icon
التغطية الحية

المشاريع المنزلية للسوريات في تركيا.. أسلوب للعيش بعيداً عن ترف الهواية

2022.03.30 | 16:28 دمشق

layblay.jpg
أم صبحي في مطبخ المطعم
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

دفعت الظروف المعيشية والاجتماعية كثيراً من السيدات السوريات في تركيا نحو المشاريع المنزلية التي تنتشر بشكل ملحوظ، لتساهم المرأة من خلال هذه المشاريع في عملية الإنتاج. كانت هذه المشاركة طوعية أحيانا سببها ممارسة الهوايات وتحقيق الاستقلال الاقتصادي وأحياناً أخرى كانت مشاركة إلزامية أجبرتها عليها مسؤوليات الرعاية الاقتصادية بعد أن جعلتها ظروف الحرب معيلةً أساسية لأسرتها، وفي كلتا الحالتين تبقى المشاريع الصغيرة محكومة بمحدودية الإنتاج وصعوبة النمو، وتتطلب رؤية واضحة وخطة نمو مستقبلية تضمن لها النفعية والاستدامة.

هواية تتحول إلى مهنة

تقول ماسة (27 عاماً) اللاجئة السورية في إسطنبول والطالبة الجامعية في كلية إدارة الأعمال إنها حولت شغفها وحبها للمطرزات اليدوية منذ عامين إلى مشروع ربحي لإنتاج المطرزات، بهدف تطوير موهبتها وإتقان هذا الفن بشكل كامل وضمان مصدر دخل تحقق من خلاله الاستقلال الاقتصادي.

وترى ماسة أن ما يميز هذا النوع من المشاريع هو الاستقلالية والحرية في العمل، فهي لا تملك رب عمل يملي عليها ما تفعل خاصة مع التزامها بواجبات أخرى كالدراسة ورعاية الأطفال، مع ذلك تتطلع ماسة مستقبلاً إلى افتتاح مشغل بمعدات متطورة تزيد الطاقة الإنتاجية لمشروعها وترفع مستوى عائداته.

وينصح الخبير الاستراتيجي في ريادة الأعمال مازن رابعة أنه حتى لو بدأت هذه المشاريع من المنزل يجب أن تكون مبنية على رؤية مستقبلية بالتوسع والاستقلال في مكان عمل حتى لو كان غرفة في المنزل.

ويضيف: يمكن تجاوز مشكلة التكاليف الإضافية من خلال التعاون بين عدة سيدات يعملن في نفس المجال ويتخذن مقر عمل مشترك لتجنب حالة الاستنفار والتشتت بين واجبات المنزل والإنتاج، فمن منظور ريادة العمل يجب تنظيم ساعات العمل وتخصيص مساحة مناسبة مريحة للإنتاج الفعال.

 

فقفثقفغ.jpg
مطرزات يدوية من أعمال ماسة

 

إنتاجية محدودة ودخل متواضع

 على الرغم من الإيجابيات التي ذكرتها في هذا النوع من المشاريع، ترى ماسة أن محدودية الإنتاج هي مشكلة أساسية تنعكس على المردود المادي وتجعله محدوداً أيضاً، كما تجد ماسة صعوبة في تسويق المنتج بسعر منصف لجهدها ومشجع للعميل في الوقت نفسه على حد قولها.

يعيب مازن رابعة هذا النوع من المشاريع بأنها "ذات عائد متواضع قياساً بالجهد المبذول".

وللمقبلين الجدد على مشاريع مماثلة، ينصح رابعة باختبار السوق قبل الانطلاق الجدّيّ في المشروع، وقياس الإقبال على المنتج، والقدرة الشرائية للشريحة المستهدفة، بالإضافة إلى دراسة التكاليف المادية والجهود المبذولة في الإنتاج قبل تحديد سعر البيع.

لا تقتصر مشكلات المشاريع الصغيرة على محدودية الإنتاج فغياب مكان لعرض المنتجات يضع السيدات أمام تحدٍ جديد وهو تصريف الإنتاج. بالنسبة لماسة تقول إنها تعتمد بشكل أساسي على منصة انستغرام لتسويق منتجاتها كما شاركت بعدة معارض بدعوة من جمعيات تدعم هذا النوع من المشاريع.

 

 

تنظّم "جمعية اللمة السورية" بشكل مستمر فعاليات تسويقية لدعم مشاريع النساء الصغيرة من خلال تأمين منصات عرض لمنتجاتهن في معارض مختلفة في إسطنبول، بعض هذه المعارض يرقى لمستويات دولية يرتادها رواد أعمال ما يتيح للسيدات فرص اللقاء بمستثمرين محتملين، ويتم ذلك من خلال تخصيص طاولة بمساحة معينة لكل سيدة تعرّف من خلالها ضيوف المعرض على منتجاتها.

وقالت سالينا نصرة مسؤولة قسم المرأة في الجمعية إنهم يتطلعون إلى تأطير هذا النشاط ضمن فعاليات دورية منتظمة خاصة بالجمعية تضمن للسيدات -صاحبات المشاريع- منصة عرض دائمة لمنتجاتهن. 

مشروع منزلي وسنين من دون نمو

غادة العابو أو الشيف أم صبحي -كما تداولت وسائل الإعلام اسمها - لم تمتلك رفاهية العمل كهواية أو لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، فهي تعمل مجبرة لتأمين مسلتزمات الحياة الأساسية لأحفادها الخمسة من ابنها المغيب قسرياً، من خلال مشروع ذي دخل محدود بعد أن حولت مطبخ منزلها الصغير إلى مساحة للإنتاج.

أم صبحي سيدة سورية تقيم في إسطنبول بلغت عامها الـ 57 وبدأت مشروعها منذ عدة سنوات بصنع المأكولات السورية بمعدات بدائية وبيعها للراغبين.

واجهت العقبة الأولى بصعوبة توصيل منتجاتها للزبائن على حد قولها، فكانت أول توسعة لمشروعها هي شراء دراجة نارية بالتقسيط توصل بها الطلبات.

 

 

لفتت السيدة الخمسينية التي تقود الدراجة النارية نظر وسائل إعلام عربية ومحلية فغطت قصتها، لتحظى أم صبحي بشهرة بين أوساط السوريين حينئذ. والآن وبعد عامين على الضجة الإعلامية التي حققتها تروي غادة العابو لموقع تلفزيون سوريا إلى أين وصل مشروعها.

تختصر أم صبحي حجم دخل مشروعها بجملة "ببيع باكل"، فدخل مشروعها حتى الآن لا يتعدى تلبية الاحتياجات الأساسية، والآن وبعد عدة أعوام من العمل ما زال مشروعها يفتقر إلى أي تطور بل مرَّ أيضاً بانتكاسات ومحاولات تطور لم يكتب لها النجاح .

استثمار لم يكتب له النجاح

تقول أم صبحي: "بعد انتشار قصتي على مواقع التواصل الاجتماعي تواصل معي أحد المستثمرين وطلب مني الإشراف على مطعم سيفتتحه في إسطنبول، تحمست للفكرة وبدأت العمل في المطعم ولكني لم أخرج من مشكلة محدودية الدخل، فعملت لفترة طويلة كموظفة براتب لا يلبي احتياجاتي الأساسية لذلك وبعد فترة قررت ترك العمل في المطعم والعودة إلى عملي المستقل من المنزل في منطقة الفاتح".

وعن دور الإعلام في تطور مشروعها لا تنفي أم صبحي أنها بعد التغطية الإعلامية اكتسبت الشهرة، ولكن ذلك لم يكن كافياً ليوسع عملها، وفي نفس الوقت تعرضت لمواقف سلبية بعد أن صورتها إعلامية -لم تذكر اسمها- من المطعم دون موافقتها ونشرت معلومات مغلوطة عنها مدّعية بأن الشيف أم صبحي افتتحت مطعمها الخاص من دون تحرّي التفاصيل.

أم صبحي حاملة لشهادة المعهد الفندقي المتخرجة على يد أشهر الطباخين العرب والعاملة في قصور أمراء خليجيين وفي فنادق رفيعة المستوى في عدة بلدان عربية لم تستطع وبعد عدة أعوام الخروج من دائرة "أعمل كي آكل" بسبب محدودية الموارد.

على الرغم من انتشار قصتها على نطاق واسع تقول أم صبحي إنها لم تتلق أي دعم من أية جهة، ومع ذلك ما زالت أم صبحي تحلم بافتتاح مطعم صغير خاص بها بمعدات مناسبة وبمساعدة سيدات سوريات تقدم فيه مأكولاتها للزبائن.

تختم أم صبحي: "صحيح أن عمري لم يعد صغيراً لكن همتي ما زالت عالية وقدرتي على الإنتاج تفوق قدرة الشباب".

سواء كان العمل لتحقيق الذات أو لسد الاحتياجات الاقتصادية، يبقى حق العمل حقاً أساسياً نصّت عليه المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتبقى حرية اختيار العمل في شروط عادلة ومرضية والحماية من البطالة حقاً لكل شخص دون تمييز.

 

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان