"اللهُمَّ لا شَماتَة"

2024.05.23 | 05:13 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2024 | 05:13 دمشق

3444444444444444444444445
+A
حجم الخط
-A

"لا تهددوا الناس، فإن ردّة الفعل الطبيعية جداً أن يفرح هؤلاء الذين عانوا منكم عندما تحزنون. كان عليكم أن تفكروا قبل ذلك بمثل هذا اليوم".

هذا ما كتبه الناشط السياسي الإيراني حسين رونقي، إشارة منه إلى تهديد السلطات الإيرانية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، إثر انتشار خبر مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. حيث قضى الإيرانيون ليلةً، وُصِفت بالنادرة، وهم يتابعون (بفرحٍ في كثير من الحالات) خبر اختفاء رئيس البلاد ووزير خارجيته. فتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى واحدة من أهم مراكز إنتاج الفكاهة.

"لم أرَ والدتي بهذه السعادة طوال سنوات حياتي" كتب سعيد أفكاري، شقيق المصارع "نويد أفكاري" الذي أعدمته السلطات الإيرانية خريف عام 2020. الأستاذ الجامعي الإيراني مهرداد درويش بور علق لقناة "Iran International" المعارضة: "الأكثرية الساحقة من الشعب الإيراني فرحت للخبر، لا لأنهم يحبون الموت، بل على العكس من ذلك، إنهم يشعرون أن أحد رموز الموت والقتل قد مات. أرى أنها فرحة قابلة للفهم".

كانت للرئيس الإيراني الراحل مشاركات في الكثير من محطات القمع ضد الشعب الإيراني، وخصوصاً عضويته، بصفته نائب المدّعي العام في طهران (وهو بعمر 28 سنة!) في "لجنة الموت" المتّهمة بتصفية آلاف المعارضين السجناء، خلال النصف الثاني من عام 1988، ودوره بصفته رئيساً في مقتل أكثر من 1500 إيراني خلال احتجاجات 2022. الأمر الذي دعا الكثير من أهالي الضحايا لاستذكار ألقاب رئيسي التي يتدوالها الإيرانيون فيما بينهم، ومنها "قاضي الموت"، "قصّاب طهران"، وأكثرها قوَّةً ودلالةً "آية الله مجزرة".

تحرص الشخصيات العامة والساسة عموماً على اتخاذ مواقف دبلوماسية في مثل تلك الحالات، فنراهم حذرين ومجاملين في تصريحاتهم، التي يراها العامة تنطوي على كثير من النفاق.

نشر أمجد، شقيق السجين السياسي رامين حسين بناهي الذي أُعدم عام 2018 رسالة وصلته من أمه، دايه شريفة، إثر سماعها بموت رئيسي: "أنا سعيدة لأن جلاداً آخر قد مات. سعيدة لأن آلاف الأمهات المكلومات سعيدات اليوم مثلي. سعيدة لأن ابني رامين أُعدم، وهو بريء، بتوقيعٍ من هؤلاء الجلادين".

يحذّر البعض من هكذا أحاسيس في حالات الموت، معتبرين أن تلك الشماتة والفرح بموت من نكره، لا تتناسب مع الأعراف ولا الأخلاقيات الإنسانية السويّة. بل حتى إنها مرذولة، ومعيبة.

تحرص الشخصيات العامة والساسة عموماً على اتخاذ مواقف دبلوماسية في مثل تلك الحالات، فنراهم حذرين ومجاملين في تصريحاتهم، التي يراها العامة تنطوي على كثير من النفاق. فيذهب كثيرون إلى الدفاع عن فرح ضحايا أولئك المجرمين الراحلين، باعتبار أنهم لا يحتاجون لتقمّص دور الملائكة في مثل تلك اللحظات، بل ويعيبون على الساسة إظهار مشاعر الأسف على موت أولئك. "من حقكم أن تفرحوا لموت قتلة أبنائكم. أنا سعيدة لفرحكم. لا تحزنوا أبداً على هؤلاء القتلة" كتبت الصحفية المعروفة مسيح علي نجاد.

عقب إعلان وفاة رئيسي ووزير خارجيته، انهمرت رسائل التعزية من أربع جهات الأرض. هناك كثير من الدول التي يمكن توقّع إرسالها للتعازي، لكن ما كان مستغرباً هي التعازي المنهالة من دول أوروبية والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى البيت الأبيض الأميركي ووزارة الخارجية وحلف شمال الأطلسي! بل ووصل الأمر أن يبدأ قس مجلس الشيوخ الأميركي الاجتماع بالصلاة "من أجل الشعب الإيراني في حداده على وفاة الرئيس".

أعرب السيناتور الأميركي الجمهوري ريك سكوت أن العالم سيكون مكاناً أفضل لو مات رئيسي "كان الرجل إرهابياً قاسياً، لم يكن محترماً ولا محبوباً ولن يفتقده أحد".

كان الأمر معقولاً لكثير من المحللين، فقد اعتبروا ما جرى مُنسّقاً دولياً من أجل احتواء إيران، وخلق مناخ إيجابي قبل مفاوضات لاحقة. لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لكثير من السياسيين والبرلمانيين. عبَّرت البرلمانية البريطانية أليسيا كيرنز، عن ارتباكها من تلك التعازي "ارتكب نظام رئيسي جرائم قتل النساء، ومارس القمع العابر للحدود، محاولاً اغتيال معارضيه في جميع أنحاء أوروبا" قالت كيرنز. بينما كتبت السياسية الألمانية المخضرمة ماري أغنيس ستراك زيمرمان، رئيسة لجنة الدفاع في البوندستاغ الألماني معبرة عن استيائها من بيانات التعزية "يا له من استهزاء بالمناضلين الشجعان من أجل حقوق الإنسان في إيران".

حتى قبل تأكيد وفاته، أعرب السيناتور الأميركي الجمهوري ريك سكوت أن العالم سيكون مكاناً أفضل لو مات رئيسي "كان الرجل إرهابياً قاسياً، لم يكن محترماً ولا محبوباً ولن يفتقده أحد". وساخراً من تعازي حلف الناتو غرّد برين ماست عضو مجلس النواب الأميركي "أقدم تعازيَّ للإيرانيين، لفوات فرصة محاكمة جزار طهران". بينما دافع جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عن قرار إدارة بايدن تقديم التعازي، واصفاً الأمر بأنه ممارسة طبيعية في حال وفاة زعيم أجنبي، مستدركاً، للمفارقة، بأن رئيسي كان مسؤولاً عن انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان وكانت "يداه ملطخة بدماء كثيرين"!

بالعودة إلى الشعب الإيراني، الذي يقوم عبر الفكاهة، بالانتقام الناعم من حكومةٍ تتعامل بقسوة مع أي انتقاد. كانت هناك شريحة أخرى، ممن يعتبرون إيذاء معارضي الحكومة من طبيعة الحياة. هؤلاء عاشوا أجواء من القلق والدهشة، مع انتشار صور للألعاب النارية والرقص في بعض المناطق الإيرانية. بينما كان المنفيون الإيرانيون يعربون عن شكرهم للسحب والرياح والضباب، وحتى لعموم سماء وغابات أذربيجان، بسبب مساعدتها على ما تمَّ إنجازه.

صيف عام 1988 قال حسين منتظري، نائب آية الله الخميني المُبعد عن منصبه، أمام مجموعة من خمسة أشخاص، سيُعرَفون فيما بعد بفرقة الموت "إن أكبر جريمة ارتكبت في الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة هي من فعلكم أنتم. في المستقبل، سوف يذكركم الناس بين مجرمي التاريخ". كان من بين هؤلاء الخمسة الرئيس المتوفى إبراهيم رئيسي. اللهُمَّ لا شماتة، إن استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

 

 

كلمات مفتاحية