icon
التغطية الحية

المسلسلات الكورية.. بين انتقاد العنف وتشجيعه

2022.02.08 | 17:31 دمشق

klna_amwat.jpg
من المسلسل الكوري "كلنا أموات" (نتفلكس)
+A
حجم الخط
-A

نحن شعوب نمقت القتل والتنكيل وننادي باسم الإنسانية ونسعى للسلام تؤلمنا مشاهد العنف ونكره من يقودها وننظم حملات إلكترونية للمناداة بمحاسبة المجرمين، لكننا في الوقت نفسه نشجع بشكل غير مباشر الأعمال المماثلة والمتضمنة أبشع أنواع العنف والإجرام على منصات العروض التلفزيونية.

فبعد مسلسل "لعبة الحبار" الذي لاقى جدلاً واسعا وتخطت نسبة مشاهدته 142 مليون مشاهدة في الشهر الأول من عرضه على نتفلكس، بدأت تتوافد على المنصات أعمال مشابهة مضمونها دراما العنف والجريمة وعنوانها العريض "الشيزوفرينيا"، والاكتئاب السوداوي، والهوس... إلخ.

فلوحظ مؤخراً انتشار كبير لعدة أعمال أغلبها أعمال كورية، كما لعبة الحبار، كالعمل الذي استحوذ على المرتبة الأولى في ترتيب الأكثر مشاهدة تحت عنوان: "كلنا أموات/ all of us are dead" بحسب ما أظهرت الرسوم البيانية على منصة نتفلكس في أكثر من 25 دولة منذ عرضه الأول في الـ28 من كانون الثاني الماضي.

 

 

يتكون المسلسل من 8 حلقات، تصل مدة كل حلقة منها إلى 42 دقيقة، وتدور أحداثه حول معركة بين طلاب مدرسة تحولوا إلى (زومبي) وبين الناجين اليائسين الذين يسعون إلى الهرب، وذلك بسبب الانتشار السريع لفيروس خطير بين الطلاب والذي عمل على تطويره أحد المعلمين في المدرسة وقام بتجربته سابقاً على ابنه وزوجته.

تتسارع الأحداث وتنتشر العدوى ومن ثم سيكون على كل الموجودين في المدرسة أن يحاولوا النجاة في مكان مليء بالفيروسات من دون هواتف محمولة ولا طعام، ولذلك يستخدم الطلاب مصابيح مكتبية وكتباً وأقواساً للدفاع عن أنفسهم من الزومبي في معركة يائسة من أجل البقاء.

اللافت للانتباه والمزعج في آن واحد، أن تلك الأعمال لا تستحق تلك المرتبة الذهبية لا من ناحية الإخراج ولا السيناريو ولا حتى أبطالها يستحقون المتابعة فهي فارغة من أي هدف توعوي، أو لربما الجزء الأخير من مسلسل "باب الحارة" النمطي والمكرر يستحق المشاهدة أكثر من تلك الأعمال.

إن ظهور العنف مرتبط بظهور التناحر والنزاع والخلاف بما يخص الفوز بالملكية بين الأفراد مثلا وتختلف بصورة عامة باختلاف المجتمعات

تعتبر ظاهرة العنف والعدوان قديمة جديدة في آن واحد، فقد لازم العنف والقتل الأفراد الأوائل للجنس البشري بعد خلق آدم عليه السلام بفترة وجيزة وذلك عندما قتل قابيل أخاه هابيل في أول حادثة قتل في تاريخ البشرية.

إن ظهور العنف مرتبط بظهور التناحر والنزاع والخلاف بما يخص الفوز بالملكية بين الأفراد مثلا وتختلف بصورة عامة باختلاف المجتمعات وتتباين بتباين الحضارات وترتبط بحالة المجتمع والقيم السائدة فيه

وهناك عدة نظريات لتفسير العنف والعدوان لدى الإنسان نستذكر منها نظرية فرويد التي ترى أن العنف والعدوان غريزة تولد المخلوقات -ومنها الإنسان- مزودة بها. إذ إن الإنسان يولد بمجموعتين متحدتين ومختلطتين من الغرائز؛ الأولى هي غرائز الحب والحياة وتشمل كل الغرائز الجنسية وغرائز الأنا، أما الثانية فهي غرائز الموت التي تهدف إلى الهدم وإنهاء الحياة، هذا النوع من الغرائز إذا ما اتجهت إلى خارج الشخص فإنها تبدو في صورة عنف وعدوان وتدمير.

إن السينما كأنموذج فني وجمالي وخاصيته الأساسية تنفرد بالإبداع السينمائي يتمثل في العنف بأشكاله التي بلغت من التنوع حد العنف الغرائبي في سينما العجائب عموماً والخيال العلمي خصوصاً فهي تصف العنف بأسلوب مثير وفني يعتمد على عنصر التشويق بهدف التسويق وترويج سلعة تجارية تعتمد على فن الإعلان التجاري الذي يقوم على المبالغة والمغالاة والإثارة وتصوير الحقائق بأسلوب يفقدها بعض جوانبها الإيجابية الأخرى رغم ما تحمله من صور ترفضها المشاعر المرهفة.

إن استخدام تقنيات الحركة وتمرير لقطات العنف بشكل يتقبله المشاهد الذي يعيش تجربة التماهي مع البطل الذي يحقق له استخدام العنف لمحاربة العنف، لحظات التطهير بالمعنى السلبي حيث يتلقى المشاهد خطابا سينمائيا عنيفا ليمتلئ بالعنف ليقضم أظافره أو يطوي أصابعه بشكل قبضة والحقيقة أن السينما قد تعكس كل هذا أو بعضه ولكنها تقدم للمشاهد خبرة إنسانية مجسدة في إطار سينمائي فني وهي غالبا ما تعبر عن بعض الرغبات قلما يتاح للمشاهد تحقيقها في الواقع مثل الكثير من الرياضية التي لايستطيع المشاهد العادي أن يؤديها في الواقع المعاش ويطمح لأدائها في قرارة نفسه.

لكن ماذا عن المبالغة في الإجرام والتي تخطت كل التوقعات وماذا عن الأطفال والمراهقين الذي يتشربون تلك الأفكار خاصة مع غياب الرقابة من قبل الأهل وإمكانية متابعة كل ذلك العنف سواء عبر النتفلكس أو عبر المنصات الاجتماعية التي تنشر باستمرار تلك المشاهد بغية تحقيق أكبر نسبة وصول ومشاهدة؟

وأخيرا.. إن للمضامين العنيفة في التلفزيون والمنصات المعنية بعرض الأفلام والمسلسلات دوراً كبيراً في ارتفاع أو انخفاض مستوى السلوك العدواني لدى المتلقين سواء كانوا أطفالا أو مراهقين وإن تزايد ساعات المشاهدة والتعرض لهذه المشاهد والمحتويات العنيفة يزيد من درجة التأثير.

 فكلما زادت مدة التعرض زادت درجة التأثر والتأثير، وإن الأطفال والمراهقين يتعلمون العنف من خلال ملاحظة أشخاص يقومون به وهو ما أثبتته العديد من الدراسات الميدانية، كما توصلت أغلب الدراسات إلى أن تكرار التعرض لمشاهد العنف في وسائل الإعلام يؤدي إلى تبلد اتجاه العنف والسلوك العدواني، وعدم المبالاة وانعدام الإحساس تجاه السلوك العنيف الذي تعرضه وسائل الإعلام يجعل الناس أكثر ميلا إلى التسامح مع العنف بكل أنواعه كما أن مداومة التعرض للسلوكيات العنيفة التي تقدمها وسائل الإعلام يولد لدى الناس الاستعداد لارتكاب أعمال العنف، فمثلا يؤدي الاستمرار في مشاهدة الأفلام التي تعرض الجريمة بكل أشكالها العنيفة إلى وصول الفرد إلى حالة يهون فيها من شأن الجريمة فلا يعود يثير لديه أي اهتمام بتصاعد مستوى الجريمة في المجتمع بسبب تبلد إحساسه. كما أن جل الدراسات تتفق على أن الفرضية القائلة بأن مشاهدة مناظر العنف في وسائل الإعلام تؤدي إلى التنفيس عن مشاعر العنف والعدوان التي تكون مخزنة داخل نفس الإنسان لم يتم إثباتها بل توصلت الدراسات إلى عكس ذلك حيث أثبتت أن مثل هذا التعرض لا ينفس عن الفرد بقدر ما يدفعه ويحرضه على ممارسة السلوك العنيف.