المرأة السورية.. بأيّ حال عدتَ يا عيد!

2022.03.16 | 05:52 دمشق

6-20.jpg
+A
حجم الخط
-A

إنّه لمن الاستحالة بمكان، الإحاطة بجميع أشكال العنف ضدّ المرأة السورية، خاصة المدفوع بالعصبية الجنسية، بحكم أنه إرث ثقيل في مجتمع بطريركي عززته خمسة عقود من الاستبداد، عانت المرأة خلالها من ظلم قائم على النوع الاجتماعي، أرسى نواة "الهوية الجندرية" عندما عمل على ترسيخ قوانين تميّز ضدها، سواء في قانون الأحوال الشخصية أو قانون العقوبات. أيضاً عانت من عقلية مجتمعية ذكورية كرست موقعها كدرجة ثانية من درجات المواطنة. وهي فروق يمكن تجاوزها، حقيقة، في إطار المساواة بين المرأة والرجل، في حين لا يمكن فعل ذلك في الفروق الفيزيولوجية بينهما، والتي تقف حاجزاً استفهامياً أمام مساواة مطلقة. في سياقٍ موازٍ يمكن ملاحظة أنّ تعنيف السوريات بات أكثر أدلجة بعد 2011، نتيجة انتشار السلاح والتطبيع الاجتماعي والثقافي للعسكرة. إذ ساهمت الحرب في تفاقم "حمى العنصرية الذكورية" التي تقف أمام مطالبات النساء بحقوقهن، وكأنها جريمة، لتجعل من هيمنة الرجل أمراً طبيعياً وغير إشكالي. ما يؤكد هذا معطيات جمّة، أبرزها أنه ووفقاً لتقرير "الفجوة بين الجنسين" السنوي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2019، الذي يركّز على أربعة محاور رئيسة هي: "المشاركة الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة والاستمرارية، والتمكين السياسي"، حلت سوريا في المرتبة (150) من بين (153) دولة شملها التصنيف، تلاها كلّ من باكستان والعراق واليمن. بدورها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وثقت في تقريرها الصادر بمناسبة "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة" مقتل (28076) امرأة على أيدي الأطراف الرئيسة في النزاع السوري بين آذار 2011 وتشرين الثاني 2019، وأنّ (10363) امرأة ما يزلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري. أيضاً ارتكبت قوات النظام السوري، ووفقاً للمصدر نفسه، ما لا يقل عن (7500) حادثة عنف جنسي، بينها قرابة (850) حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز.

يقع عدد كبير من السوريات ضحايا لجرائم قتل تحت مسمّى "غسل العار"، مما يعطي صبغة من التعاطف مع الجاني كبداية للإفلات من العقاب

معطيات بائسة لا شك، في وقت تتحمل المرأة السورية فيه العبء الأكبر خلال الحرب، فهي غالباً المعيل الرئيس للأسرة. وفي مخيمات النزوح يزداد الوضع سوءاً، حيث يُمارس على الفتيات جميع أنواع القهر والاضطهاد، من تعنيف وتحرش ودعارة، إلى زواج القاصرات. وحسب الإحصائيات فإن 32% من الفتيات يُزوّجن تحت سن الثامنة عشرة، وتباع بعضهنّ لدول الخليج للعمالة المنزلية أو الدعارة. 

وفي الداخل السوري، وبدءاً من المصطلح المتداول "جرائم الشرف" والذي يحتوي على نوع من أنواع التبرير الضمني للجريمة نفسها، وانتهاءً بالقوانين والأعراف المجتمعية، يقع عدد كبير من السوريات ضحايا لجرائم قتل تحت مسمّى "غسل العار"، مما يعطي صبغة من التعاطف مع الجاني كبداية للإفلات من العقاب. خذ على سبيل المثال هذه المانشيتات القصيرة.. "أضرم النار في جسد زوجته وهي حامل في شهرها الثامن بـ"دافع الشرف"، متحججاً أنه كان تحت تأثير المواد المخدرة... أفرغ مخزن مسدسه في جسد شقيقته بعد اتهامها بإقامة "علاقة غير شرعية"، ما تسببّ بوفاتها على الفور، وبعد حوالي شهر ونصف صدر الحكم القضائي بسجن القاتل مدة تسعة أشهر فقط... دخل الأخ غرفتها وأرداها قتيلة، بعدما لاحظت والدة الضحية وجود انتفاخ في بطن ابنتها، لتؤكد إحدى القابلات الجاهلات بعد الفحص بأنّ الفتاة "حبلى"، لاحقاً تبينّ أنّ الانتفاخ الذي كان ببطن الضحية هو نتيجة إصابتها بأكياس من الماء. بعد فترة يتم إطلاق سراح القاتل ثم إقفال القضية بطلب مباشر من ذوي الفتاة... انهال الزوج بضربها على رأسها بواسطة مفتاح الغاز ما أصابها بارتجاج في الدماغ، بعدها لم تعد تقوى على الكلام أو السير بشكل متزن، ومع ذلك رفض والدها تنظيم ضبط بحقّ الزوج وأكد أمام الشرطة أنها سقطت من فوق الدرج...". في الحقيقة هذه المانشيتات المثيرة للهلع ليست أفكاراً مبتكرة تصلح لفيلم رعب هوليودي مشوّق، إنها، وللأسف، أخبار تمر مرور الكرام في بلدٍ بات يعيش على هامش الحضارة بينما يحتفل بعيد المرأة كما لو كان عرساً قومياً!. ورغم أنه وافق على الانضمام الى اتفاقية السيداو، وهي الاتفاقية الخاصة بإلغاء جميع أشكال التمييز ضد النساء منذ العام 2004، إلاّ أن "لجنة الإنقاذ الدولية" كانت قد أكدت أنّ سوريا واحدة من "أصعب خمسة أماكن في العالم لتكبر فتاة فيها". خاصة أنه في عام 2011 حلت سوريا في المركز الثالث في جرائم الشرف بعد اليمن وفلسطين، لكثرة حالات القتل بـ"دافع الشرف" والتي كان لقانون "العقوبات السوري العام" دور كبير في تكريس هذه الثقافة الإجرامية، أقلّه أنه أشار إلى "جرائم الشرف" في الباب السابع تحت اسم "الجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامة"، في وقتٍ اقتصر تعديل هذا القانون على إلغاء العذر المخفف لا أكثر ولا أقل!. وحسب المكتب السوري للإحصاء تتراوح جرائم الشرف بين 200 إلى 300 جريمة سنوياً، وتزداد في الأرياف، ومعظم الضحايا بعد الفحص الشرعيّ للجثّة تبين أنهنّ كنّ ما زلن عذراوات.

على المقلب الآخر ومما لا شك فيه أنّ المرأة السورية شكلت "معادلة حرجة" في اختبار معدلات الحرية والديمقراطية المكتسبة إبان الثورة السورية، إلا أنّ الأبوية التي اتسمت بها تصرفات الأنظمة الحاكمة لم تختلف كثيراً عن حقيقة الأبوية التي تعامل بها سياسيُّو الربيع السوري مع اختلاف المظهر العام وأدوات الخطاب. وبرغم كل ذلك لم يتوقف دور المرأة السورية أو يغبْ، بل شاركت في تعزيز السلم الأهلي خاصة في مناطق النزوح والتهجير، وفي السعي لتقديم مقترحات الحل السياسي لسوريا المستقبل. وبرغم العوائق الكثيرة، منها ما يتعلق بنظرة المجتمع إلى المرأة ومحاولة تشويه صورتها، ومنها ما يتعلق بالنخب السياسية وبالجهات الدولية التي اكتفت بالمشاركة الشكلية والنخبوية للمرأة، وبرغم كلّ المآسي، فقد شاركت السوريات في المظاهرات وصناعة الشعارات والخروج إلى الشوارع بظلّ القمع والقتل الذي مارسته عصابات وفرق الموت.

الرجال يصنعون الحروب والنساء يعانون من ويلاتها، ليغدون مجرّد ندوب خالدة على وجه البلاد المغبرة بالخراب والدماء

المفارقة أنه وعلى الرغم من حساسية الانتهاكات بحقها والتنديد الواضح لنصوص القانون الدولي بها، نلاحظ فشلاً تاماً في تطبيق حماية المرأة السورية من قبل مجلس الأمن أولاً، ومن المجتمع الدولي ثانياً... "الرجال يصنعون الحروب والنساء يعانون من ويلاتها، ليغدون مجرّد ندوب خالدة على وجه البلاد المغبرة بالخراب والدماء". مقولة تصلح لكلّ زمان ومكان، إذ ساعد العنف السياسي المبني على احتكار السلطة في يد الرجال، في غياب تحليل جندري خاص بالمرأة للأزمات، بينما يستمر المجتمع الذكوري، وهو حمّال أنساق اجتماعية وثقافية وحضارية متخلفة، بممارسة سطوته العاطفية على النساء، بإحداث هوّة خطيرة بين الجنسين لتقوم العلاقات بينهما على التناقض والتصادم، بدلاً من التكامل والتناغم من خلال فهم كلّ جنس خصائصه وقدراته ومهامه. وعليه حان الوقت للتخلص من هذا الإرث التاريخي العنيف بما يخص النساء، والتوقف عن تقديمهن قرابين للحرب، وفي أوقات السلم كذلك.