المخدّرات: أكبر صادرات نظام الأسد!

2019.08.20 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في يونيو الماضي، ضبطت السلطات اليونانية سفينة شحن بحمولة بلغ وزنها أكثر من ٥ طن تحتوي على حوالي ٣٣ مليون قرص مخدّر من نوع "كبتاغون، واصفةً هذه الشحنة بأنّها "أكبر كمية من المخدرات تتم مصادرتها عالميا"-دفعة واحدة-، وتقدّر قيمتها بما يزيد عن ٦٦٠ مليون دولار. وترجّح السلطات اليونانية بأنّ تكون الصين هي الوجهة النهائية لهذه الشحنة التي تمّت تعبئتها وشحنها من ميناء اللاذقية في سوريا.

ليست هذه المرّة الأولى التي يتم فيها ضبط مخدرات قادمة من سوريا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ضبط خفر السواحل اليوناني في ديسمبر الماضي سفينة شحن في البحر الأبيض المتوسط تحمل اسم "نوكا" وترفع علم نظام بشار الأسد، على بعد 50 ميلا عن جزيرة "كريت"، محمّلة بأطنان من حشيش القنّب وحوالي ٣ مليون حبّة مخدّر كان من المفترض ان تذهب إلى ليبيا. ثمة الكثير من الوقائع التي تقول إنّ تجارة المخدرات في سوريا آخذة في الازدياد بشكل مهول في السنوات الخمس الماضية. وحتى ندرك حجم ما نتكلّم عنه، فإنّ الشحنة الأخيرة التي ضبطتها السلطات اليونانية تساوي وحدها تقريباً من الناحية المالية حجم كل صادرات سوريا من السلع المختلفة في العام ٢٠١٧.

آخذين بعين الاعتبار التراجع الضخم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد -منذ إطلاق النظام حملته لقمع الشعب السوري قبل ما يزيد عن ثماني سنوات-، والحاجة إلى مصادر دخل الآن للتعويض عن بقاء الموارد الأساسية لسوريا تحت أيدي ميليشيات (بي واي دي الكردية) وإيران وروسيا، يصبح من الممكن فهم الكيفية التي يعمل بها النظام وأتباعه ومن بينها الاعتماد على مداخيل تجارة المخدّرات. ما يميّز حبوب الكبتاغون بالتحديد هو أنّ كلفة إنتاجها منخفضة للغاية، واذا ما قورن بسعرها عند البيع، فإنّ حجم الأرباح عادة ما تكون هائلة، وهو ما يجعل من تجارتها أمراً مغرياً للغاية.

لكن ثمّة ما يثير الشكوك أيضاً في كون هذه التجارة ليست محصورة بنظام الأسد وأنّ النظام السوري ربما يكون مجرّد وسيط فقط في هذه العملية و/أو يعمل لصالح إيران وميليشيات حزب الله. من المعروف أنّ حزب الله وعصابات تجّار المخدّرات في لبنان المحسوبين عليه و/أو المتعاونين معه يتعاملون في تجارة الكبتاغون (صناعة وبيعاً) منذ سنوات طويلة، وهناك من يرجعها الى العام ٢٠٠٦، حيث يعدّ هاشم الموسوي، شقيق النائب في حزب الله حسين الموسوي أحد أكبر مصنّعي ومهرّبي حبوب الكبتاغون على الإطلاق، وكان قد أنشأ مصنعين في لبنان واستغل الحسينية كغطاء لأعماله.

الأدوات الأساسية اللازمة لتصنيع الكبتاغون دخلت أوّل مرة إلى لبنان عبر إيران

هناك من يشير أيضاً إلى أنّ الأدوات الأساسية اللازمة لتصنيع الكبتاغون دخلت أوّل مرة إلى لبنان عبر إيران، ومن ثمّ بدأت يتم استقدام أدوات تصنيع مشابهة من دول مختلفة. المخدرات بشكل عام تعتبر باباً من أبواب الحصول على دخل بالنسبة إلى حزب الله، وهي كذلك بالنسبة إلى النظام الإيراني وكلاهما يتمتعان بعلاقات قوية مع شبكات التهريب والعصابات التي تنشط عبر الحدود في عدد كبير من الدول. ومع تزايد حجم الضغوط الدولية على الطرفين مؤخراً ولاسيما العقوبات المالية والاقتصادية، يتزايد اللجوء إلى تجارة المخدرات للتعويض.

ما يدعم مثل هذه الفرضية بالنسبة إلى الحالة السورية، هو استخدام ميناء اللاذقية كنقطة انطلاق لتهريب المخدرات إلى الدول الأخرى. هذا الميناء بالتحديد، كان الإيرانيون قد حصلوا على حقوق إدارته من نظام الأسد حينما اصطحب قاسم سليمان بشار الأسد معه إلى طهران في ٢٥ فبراير الماضي. وبالرغم من أنّ الميناء يخضع لإدارة مشتركة بين شركتي "سوريا القابضة"، وشركة أخرى فرنسية حيث من المفترض أن تنتقل حقوق الإدارة إلى الجانب الإيراني في أكتوبر القادم، إلاّ أنّ عدّة تقارير - من بينها تقرير للتايمز في مارس الماضي تحت عنوان "طهران تنظر إلى ميناء اللاذقية السوري كبوابة دخول لمنطقة الشرق الأوسط"-، أكّدت بالفعل أنّ الحرس الثوري الإيراني قد بدأ باستخدام الميناء بالفعل للالتفاف على العقوبات الأمريكية المشدّدة وشحن البضائع من خلاله حتى قبل أن يدخل العقد حيّز التنفيذ.

أيّاً كان المستفيد سواءً نظام الأسد أو حزب الله أو إيران، فإنّ الأكيد أن سورياً لم تعد ممرّاً فقط للمخدّرات اليوم وإنما أصبحت كذلك مجالاً خصباً لتصنيع واستهلاك المخدرات. وعندما تصبح حجم الشحنة الواحدة من مادّة الكبتاغون أكبر من حجم كل صادرات سوريا في العام ٢٠١٧، فهذا مؤشر كافٍ على حجم الكارثة التي ألحقها نظام الأسد بالبلاد لا لشيء إلاّ من أجل البقاء في الحكم!