نظّمت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أمس الخميس، ندوة أكاديمية بعنوان "مونديال قطر 2022 من منظور الخطاب: القوة، والسياسة، والرهانات"، ناقشت الأبعاد الخطابية لبطولة كأس العالم، التي استضافتها دولة قطر في تشرين الثاني – كانون الأول 2022، من جهة أن هذا الحدث الرياضي الأكبر في العالم لم يكن مجرد بطولة رياضية، وأن الخطابات الكثيفة التي أحاطت به لا يمكن فصلها عنه.
تضمنت الندوة تسع أوراق قدمها باحثون متخصصون في الموضوع، وتوزعوا على أربع جلسات على مدار اليوم.
افتتح الندوة الباحث عبد الرحمن الباكر، بكلمة قصيرة، ذكر فيها أن المركز العربي يسعى لاستئناف النقاش الذي أثاره مونديال قطر، وكان نقاشًا ثقافيًّا؛ إذ كانت البطولة فرصة لتدفق مذهل للرموز والمعاني والقيم. وأوضح الباحث أن الإطار الأساسي الذي تعامل مع مونديال قطر كان يعتمد على مفهومَين: "القوة الناعمة" و"السمة الوطنية"، في محاولة لفهم أسباب سعي دولة صغيرة لتنظيم بطولة كأس العالم، غير أن التنظيم الفعلي للبطولة تجاوز هذين الإطارين بكثير، في نظر الباحث. ومن ثم تروم هذه الندوة اقتحام الموضوعات التي أعاد التنظيم الفعلي لمونديال قطر تقديمها من جديد، وبكثافة وصراحة: الهوية، علاقات الشمال - الجنوب، المركزية الغربية ومواجهتها، عالم ما بعد الاستعمار، التعددية الثقافية، النسبية الثقافية، العولمة ومفهوم "الثقافة الكونية"، الاستشراق الجديد، وما إلى ذلك.
"مونديال قطر وأسئلة التعددية الثقافية"
حملت الجلسة الأولى عنوان "مونديال قطر وأسئلة التعددية الثقافية"، ترأستها ريم الأنصاري أستاذة القانون في جامعة قطر، وعرض فيها هانز هونيستاد، أستاذ السوسيولوجيا الرياضية بجامعة جنوب شرق النرويج، ورقة مشتركة مع ريتشارد جيوليانوتي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوفبرا بالمملكة المتحدة، عنوانها "مونديال قطر: أنطولوجيا المشجعين والقوة الناعمة وأسئلة النسبية الثقافية"، وفيها حاول الباحثان دراسة الخطابات الرئيسة السياسية والثقافية المتعلقة باستضافة قطر للمونديال، معتبرَين أنّ الإشكالية تتعلّق بقاعدة المشجعين "المزيّفة" والعابرة للحدود الوطنية الواسعة النطاق في الحدث الرياضي، واحتمالية ظهور أشكال جديدة لما تسميه الورقة "أنطولوجيات المشجعين". ودرس الباحثان ذلك مستخدمَين نظريات الاستشراق والاستشراق الجديد، والنسبية الثقافية، والبنائية في العلاقات الدولية، ومستندَين إلى عمل ميداني ومقابلات أُجريت في قطر وأماكن أخرى.
وفي ورقة بعنوان "بناء القوة الناعمة وتفادي اللاتمكين الناعم في الفعاليات الكبرى لكرة القدم: التعددية الثقافية والثقافة الكونية من خلال مونديال قطر"، تناول جويل روكوود، أستاذ إدارة الرياضة في جامعة كوليج دبلن، طريقةَ تأطير استضافات قطر الكبرى بأنّها محاولات للتأثير في الجماهير الدولية وبناء القوة الناعمة. وتطرّق أيضًا إلى الانتقادات التي لحقت الشعوب المضيفة، والتي صُوِّرَت على أنّها لاتمكين ناعم، وانعكاس الاستضافات الكبرى السابقة على تنظيم كأس العالم عام 2022، وذلك باستعراض نتائج المقابلات التي أجراها مع مشجعين دوليين ومتطوعين في هذه الأحداث.
"مونديال قطر: قراءة في الخطاب الناقد"
تضمّنت الجلسة الثانية، وعنوانها "مونديال قطر: قراءة في الخطاب الناقد"، وترأستها عائشة البصري، الباحثة في المركز العربي، مداخلتين افتتحهما مارك أوين جونز، الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة، بورقةٍ عنوانها "الردية الاختزالية والاستشراق: عشر سنوات من تمثيل مونديال قطر إعلاميًا في الصحافة البريطانية"، عمل من خلالها الباحث على تحليل عناوين الصحف التي تذكر قطر وروسيا منذ عام 2010، لتصنيف الموضوعات وطريقة وضع الأجندات عندما يتعلق الأمر بمونديال قطر 2022. وحاول تحديد كيفية "تأطيرها" من خلال وسائل الإعلام البريطانية، مؤكّدًا أنّ روسيا لم تحصل على درجة التمثيل نفسها التي حصلت عليها قطر في الصحافة البريطانية، على الرغم من التغطية السلبية التي لاقتها، وفسّر هذه الاختلافات من خلال مفاهيم القيم الإخبارية، والاستشراق، وسياسة الدولة الصغيرة.
وقدّم محمد الفاتح حمدي، الأستاذ المساعد بجامعة قطر، وهشام عكوباش، الأستاذ بقسم الإعلام بجامعة قطر، ورقة مشتركة بعنوان "الحملة على مونديال قطر: قراءة في الخطاب الإعلامي الفرنسي"، تطرّقا فيها إلى الحملة التي شنّتها بعض وسائل الإعلام الفرنسية ضد قطر بمناسبة تنظيمها بطولة كأس العالم 2022، والتي رُكِّزَ خلالها على بعض القضايا. واستعرض الباحثان ما أنتجه الإعلام الفرنسي من سرديات خطابية، هادفَين إلى الكشف عن محددات وبواعث إنتاج هذا الخطاب الدعائي والعدائي ضد قطر، ومعرفة نوعية القضايا التي حاول الإعلام الفرنسي التركيز عليها في محاولة للتشكيك في قدرات قطر على تنظيم هذه التظاهرة.
"قراءة مونديال قطر من مواقع مختلفة"
أمّا الجلسة الثالثة التي ترأستها مريم الكواري، الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، وعنوانها "قراءة مونديال قطر من مواقع مختلفة"، فقد تضمّنت ثلاث أوراق، أولاها بعنوان "مونديال قطر: السرديات المتنافسة في أوروبا والعالم العربي"، قام فيها لوران بونفوا، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، بتقديم النقاشات والسرديات المتنافسة بين وسائل الإعلام وصنّاع القرار في فترة ما قبل تنظيم المونديال في قطر وما بعدها. وقد هدف إلى بحث عدم إمكانية فهم هذه النقاشات والسرديات على أنّها تعارض بين الشمال والجنوب فحسب، مؤكّدًا أنّها تشير إلى التصدعات الداخلية المرتبطة بالتعددية الثقافية والإسلام والجندر.
ورصد عبد الرحمن حللي، الأستاذ المشارك في قسم القرآن والسنة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، في ورقته عن "مونديال قطر في الخطابات الدينية"، الخطابات الدينية التي رافقت أحداث بطولة كأس العالم في قطر وتحليلها، والتي حاول بعضها استثمار المناسبة لأغراض دعوية، جرى تضخيمها، ورأى بعضها الآخر في النجاح القطري في تنظيم الحدث وما رافقه من مظاهر إيجابية مناسبة لادعاء انتصارات إسلامية يمكن ترويجها شعبويًّا، وعرض الباحث أيضًا الأصوات الرافضة لهذا التوظيف الديني، ومبرراتها.
وختمت هذه الجلسة بشرى زكاغ، أستاذة سوسيولوجيا التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق بالمغرب، بورقتها "مونديال قطر كما عاشه الشبكيون العرب"، باعتماد النتنوغرافيا أسلوبًا للدراسة والتحقيق في طرق الشبكيين العرب في التفاعل مع مونديال قطر، وأشكال فن الحضور التي رافقتها، سواء في فضاء الشبكات الاجتماعية الافتراضية، أو في الفضاءات الموقعية (الملاعب والمدرجات)، أو في فضاء الاستقلالية. وأكدت الباحثة أن أحداث المونديال، من خلال اندماجها مع الشبكات الرقمية وممارسات الذات الجماهيرية، قد ساهمت في تحويل المونديال من حدث عالمي تقليدي تحكمه علاقات ثابتة إلى محفل شبكي وعقدي، فرض سردية مغايرة عن الذات العربية وقيمها الإنسانية والدينية.
"مونديال قطر: عودة إلى إطار العلاقات الدولية"
وفي الجلسة الأخيرة، التي كانت بعنوان "مونديال قطر: عودة إلى إطار العلاقات الدولية"، وترأستها عائشة العماري، أستاذة القانون المساعدة بكلية القانون في جامعة قطر، قدّم سايمون تشادويك، أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية سكيما لإدارة الأعمال، في ورقته "الخطاب عن بطولة كأس العالم 2022: الاقتصاد الجيوسياسي الجديد للرياضة"، الكيفية التي جسّدت بها بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ظهور نموذج جديد للرياضة بوصفها اقتصادًا جيوسياسيًا. ففي الوقت الذي سعت فيه قطر لتعزيز مبدأ القوة الناعمة والانخراط في الدبلوماسية من خلال استضافتها البطولة، ظهرت في شمال الكرة الأرضية أصوات ناقدة للسياسة والاستراتيجية القطرية.
وختامًا، حاجّ يان بوس، الباحث الأول في معهد العلوم السياسية في جامعة القوات المسلّحة بميونخ، في ورقة له بعنوان "لعب القوة الإقليمية: الديناميات السياسية المتغيّرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سياق مونديال قطر"، بأنّ كأس العالم 2022 في قطر ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالديناميات السياسية الإقليمية المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متناولًا تعقيدات سياسات القوة الإقليمية، وتأثيراتها في سياق كأس العالم، استنادًا إلى فهم الممارسة النظرية للدبلوماسية الذي اكتسب مكانةً بارزة في حقل العلاقات الدولية.