المرتكزات الاستراتيجية للحزب الإسلامي التركستاني في سوريا

2019.06.23 | 15:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الحزب الإسلامي التركستاني (TIP) حركة جهادية يتكلم منتسبوها، اللغة الأويغورية من تركستان الشرقية “شينجيانغ” التي تحتلها الصين، له حضور واضح في الحرب السورية منذ منتصف العام 2014م، يشارك بفعالية في قتال نظام الأسد والميليشيات الإيرانية.

تركز هذه الدراسة التي أجراها مركز مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي على التنظيم الأويغوري، باعتباره أحد أهم أطراف الصراع السوري، ولما أحدثه من تغييرات واضحة على الصعيد العسكري سواء في قتاله ضد قوات الأسد والميليشيات الإيرانية المساندة له، أو في دخوله معترك الصراعات الداخلية في المناطق المحررة، وفق مرتكزات استراتيجية للحزب شهدت تحولات كبرى منذ ظهوره على الساحة السورية عام 2014م.

تشمل الدراسة عدة أقسام ترسم صورة كاملة للحزب الإسلامي التركستاني منذ التأسيس وحتى يومنا هذا هي:

ملمح ديمغرافي

حركة تركستان الشرقية الإسلامية

الحزب التركستاني الإسلامي لنصرة أهل الشام

الدور ” التركي”، وتسهيل عبور التركستان إلى سورية

أماكن انتشار الحزب التركستاني

علاقتهم مع السكان المحليين في سورية

مصادر تمويله

أعداده بين المبالغة والواقع

المرتكزات الاستراتيجية العسكرية للحزب الإسلامي التركستاني

تحول استراتيجية الحزب وتجلياته

خلاصة

ملمح ديمغرافي

الأويغور: بالأويغورية:  ئۇيغۇر، بالتركية  (Uygur) أو(Uighur)، تعني الاتحاد والتضامن باللغة الأويغورية، الأويغور؛ شعوب تركية، يشكلون واحدة من 56 فئة عرقية في جمهورية الصين الشعبية، يتركزون بشكل عام في منطقة تركستان الشرقية، ذاتية الحكم، والتي تعرف باسم “شينجيانغ” أيضاً، على مساحة تعادل 1/6 من مساحة الصين كما يتواجدون في بعض مناطق جنوب وسط الصين، يبلغ عدد الأويغوريين حوالي عشر ملايين، يعيش معظمهم في “شينجيانغ”، التي أصبحت مقاطعة في عام 1884، يتحدثون الأيغورية[1]، ويدين معظمهم بالإسلام السني.

حركة تركستان الشرقية الإسلامية

تمكن الأويغوريون من إقامة دولة مستقلة مرتين بعد سقوط أسرة “تشينغ” التي حكمت الصين بين عامي(1644–1911) ومن (1931 إلى 1934)، ومرة ​​أخرى من (1944إلى 1949 )، وبعد أن استولى الشيوعيون على السلطة احتلوا مقاطعة “شينجيانغ” عام 1955م ووضعوها تحت سيطرتهم الكاملة.

في عام 1955، أدت التوترات بين قومية “الهان الصينيين” و”الأويغور” إلى أعمال عدائية متفرقة، وفي تموز/يوليو 2009، اندلعت معركة في مصنع بمقاطعة “قوانغدونغ الجنوبية” عندما اتهم الأويغور زملاء العمل من “الهان الصينيين” بالعنف العنصري.

تصاعدت المظاهرة التي نظمها أكثر من ألف متظاهر من الأويغور إلى أعمال شغب في “أورومتشي”، عاصمة “شينجيانغ”، واجهتها السلطات الصينية بالعنف المفرط، وخلفت أكثر من 150 ضحية، وكانت أعنف مواجهة علنية في الصين منذ حملة 1989 القمعية ضد المتظاهرين في بكين، وفي هذا كتب “إلهام توهتي”، وهو اقتصادي بارز من الأيغور انتقادات حول سياسات الحكومة تجاه المجموعات الإثنية في الصين، تم اعتقاله لاحقًا، ومنذ ذلك الحين وضع قيد الإقامة الجبرية بشكل متقطع، واقترح آنذاك سكرتير لجنة حزب “قوانغدونغ” (وانغ يانغ) إلى أن الصين بحاجة إلى إصلاح سياسات الأقليات العرقية أو مواجهة مزيد من الصعوبات.”2″

لكن الصين سلكت أسلوب القمع الممنهج  ضد الأقليات العرقية والقومية، وقد كتب الخبير “فيليب بوتر”: أن “الحملة الأمنية المستمرة للصين في شينجيانغ قد أجبرت الأويغور الأكثر تشددًا على الدخول إلى دول مجاورة متقلبة مثل باكستان، حيث يقيمون تحالفات استراتيجية مع الجهاديين، بل ويقودهم إلى ذلك الفصائل المرتبطة بالقاعدة وطالبان”، ونتيجة لذلك، من المرجح أن تعمق جماعات الأويغور تعاونها مع شبكة كثيفة من المنظمات الإرهابية الدولية، وفي مارس 2014، تعهد زعيم الحزب الإسلامي التركستاني عبد الله منصور من مخبئه في باكستان بحرب جهادية ضد الصينيين، الذين وصفهم بأنهم “عدو المسلمين جميعهم”.

شكل الحزب عام 1993 بمسمى “حركة تركستان الشرقية” بقيادة “أبودو سواء”، وخلال خمس سنوات تطور نشاطها وبنيتها التنظيمية، ونقلت مركز عملياتها من إقليم شينجيانغ في الصين إلى العاصمة الأفغانية كابول، بعد أن أنشأ زعيمها الثاني “حسن محسوم” علاقات تنسيق مع أسامة “بن لادن” جرى على أساسها إنشاء معسكرات تدريبية خاصة بالحركة في أفغانستان” “3”.

وبعد أن تمكنت الحركة -مع مرور الوقت- من كسب عناصر مقاتلة وتدريبات ودعم لوجستي من القاعدة، هاجمت السفارة الأمريكية في قرغيزستان في عام 2003، وكانت هذه أولى العمليات النوعية التي تقوم بها الحركة منذ نشأتها، ومن جراء ذلك حدد الطيران الأمريكي موقع متزعم الحركة “حسن محسوم” وقتله بغارة جوية مركزة آنذاك”4″.

أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية حركة تركستان الشرقية الإسلامية، منظمة إرهابية في عام 2002 خلال فترة التعاون الأمريكي- الصيني في مكافحة الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، وتُصنف الحركة على أنها منظمة إرهابية بموجب قرار أمريكي يحمل رقم 13224، وهو قرار يمنع التحويلات المالية للمنظمات المرتبطة بالإرهاب”5″.

وتُفيد تقارير إعلامية، أن الحركة تأسست على يد “حسن محسوم”، وهو أحد مسلمي الأويغور من منطقة (كاشغر) داخل إقليم (شينجيانغ)، وحسن محسوم له أسماء عديدة منها حسن صمودي، وعبدو محمد، ويُقال له في خارج الصين، حسن زوندوروح، وهو من قومية (الأويغور) من مواليد عام 1964 في محافظة (شو له)، منطقة (كاشي) في إقليم (شينجيانغ) “6”.

بعد اغتيال “محسوم” على يد القوات الباكستانية في عام 2003 خلال غارة أميركية بالقرب من الحدود مع أفغانستان، توقف نشاط الحركة عملياً واقتصر عملها على تطوير هيكليها التنظيمي حتى حلول عام 2006، ونشرت شريط مسجل يدعو إلى قتال القوات الصينية، ما دفع حكومة بكين إلى مكافحتها بالوسائل كافة واعتقلت عدد من السكان الأويغور في إقليم شينجيانغ، كما شنت طلعات جوية عدة استهدفت فيها مقرات الحركة ما أدى إلى تقليص نشاطها مجدداً “7”، وكان يقود المجموعة “عبد الحق”، الذي قيل إنه قتل في باكستان في عام 2010م.

ومن أبرز قادة التنظيم:

1ـ حسن محسوم، مؤسس الحزب، قتلته القوات الباكستانية عام 2002م.

2ـ عبد الحق من مؤسسي الحزب، قتلته القوات الباكستانية عام 2010م.

3ـ عبد الشكور التركستاني.

4ـ عبد الله منصور.

5ـ أبو رضا التركستاني.

6ـ ميمتين ميمتي، أو عبد الحق، قتل شمال وزير ستان عن طريق طائرة من دون طيار.

7ـ إيمت ياكوف، أو عبد الجبار، قتل شمال وزير ستان أيضا عن طريق طائرة من دون طيار.

8ـ يي مينغ، أو مميت تورسون، مسؤول جمع التبرعات لتركستان الشرقية.

9ـ ميمت تورسن، أو عبدو هاليك، المسؤول المالي في حركة تركستان الشرقية.

10ـ خيمسد عبدو مجيتي، مسؤول التجنيد في حركة تركستان الشرقية.

11ـ أكرم عومر جان.

12ـ ياكوف ميمتي، قتل شمال وزير ستان عن طريق طائرة من دون طيار.

13ـ نورسون توهيتي، قتل شمال وزير ستان عن طريق طائرة من دون طيار”8”.

 

الحزب التركستاني الإسلامي لنصرة أهل الشام

بعد تطور الثورة السورية وانتقالها من السلمية إلى المواجهة المسلحة، بدأت رحلة هؤلاء إلى سوريا في عام 2012، إذ جاء في البداية المقاتلون السابقون في صفوف القاعدة من الإيغور في أفغانستان، ولعبوا دوراً كبيراً في تشجيع المزيد من أبناء جلدتهم على المجيء إلى سوريا عبر دول مثل تايلاند وماليزيا وأندونيسيا، وحطوا الرحال في تركيا، وساعدهم عامل اللغة في سهولة الانتقال إلى سوريا كونهم يتحدثون اللغة التركية وهناك تعاطف شعبي ورسمي مع هذه الأقلية في تركيا “9”، كما لعب عناصر جبهة النصرة دوراً كبيراً في تسهيل مرورهم واختيار أماكن انتشارهم وتمركزهم في سوريا.

منذ تدخل “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام” في الحرب السورية قبل نحو أربع سنوات، والتركستاني يتبع استراتيجية عسكرية تزاوج بين الهجوم ضد “نظام الأسد” وميليشياته -بالأخص في إنهاك الميليشيات الإيرانية-، و بين الوقوف على الحياد إزاء الاحتراب الداخلي بين الفصائل، وقد مكنتهم هذه الاستراتيجية في البدء من كسب ود الناس،، لكن في السنتين الأخيرتين، بدا أن تلك الاستراتيجية تنحو أكثر نحو الانخراط في الاحتراب الفصائلي بالاصطفاف إلى جانب هيئة تحرير الشام ضد الفصائل الأخرى.

تتجلى أهم العوامل في انتقال الحزب التركستاني إلى سوريا بالتالي:

عوامل إيديولوجية: دفعت بعض المتطوعين من الحزب الإسلامي للانتقال من دول آسيا إلى سورية، وهم من المؤمنين بالسلفية الجهادية العابرة للحدود نتيجة نشاط الدعاة السلفيين من قيادات الحزب التركستاني، وحضهم الشباب على الجهاد في سورية التي تشهد اضطرابات، فلبّوا النداء المقدس، وقاتلوا مع النصرة وأحرار الشام”10″.

عوامل مذهبية: لعبت الآلة الإعلامية الإيرانية، تلك التابعة لـ”نظام الأسد” دوراً مهما في تغذية الصراع المذهبي، تجسدت من خلال تصوير وترويج أفلام على مواقع التواصل، الأول جاء في حماة عندما كتبوا على المنابر جملة “لا إله إلا بشار الأسد”، والثاني فيديو مخيم الرمل الشهير الذي ظهر فيه تعذيب شخص وإجباره على قول “لا إله إلا بشار الأسد”، والثالث؛فيديو دفن مواطن سوري حيّاً والطلب منه أن يكرر نفس الكلام.

ما يعني أن نظام الأسد أرادها طائفية عبر استفزاز السنة ودفعهم نحو التنظيمات الجهادية، تزامناً مع إطلاق سراح الجهاديين من السجون استكمالاً لاستراتيجيته الطائفية، علاوة على الحرب التي شنها “حزب الله الشيعي اللبناني” ضد المناطق السنية في القصير والقلمون الغربي فكانت محرضاً كبيراً للجهاديين، عندما صورت إيران انتصار حزب الله في الحملة على منطقة القصير، كنصر للشيعة في الحرب ضد السنة، مما أثار ردود أفعال قوية في العالم الإسلامي السني.

ودعا رجال الدين السُنة العالم الإسلامي السني من أجل الذهاب إلى سوريا ومساعدة الجهاديين هناك، فوجد الحزب التركستاني طريقه في النهاية إلى سوريا، لتحتضنه الجماعات السلفية الجهادية، لما تتمتع به من قوة إيديولوجية متفوقة جاذبة ومنظمة، وبالأخص جبهة النصرة التي اشتركت مع “حزب الله” على تصوير الحرب في سوريا على أنها (حرب سنية–شيعية).

كما استثمر الجهاديون استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد المناطق ذات الأغلبية السنية، في أن السنة يتعرضون إلى حملة إبادة يقوم بها “الجيش النصيري”، وهذا ما دفع آلاف المتطوعين من الحزب الإسلامي التركستاني إلى الانتقال إلى سورية.

أول إعلان رسمي من الحزب عن نفسه في سوريا، جاء من خلال ثلاثة إصدارات مصورة، بثتها الوحدة الإعلامية التابعة له، وأظهرت مشاركة عناصره في معركة السيطرة على مطار “أبو الظهور” في ريف إدلب الجنوبي، في أيلول/سبتمبر 2015 إلى جانب “جبهة النصرة” ولواء “جند الأقصى” “11”.

الدور التركي وتسهيل عبور التركستان إلى سورية

 كان تضامن الدولة التركية مع نضال الأويغور ضد سياسات الإندماج الصينية، جزءاً من السياسة التركية الداخلية، وهذا يفسّر وجود عدد كبير من الأويغور في تركيا حيث تُقدَّر أعدادهم بنحو خمسين ألف شخص.

لكن إبان وفاة عيسى يوسف ألتبكين في العام 1995، وهو معارض أويغوري مرموق كان يعيش آنذاك في تركيا، تراجع هذا الدعم مع تحسّن العلاقات الصينية-التركية، وتحوّلت ألمانيا إلى الوجهة الأساسية للنشطاء الأويغور.

في عام 1995 شدّدت شخصية صاعدة في السياسة التركية على التزامها المطلق بالقضية الأويغورية، فقد أقدم “رجب طيب أردوغان” الذي كان آنذاك عمدة إسطنبول، على إطلاق اسم ألبتكين على أحد الأقسام في جامع السلطان أحمد في المدينة، معلناً: “ليست تركستان الشرقية موطن التُرك وحسب، إنما أيضاً مهد التاريخ والحضارة والثقافة الخاصة بالشعوب التركية، تَناسي هذا الأمر يؤدّي إلى جهل تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا،شهداء تركستان الشرقية هم شهداؤنا، اليوم يجري العمل بصورة منهجية على فرض الطابع الصيني على ثقافة أبناء تركستان الشرقية”.”12″، هذا التعاطف الرسمي والشعبي التركي، ساعدهم في سهولة الانتقال من تركيا إلى سوريا.

انتشار الحزب التركستاني في سورية

ينتشر الحزب الإسلامي التركستاني في مناطق متفرقة من محافظة إدلب، ويتركز انتشارهم بشكل رئيسي في مناطق “جسر الشغور، وإدلب المدينة، وجبل السماق”، فيما تنتشر وحدات التنظيم العسكرية على الجبهات في سهل الغاب وجبلي الأكراد والتركمان، وبحسب مصادر عسكرية؛ فإنهم يشاركون في جبهات عسكرية عند الحاجة بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام، وقد استوطنت بعض عائلاتهم في عدّة قرى مدمّرة “مسيحية وعلوية” “13”، فرّ سكانها، نتيجة الاقتتال بين الجيش السوري الحرّ وقوات “نظام الأسد”، وبفعل قصف طيران نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، وذلك قبل وصول التركستان إلى سورية.

علاقتهم مع السكان المحليين في سورية

تعاظم تواجد هذا التنظيم في منطقة جسر الشغور منذ عام 2015م، بالتعاون مع “هيئة تحرير الشام”، التي دعمت التنظيم وقدّمت له الإرشاد والتوجيه لدى وصوله إلى إدلب، وساعدته على الاستقرار في هذه المنطقة. وبحسب سكّان جسر الشغور، “بنى الأويغور المعروفون محلياً بإسم التركستان سُمعة طيبة بامتناعهم عن التدخل في شؤون الناس، فعلى عكس بقية القوى الاسلامية، لا يفرض الحزب الإسلامي التركستاني الشريعة الإسلامية، ولا يُجبي الضرائب من الناس”، ووفقاً لأحد سكّان إدلب، فإن التركستان، “معروف عنهم أنهم يهتمون فقط بشؤونهم الخاصة”، لافتاً إلى أن هذا الأمر جعلهم موضع قبول أكبر من قبل السكان المحليين بالمقارنة مع الجهاديين القادمين من شمال أفريقيا والذين يشتهرون بأساليبهم الصارمة والمتشددة في التعامل مع المدنيين.

اقتصر تفاعل “الحزب الإسلامي التركستاني” مع المدنيين على توزيع مجلة الحزب “تركستان الإسلامية”[2] الصادرة باللغة العربية، الهدف الأساسي للمطبوعة هو تسليط الضوء على القمع الصيني للمعارضين الأويغور في إقليم شينجيانغ وخارجه، فضلاً عن فرض سياسات الاندماج الثقافي والديني عليهم.

سعى الإيغور في بداية توافدهم إلى سوريا للاندماج مع المجتمع السوري، بالاعتماد على علاقاتهم الجيدة مع القوى التركمانية في سوريا والزواج من نساء سوريات لضمان استقرارهم، لكن عدم تمكنهم من الحديث باللغة العربية أدى إلى انكفائهم من حيث منطقة السكن والتعامل اليومي، وتشكيلهم مجتمعاً مصغراً يستند إلى قاعدتين رئيسيّتين هما العرق واللغة، إذ يعمد التركستان إلى الابتعاد عن التدخل في حياة المدنيين وفرض القوانين عليهم، كما حاولوا الابتعاد عن الاقتتالات الداخلية المنتشرة بين التنظيمات المتشددة، خصوصاً “جبهة النصرة وأحرار الشام”، ورفض مقاتلو الحزب التركستاني مقترحات جبهة النصرة للاندماج معها، وأعلنوا عدة مرات أنهم قدموا لقتال النظام فقط، وأنهم على عداوة مع تنظيم داعش”15″.

يُميَّز الحزب الإسلامي التركستاني عن هيئة تحرير الشام، فالأويغور لا يُشاركون تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية سياساتهم  التكفيرية المُثيرة للفرقة الداخلية، ولا ازدراءهما للسياسة والتاريخ القوميين الحديثين لشعوبهم، حتى مشاركتهم في القتال ضد النظام السوري تؤطَّر في الأحيان معظمها، على شكل تدخل موجَّه ضد نظام حليف للصين في المنطقة، وشعارهم كما يرد في مجلة “تركستان الإسلامية”، هو: “نحن جماعة من العاملين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله من أجل تحرير تركستان الشرقية” “16”.

مصادر تمويله

يدور حديث على نطاق واسع، أن الحكومة التركية تدعم أو تسهل وصول الدعم والإمدادات إلى مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، حيث يعيش أكثر من عشرين ألف لاجئ إيغوري مع عائلاتهم في تركيا، كما أن هناك جمعيات خيرية تابعة لهم.

يقول المقربون من الحزب: إن “مقاتليه المعروفين بشراستهم وشدة بأسهم، يعتمدون بشكل كامل على ما يغنمونه من المعارك ضد قوات النظام، فبعد أن وصلوا إلى سوريا كانوا لا يملكون سوى بنادقهم”،”17″، ولكن بعد تضييق الحكومة التركية على التنظيم التركستاني وتوقف العمليات العسكرية، فرض التنظيم مبالغ مالية على صيادي السمك في منطقة سهل الغاب لقاء فتح بوابات السد، ويتراوح المبلغ بين 150- 250 دولار على كل بوابة، وتدفع شهريا لشخص اسمه (زيد التركستاني) يقوم الصيادون بجمعها فيما بينهم، كما حدد الحزب التركستاني ثلاثة أيام يقوم بها مقاتلوه بجمع أسماك تتراوح كميتها بين 100 – 200 كيلو غرام من الصيادين، بالإضافة لـ 2 كغ سمك من كل صياد، كل أربعة أيام من أجل الأكل”18”.

وتعد محطة “زيزون” من أكبر عمليات الغنيمة بالنسبة إلى التنظيم، حيث كانت أحد المحطات الحرارية في الشمال، وتعرضت إلى تفكيك شبه كامل في المولدات والأثاث والأجهزة، وباعتها الفصائل في مناطق عدة، دون أي رادع، على الرغم من الحملات الإعلامية العديدة التي تحدثت عن الأمر وطالبت بوقف عمليات التخريب والسرقة للمنشآت المدنية.

وشوهدت سيارات كبيرة سطحية تحمل معدات كبيرة من داخل محطة “زيزون”، وبحسب عمال كانوا يعملون في المحطة: فـإن “الحزب قام فكك العنفات أكملها وحملها”.

في حين تشير مصادر إلى أنها بيعت لنظام الأسد، الذي يعمل على الاستفادة من هذه المعدات المفككة والتي تساوي ملايين الليرات.

وإضافة إلى “محطة زيزون” فإن عديد من القاطرات والرافعات الثقيلة كانت تحمل قبل أشهر، قطع سكة الحديد ” اللاذقية-حلب” في محطة “جسر الشغور”، بعد تفكيكها بشكل شبه كامل.

سبق ذلك تفكيك محطة “محمبل”  والخط الواصل بين جسر الشغور واشتبرق على طول أكثر من 30 كم، وبيعها لصالح بعض الفصائل التي تسيطر على المنطقة عن طريق تجار كبار”19″.

أعداده بين المبالغة والواقع

تذكر مصادر إعلامية روسية، بأن “التركستان” واصلوا الدخول إلى الأراضي السورية بكثرة عبر تركيا، حتى مطلع العام 2016، حيث بلغ عدد مسلحيهم وفق إحصائية للمصادر المعارضة، إلى نحو 7000 مسلح، كما انضم إليهم عدد كبير من السوريين، ممن كانوا ينتمون سابقاً إلى تنظيم “جند الأقصى” الإرهابي، فضلاً عن “كتيبة الغرباء” التي تنتمي إلى الحزب “التركستاني”، وهم مسلحون من الجنسية الفلسطينية، بحسب التقرير”20″.

في الواقع، لا توجد إحصاءات دقيقة بعدد المقاتلين التركستان، وبحسب إحصاءات استقصائية جزئية يمكن إسقاطها على عددهم الكلي، فإن عدد مقاتليه يقدر بـ”ثلاثة آلاف” مقاتل، بينما تقول تقديرات أخرى أنه أضعاف ذلك، و”سبب هذه المبالغة أن مقاتليه جلبوا عائلاتهم معهم”. ويشكّل المقاتلون المحليون الذين انضموا للتنظيم مصدراً إضافياً لقوته، حيث تمكن من استقطاب العديد من المقاتلين السوريين.

المرتكزات الاستراتيجية العسكرية للحزب الإسلامي التركستاني

مع بدء وصولهم إلى سوريا في نهاية عام 2013م، وبداية عام 2014م، انتهج الحزب الإسلامي التركستاني استراتيجية هجومية ضد الميليشيات الشيعية الإيرانية، أعادتها إلى الخلف في أرياف حلب وحماة وإدلب.

وقد مثَّلت هذه الاستراتيجية امتدادداً لاستراتيجية إخضاع مدن وقرى إدلب، خصوصاً معارك إسقاط مدينة جسر الشغور، التي دامت حوالى شهر، وأفضت في النهاية إلى اقتحام مقر قيادة قوات نظام الأسد والميليشيات التابعة لها في أواخر شهر آذار عام 2015م، والانتقال بعد ذلك نحو سهل الغاب والسيطرة على معظمه في نيسان/أبريل من العام نفسه.

وقد قامت الاستراتيجية القتالية للحزب التركستاني على مجموعة من المرتكزات، من أبرزها:

ـ إحكام القبضة على المدن والقرى المستولى عليها.

ـ حشد مختلف القوى والوسائل اللازمة لتحقيق التفوق على المناوئين.

ـ كسب ولاء مناطق الجغرافيا السنيّة، لرفد الحزب بمقاتلين محليين.  

ـ تركيز السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة والتي تشكّل تهديدًا للعدو، وتأثيراً في مجريات المعارك.

ـ الموقف العسكري والسياسي الداعم للتركستاني، من جبهة النصرة والجماعات الجهادية الأخرى.

عملت هذه المرتكزات إلى جانب مرتكزات أخرى عقدية وإعلامية، على دعم استراتيجية الحزب الإسلامي التركستاني الهجومية المتبعة في الحرب، وكادت مع فصائل المعارضة الأخرى أن تسقط نظام الأسد لولا تدخل الروس العسكري في أيلول/سبتمبر 2015م.

تراجع اعتماد الحزب الإسلامي التركستاني على هذه الاستراتيجية، بعد التدخل العسكري الروسي؛ حيث تقهقرت قوات المعارضة تدريجيّاً إلى مشارف إدلب، باستثناء بعض الجيوب الواقعة في أطراف جسر الشغور وريفي حماة الشمالي وحلب الجنوبي فلزمت الحياد، فيما بدأت العمليات القتالية في تلك المناطق تأخذ طابعاً ترددياً يجمع بين الدفاع والهجوم، استنزف فيه كثيرٌ من قدرات التركستاني.

عزز التركستان استراتيجيتهم الهجومية وطوروها في القوى والوسائل  في اتجاه “جبال العلويين”، جنوب وغرب جسر الشغور، للضغط على الميليشيات الشيعية المتموضعة في تلك المنطقة، حيث تجلّت مظاهر ذلك فيما يلي:

ـ العمليات البرية الخاطفة، التي استهدفت ثكنات الميليشيات التابعة لنظام الأسد في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي(21).

ـ الهجمات بالصواريخ وقذائف المورتر على التجمعات العسكرية لقوات الأسد وتوابعها في جورين.

ـ إخفاق الاستراتيجية الهجومية للتركستاني في التقدم في ريف اللاذقية، إلا أنها حققت بعض المكاسب، وكان أوضحها إيقاف تقدم الميليشيات الإيرانية، باتجاه المناطق الخارجة عن نفوذ الأسد، وأسر مجموعة من ميليشيات الإيرانيين، فضلاً عما شكلته الهجمات والإغارة والكمائن من تهديد لمصالح روسيا التي تساند نظام الأسد والميليشيات الإيرانية سياسيّاً وعسكريّاً.

تحول استراتيجية الحزب وتجلياته

عسكرياً: إزاء تقدم قوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية الإيرانية المدعومة من روسيا، ابتداءً من ريف حماة الشرقي وجبل الأحص في ريف حلب الجنوبي في أواخر عام 2017 وبداية عام 2018، في إطار ما عرف بعملية “شرق سكة حديد الحجاز”، عمد التركستان إلى انتهاج “استراتيجية دفاعية، تشمل استخدام وسائل متعددة، لدعم الدفاع عن النقاط الرئيسة”، على كامل المحور الممتد من بوابة حلب الجنوبية إلى ريف إدلب الشرقي،  وقد مثَّلت هذه الدعامات، أحد أبرز الأدوات التكتيكية للاستراتيجية الدفاعية، مع ما وفرته السلاسل الجبلية المحاذية لجسر الشغور، من مزايا عسكرية حققت دفاعاً صلباً، أمام الميليشيات الإيرانية حيث بقيت تلك الميليشيات بعيدة من مناطق نفوذ التركستان.

ومع ما أبداه الحزب الإسلامي من دفاع مستميت في إطار هذه الاستراتيجية، فإنهم لم يتمكنوا من دحر الميليشيات المهاجمة كأهم هدف لاستراتيجية الدفاع، وذلك لأسباب عدة من أبرزها ما يلي:

– تفوق الميليشيات الإيرانية بنوعية الأسلحة، والدعم الروسي الجوي والبحري.
– الإعلان عن مناطق خفض التصعيد في منطقة إدلب ومحيطها، وما ترتب عليها من نتائج.
– تشديد الرقابة التركية على نشاطات فصائل المعارضة والتضييق على الحزب الإسلامي التركستاني، بعد أن توصل محور”آستانا” المؤلف من (روسيا وتركيا وإيران) إلى تخفيض العمليات العسكرية في إدلب امتثالًا لاتفاقيات سوتشي، فاتخذ الحزب الإسلامي التركستاني، مسارين استراتيجيين في إدارة المواجهة المسلحة مع الميليشيات الإيرانية، هما: تعزيز الاستراتيجية الدفاعية في منطقة جسر الشغور، وتبني استراتيجية هجومية تجاه مناطق جبلي الأكراد والتركمان، حيث يشكل بعضها مصادر تهديد محتملة، مع مضاعفة الطابع الهجومي في العمليات المنفذة في مناطق التماس في سهل الغاب.
وتجلت مظاهر تعزيز استراتيجية الدفاع في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، في تقوية التحصينات الدفاعية على طول خط الجبهة، وتقوية دفاعات الخطوط الخلفية للقوات المدافعة عن سهل الغاب ومدينة جسر الشغور، فضلاً عن قيامهم بتكثيف الحواجز(22).
– دخول الحزب التركستاني معترك الاحتراب الداخلي باصطفافها إلى جانب هيئة تحرير الشام في القتال ضد “جبهة تحرير سورية” والفصائل الأخرى، مما قلب موازين القوى، فانتقلت “الهيئة” من مرحلة تجميع القوات والاستراتيجية الدفاعية إلى الهجوم، رغم إعلان الحزب في بيان مكتوب نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي بالتزامه الحياد(23).

سياسياً: تحول الجهاديون الإيغور التركستانيون  شأن غيرهم من الفصائل المقاتلة إلى أدوات في أيدي الدول، فالحكومة التركية المتعاطفة الداعمة لقضيتهم تاريخياً، التي شكلت مأوى آمن للإيغور الفارين من الحكم الصيني منذ القرن الثامن عشر رغم أنها منحت المقاتلين الإيغور ممراً آمناً إلى سوريا، بدا تقاربها مع الصين واضحاً من خلال عملية القبض على مئة من الإيغور الذين استخدموا جوازات سفر مزورة في مطار أتاتورك في مايو 2016، وتغيير اتجاه “رجب طيب أردوغان” عقب محاولة الانقلاب، وخيبة أمله في الغرب والتفاته إلى تحسين العلاقة مع بكين وبناء علاقات اقتصادية جيدة معها، ما جعل الحزب محاصراً في سوريا، وبدا مصير مجاهديه غائما”24″.

كما أن فرض تركيا قيوداً وضوابط على الحدود، أدى إلى اغتيال أحد المنتمين للقومية الأويغورية وهو يحاول عبور الحدود من تركيا باتجاه سورية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018م”25″.

خلاصة

على امتداد خمس سنوات من تواجد الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، ودخوله معترك الحرب الراهنة يتصف الحزب في التعامل مع التحولات السياسية الطارئة بالمرونة، من حيث “حماية الأرتال التركية ضمن سهل الغاب وجبال الساحل وريف إدلب الغربي، حيث ترافق الأرتال بآليات مزودة برشاشات متوسطة وعناصر كثر، وكذلك من حيث حماية بعض النقاط التركية الـ12 المخصصة للمراقبة في مناطق نفوذ الحزب، كالحلوز والزيتونة وإشتبرق بجبل التركمان وريف جسر الشغور”، وييتأرجح الحزب بالانتقال من استراتيجية إلى أخرى، أو الجمع بين عدد من الاستراتيجيات لمواجهة التحديات التي تواجهه.

العلاقة الأقوى للحزب تجلت مع السلطات والمخابرات التركية، بعد أن سهلت عملية قدومهم إلى سورية، عبر تركيا وبتنسيق معها، فضلاً عن الدعم الذي كانت تقدمه السلطات التركية لهم مادياً ومعنوياً، لذلك يعمل “التركستان” على التماهي مع الحكومة التركية وذلك بالحفاظ على ما حققوه من نتائج، ورفد قدراتهم العسكرية بالقدر الذي يمنحهم البقاء في سوريا فترة أطول،  ريثما تتفق الدول النافذة في الصراع السوري على صيغة معينة بشأن المقاتلين الأجانب في سورية، ومنهم ” الحزب الإسلامي التركستاني”.

 

للاطلاع على الدراسة من المصدر اضغط هنا