المشروع الوطني واستحقاق التغيير السياسي اليوم

2023.09.22 | 07:43 دمشق

آخر تحديث: 22.09.2023 | 07:43 دمشق

المشروع الوطني واستحقاق التغيير السياسي اليوم
+A
حجم الخط
-A

تشير المعطيات والوقائع التي أظهرتها المسألة السورية منذ العام 2011 لتحولات متعددة في مساراتها، درست في الكثير من الأبحاث والدراسات السابقة ولم تحسم نتائجها كليًا بعد. اليوم من الضرورة بمكان تحديث هذه المعطيات، بغية تقييم المرحلة الحالية من عمر الثورة السورية، خاصة مع انتفاضة السويداء السلمية المدنية في فترة حرجة وحساسة من الوضع السوري.

فمذ تحولت المسألة السورية من مشروع وطني سوري يستهدف التغيير السياسي واستحقاق الدولة الوطنية، دولة المواطنة والحقوق والحريات، والمسألة السورية تتناوب وتتبدل وتتداخل على أرضها مشاريع دولية وإقليمية تنهش في شعبها وأحلام شبابها ومستقبل أطفالها وحاضرها. من هنا، من المهم جدًا تحديد مقومات ونقاط القوة التي أججت المشروع الوطني السوري مقابل نقاط الضعف والتشتيت ونمو المشاريع الخارجية على حسابه.

ابتدأ المشروع الوطني بفقدان مقوماته وتشتيته بين جهات متعددة تتباين بين مشروع إيراني يدعم النظام، مقابل مشاريع عدة عربية وتركية وأميركية تدعم جهات سياسية متعددة وفصائل متعددة المرجعية

المعطيات العامة بتركيز مكثف دون الغرق في التفاصيل تشير إلى:

  • حققت المظاهرات السلمية التي اجتاحت غالبية المدن السورية عام 2011 جملة من الاستحقاقات المحلية للمشروع الوطني السوري، والذي ترجم عربيًا بمبادرة جامعة الدول العربية، بسحب مقعد الجامعة من النظام والمطالبة بإجراء تغيرات جذرية في بنية السلطة والحكم في سوريا. ومن ثم توجت بالقرار الأممي جنيف 1 عام 2012 الذي أفاد بضرورة تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تدير شؤون البلاد. وكلاها تعني التغيير الجذري في بنية النظام القائم.
  • مع بدايات التحول للعسكرة والعنف المتمدد في كل أرجاء سوريا، وانكشاف تدخل الميليشيات الطائفية الإيرانية مقابل نمو قوى التطرف والإرهاب على حساب قوام الثورة السورية سياسيًا ومدنيًا، والهيئات السورية المعارضة العسكرية. ابتدأ المشروع الوطني بفقدان مقوماته وتشتيته بين جهات متعددة تتباين بين مشروع إيراني يدعم النظام، مقابل مشاريع عدة عربية وتركية وأميركية تدعم جهات سياسية متعددة وفصائل متعددة المرجعية، تتنافس وتتصارع فيما بينها سياسيًا وعسكريًا.
  • مع التدخل الروسي في مثل هذا الشهر عام 2015، تحولت المسألة السورية لمسألة صراع دولي واضح المعالم، تقوده روسيا البوتينية الجيوبوليتيكية، مستخدمة الميليشيات الطائفية الإيرانية وجيش النظام في محاربة كل الفصائل السورية متعددة الانتماء، فيما تركت مهمة داعش للناتو التي تدعم ميليشيات قسد الكردية. هذا التشظي العام وتعدد المشاريع الخارجية على الأرض السورية تلخص في صياغة قرار مجلس الأمن 2254 عام 2015 وبعد قرابة شهرين من التدخل الروسي، الذي خفف التغيير المفترض من هيئة الحكم كاملة الصلاحيات إلى حكومة وطنية تقود مرحلة انتقالية.
  • لقد فقد المشروع الوطني قوة وفاعلية التظاهر السلمي بداية، ومع الزمن فقد المعادل الموضوعي لسلطة وجيش النظام وحلفائه، ففي الفترة من 2015 إلى 2018 تم إخلاء معظم المدن السورية، واستفردت روسيا وحلفاؤها في الملف السوري عسكريًا، مقابل وصاية تركية على الشمال الغربي في إدلب وشمالي حلب، وتسليم شرق الفرات لشبه إدارة ذاتية تديرها قسد وبدعم أميركي ومن خلفها الناتو. الأمر الذي حدد وخفف من وطأة الحرب تدريجيًا، لكنه بالمقابل أفقد كل مقومات إمكانية تفعيل أي قرار دولي في الشأن السوري، لفقدانه مقومات المعادل الموضوعي العسكري للحلف الروسي. إذ باتت روسيا قادرة على فرض مصطلح التفاوض من بوابة المنتصر العسكري، وعدم الالتزام بتنفيذ القرار 2254 لليوم، مع تمييعه في لجنة دستورية يُفترض أنها تأتي بعد الدخول في مرحلة انتقالية وليس قبلها، كما يجري منذ العام 2018 لليوم! وأضف لذلك قامت بتفتح مسارات أستانا وسوتشي لإضفاء صبغة سياسية على نصرها العسكري ولكنها أيضًا لم تنجح بذلك لليوم.

يتضح من السياق العام، والذي يمكن تفصيله في دراسات بحثية واضحة، أن نقاط القوة في المشروع الوطني تتجلى بشكل واضح متكامل لا تنفك عن بعضها في:

  • التظاهر السلمي المدني.
  • القرارات العربية والدولية القاضية بحل المسألة السورية سياسيًا وسلميًا تنهي سيطرة وتغول النظام.
  • مرجعية المشروع الوطني للإجماع السوري الداخلي.

فيما تتجلى نقاط الضعف في:

  • العسكرة والحرب وتغييب التظاهر السلمي.
  • المشاريع الإقليمية والدولية.
  • تبعية القرار السوري لمرجعيات دولية متعددة ومتضاربة. تلك التي تتضح بشكل أوسع بتعدد الأجندات السياسية والعسكرية السورية وعدم توافقها أو إجماعها على آلية عمل سورية محددة.

اليوم، مع انتفاضة السويداء والجنوب السوري، ودخولها الشهر الثاني بشكل متواتر ويومي، يستعيد المشروع الوطني أهم مقومات نقاط القوة فيه، وهي التظاهر السلمي الواسع، وتحريك الملف السياسي الدولي خاصة في أروقة الأمم المتحدة وبدء تجاوب المبادرة العربية معها. الأمر الذي يحيل إلى ضرورة التقاط هذه الفرصة الذهبية في مرحلة حرجة من عمر المسألة السورية التي روجت، قبل أشهر، لعودة النظام لمقعد الجامعة العربية، وإنهاء المسألة السورية دوليًا على وضعها الراهن. ويمكن أن نضيف أن مظاهرات السويداء التي لا يمكن وصفها بالإرهاب والتطرف، ولا توصف بالنزعة الانفصالية المحلية وتؤكد على الحل السوري العام كمصلحة وهدف لكل السوريين عبر تفعيل 2254 والقرارات الأممية ذات الصلة، وتحاكي خلاصة مبادرة الجامعة العربية، تمثل أبرز وأهم روافع الشروع الوطني واستحقاقاته.

لا يخفى على متابع للشأن السوري مدى تعدد المشاريع الخارجية التي تدور رحى صراعها على الأرض السورية، حتى غدا المشروع الوطني السوري مجرد فكرة نظرية

فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الملف السوري بات ملفًا دوليًا بامتياز، وفق ترسيمات المشاريع الدولية القائمة، فمن الهام النظر للتحولات الجارية بقلب أوروبا من خلال الحرب الروسية على أوكرانيا واشتداد أزمتها مع أميركيا وأوروبا، والتي تحاول روسيا تخفيف أعبائها العسكرية في سوريا خاصة في الجنوب السوري. ما يجعل إمكانية الضغط التفاوضي السياسي عليها قائم وقيد التحقق، ويفتح مسار حيوي لاستحقاق تفعيل القرار 2254، محمولًا هذه المرة على حراك السويداء السلمي. إذ إن من مصلحة روسيا، السيطرة والتحكم العسكري في الجبهات المنشغلة عسكريًا فيها، وبالضرورة ستحاول لجم أي توجه ميليشيوي إيراني لقمع الاحتجاجات بالسويداء بغية تفادي إشعال حرب فيها تنعكس نتائجها سلبًا على النظام السوري، الذي سيجد نفسه عند ذلك وقد فقد ورقة حماية الأقليات، ويجعل مستويات تفاوضه السياسية في أضعف حالاته في مقرات الأمم المتحدة.

لا يخفى على متابع للشأن السوري مدى تعدد المشاريع الخارجية التي تدور رحى صراعها على الأرض السورية، حتى غدا المشروع الوطني السوري مجرد فكرة نظرية فيما الواقع السياسي في استنقاع واستنزاف متعدد الأهداف والأطراف لتاريخه. لكنه اليوم يمكن أن يستعيد حضوره المحلي والدولي، إذا ما تكاتفت الجهود الوطنية السورية بعيدًا عن تجاذباتها السياسية والأيديولوجية، وامتدت أيديها لمحور الحدث السوري في السويداء، بحيث تشكل قوة ضغط فعالة في المسار الدولي للمسألة السورية، مع تفعيل جاد للمبادرة العربية في ذات الشأن، فالتغيير السياسي واستحقاق الدولة السورية سيحقق السلام لسوريا ودول الجوار العربي والشرق الأوسط ويستبعد شبهات الحرب الإقليمية التي قد تفتعلها إيران ويتجنبها العرب ودول الخليج، فسلطة النظام وحلفائه اليوم في أضعف حالاتها أمام مظاهرات السويداء.