاعب أن يهتم بهذه المهارات كلما كبر في السن، ويوظف خبرته ومعرفته في تقديم فعالية أكبر بمجهود أقل، وقد يغير مركزه نفسه، كما فعل ريان جيجز على سبيل المثال.

وطبقا لـ«ريان كالي» من موقع GOAL فإن ميسي بدأ في تقليل مراوغاته قدر الإمكان والاهتمام بمهاراته الأخرى كصناعة اللعب والإنهاء أمام المرمى وذلك حتى يطيل عمره في الملاعب.

هناك عوامل أخرى بالطبع، مثل احترافية الأجيال الجديدة واجتهادهم في التدريبات، والأموال الضخمة التي يتقاضونها وتحفزهم للمحافظة على أنفسهم ليحصلوا على أكبر قدر منها، وتطور علم التدريب البدني والفني، وكل ذلك ساهم في بلوغ اللاعبين الحاليين سن أكبر في الملاعب، ومنحنا فرصة أكبر للاستمتاع بمهاراتهم.