القمّة "الطارئة".. العبث العربي بدماء الفلسطينيين والسوريين

2023.11.11 | 06:18 دمشق

قمة غزة
+A
حجم الخط
-A

بعد 14 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المُحاصر، قتل خلالها نحو 3785 فلسطينياً وأصيب أكثر من 13 ألفاً نصفهم أطفال ونساء، انطلقت في مصر "قمة القاهرة للسلام" بمشاركة عربية ودولية وأممية، لبحث تطورات القضية الفلسطينية والحرب المستمرة على غزة، منذ 7 تشرين الأوّل 2023.

وفي يوم 22 تشرين الأوّل الفائت، اختتمت "قمة القاهرة للسلام" أعمالها من دون صدور بيان ختامي موحّد، بسبب خلافات بين المشاركين الذين تفاوتت مواقفهم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، مع الإشارة إلى أنّ مصر -مستضيفة القمة- تعرّضت في اليوم التالي لقصفٍ إسرائيلي استهدف نقطة للجيش المصري قرب الحدود، وأسفر عن إصابة تسعة جنود، فيما علّقت القاهرة على القصف بأنّه كان "عن طريق الخطأ".

وبعد 23 يوماً من الحرب على غزّة، أي في 30 تشرين الأوّل، وارتفاع حصيلة الضحايا إلى أكثر من 8 آلاف فلسطيني، فضلاً عن مقتل 116 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة، أعلنت جامعة الدول العربية تلقّيها طلباً من فلسطين (سلطة محمود عباس) والسعودية لعقد "دورةٍ غير عادية" تبحث العدوان الإسرائيلي على غزة، أُطلق عليها "قمّة طارئة" رغم أنّها ستكون بعد 11 يوماً من الإعلان!

قبل انطلاق "قمة القاهرة للسلام" وقبل الإعلان عن موعد "الدورة غير العادية للجامعة العربيّة" وبينهما، عَقدَ مجلس الأمن الدولي أكثر من جلسة مغلقة وطارئة، أوّلها كان في اليوم التالي من إطلاق حركة حماس لـ عملية "طوفان الأقصى"، حيث تباينت خلالها مطالب المشاركين بين إدانة "حماس" أو إدانة إسرائيل، فضلاً عن تقديم مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، تصدّى له الفيتو الأميركي.

قمة عربية "طارئة"

حتّى الآن، لم تلعب الدول العربيّة الحد الأدنى من دورها الدبلوماسي -على الأقل- في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، وحده الأردن الذي استدعى سفيره من إسرائيل، لكن بعد 23 يوماً من العدوان، وبعد مرور يوم على طرد السفير الإسرائيلي من بوليفيا وتشيلي وكولومبيا في أميركا اللاتينية، تضامناً مع غزّة.

تصريح المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي بأنّه "لا يُمكن استباق نتائج القمة، لأنها تعبّر عن إرادة القادة العرب المشاركين"، يشير -بشكل مؤكّد تقريباً- إلى أنّه لا شيء مُنتظر من هذه القمة أكثر من تجديد إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، ورفض تهجير أهلها إلى الدول العربيّة المجاورة..

في وقتٍ لاحق من اليوم السبت (11 تشرين الثاني 2023)، ستشهد جامعة الدول العربية عقد قمة "طارئة" في العاصمة السعوديّة الرياض، هدفها الأوّل بحث الوضع في قطاع غزة، الذي تتصاعد فيه العمليات العسكرية والمجازر الإسرائيلية، مع تصاعد تطلّعات المراقبين لنتائج تلك "القمّة الطارئة"، التي يتزامن عقدها مع القمة العربية-الإفريقية أيضاً.

الوضع المؤلم الذي تشهده غزّة الآن، وهو جزء يشير إلى تطوّر ومستقبل قضية فلسطين عموماً، يَفترض أن تبحث هذه القمة "الطارئة"، خطوات يجب اتخاذها فوراً، تجاه غزّة التي تشهد عشرات المجازر يومياً، بشكل خاص، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، وأوّلها قطع العلاقات فوراً مع الاحتلال الإسرائيلي وإنهاء كل أشكال التطبيع معه.

ولكن تصريح المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي لـ صحيفة "الشرق الأوسط"، بأنّه "لا يُمكن استباق نتائج القمة، لأنها تعبّر عن إرادة القادة العرب المشاركين فيها"، يشير -بشكل مؤكّد تقريباً- إلى أنّه لا شيء مُنتظر من هذه القمة أكثر من تجديد إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، ورفض تهجير أهلها إلى الدول العربيّة المجاورة -التي تخشى تحمّل تبعات هذا التهجير على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية- فضلاً عن مطالبات فضفاضة بوقف إطلاق النار، دون اتخاذ إجراءات حقيقيّة تفرض هذا الوقف.

العبث العربي في دماء الفلسطينيين

اليوم ومع دخول العدوان الإسرائيلي على غزّة يومه الـ35، ووصول ضحاياه إلى أكثر من 11 ألف فلسطيني وأكثر من 27 ألف مصاب -أكثر من نصفهم أطفال ونساء- فضلاً عن دمار هائل أخفى معالم أحياء سكنيّة بأكملها، ما يزال الأداء العربي في مواجهة ما يجري في غزة (حيث يُقتل طفل كل 10 دقائق) ضعيفاً وبطيئاً، إن لم نقل إنّه "مخزٍّ ومهين"، بحسب تعبير الشعوب العربيّة.

بعيداً عن الدول الإسلامية، تجدّد الشعوب العربيّة سؤالها، ما الذي يجعل 23 دولة عربيّة تراقب عن كثب غير آبهةٍ بسيول من دماء الفلسطينيين تجري في شوارع غزّة ترشح من البيوت والملاجئ والمشافي والمدارس والحارات، ما الذي يدفعها إلى كل هذا التأخير حتّى في موعد قمةٍ "طارئة"، لم يُعلن عنه إلّا بعد 23 يوماً (وكأنّ لكل دولة يوم في التأخير)، وبين الإعلان والموعد 11 يوماً آخر!؟

لماذا تفشل الدول العربية في دعم القضية الفلسطينية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني، الذي تتآكل أرضه وتسيل دماؤه، منذ 75 عاماً، هل قضية فلسطين معقّدة إلى درجة يخشى فيها القادة العرب حتّى السماح لشعوبهم بالتظاهر تضامناً مع غزّة (ولو من باب التنفيس)، كما تظاهر الآلاف في العديد من العواصم والمدن الأوروبية والأميركية!؟

يبدو أنّ الاستجابة العربية المحدودة وغير الفعّالة لـ"الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي" بشكل عام، والعدوان والمجازر التي يشهدها قطاع غزّة الآن بشكل خاص، تحتاج إلى دراسات تفصيلية عديدة تبحث في العوامل والأسباب التي أدّت -بحسب كثير من الشعوب العربيّة- إلى هذا الواقع العربي المهين.

لأنّه مهما قيل عن ضعف الدول العربيّة وتخاذلها، يصرّ الكثير من العرب على حقيقة تتمتعها بقوة سياسية واقتصادية يُفترض أن تُمكّنها من التأثير في الشأن الدولي والمساهمة في حل القضية الفلسطينية، لكن ما يجري من عبث في دماء الفلسطينيبن وتقاعس وقصور في التحرّك لحمايتهم، يشير إمّا إلى "تخلٍّ متعمّد" نوعاً ما، أو لأسباب تدفعهم إلى هذا التخلّي، لعلّ أبرزها:

  • انقسامات وصراعات بين الدول العربية فيما بينها وتوزيع "ولائها" بين معسكري العالم الشرقي والغربي، تجعل من الصعب توحيد جهودها في دعم القضية الفلسطينية.
  • بعض الدول العربية على علاقات تطبيع ومصالح في الكثير من المجالات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يقيّد مسألة الضغط على إسرائيل، التي -للمفارقة- لا تنظر إلى تلك العلاقات المصلحيّة كسبب يمنعها من تكرار اقتحام المسجد الأقصى (المقدّس العربي والإسلامي) و  تكرار المجازر بحق الفلسطينيين في غزة، أو القتل والاعتقال بحقهم في الضفة.
  • بعض الدول العربية تتجاهل حقوق الفلسطينيين وتضع مصالحها الوطنية فوق قضيتهم، التي يُفترض أن توحّد الشعوب والأنظمة العربية باعتبارها آخر قضية استعمارية في المنطقة، وفق تصريحات للمفكر العربي عزمي بشارة.
  • معظم الأنظمة العربية "وظيفية" تخضع وتتبع لقوى عالمية مهيمنة، وبعض تلك الأنظمة أيضاً (النظام السوري مثلاً) تتاجر بالقضية الفلسطينية، فرئيس النظام السوري بشار الأسد يواصل قتل السوريين بمساندة "محور المقاومة والممانعة"، الذي يضم ميليشيات طائفية ترى أنّ (طريق القدس) يمرّ من كل المدن السوريّة، التي دمّروها وارتكبوا فيها مئات المجازر، ولم يصلوا إلى القدس بعد، رغم انطلاق عملية (طوفان الأقصى)، التي تنصّلوا منها، لأنّها مهّدت لهم الطريق الواضح والوحيد إلى القدس.

ومع دعوة السعودية -بموافقة عربية- لرئيس النظام السوري المجرم بشار الأسد لـ حضور "القمة الطارئة" بشأن غزّة ووصوله إلى الرياض، يبدو عبث عربي آخر بدماء السوريين والفلسطينيين، الذين تعرّضوا معاً لجرائم ومجازر ومذابح وتهجير من النظام وميليشياته الطائفية، ما يوازي وأكثر ممّا تعرّض له الفلسطينيون من عدوّ العرب جميعاً، إسرائيل.

نظام الأسد الذي قتل -في عهد حافظ الأسد- آلاف الفلسطينيين في لبنان وسوريا، وواصل -في عهد بشار الأسد- قتلهم وتهجيرهم حّتى من مخيّمات لجوئهم في سوريا، وعلى وجه الخصوص مخيّم اليرموك في دمشق، سيُناقش في "القمة الطارئة" اليوم، الحرب والحصار الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزّة، أي عبثٍ أكثر من هذا!؟

الانعدام المتكرّر لرد الفعل العربي المناسب للفعل الإسرائيلي في عموم فلسطين، من أبرز الأسباب التي جعلت وتجعل الاحتلال يواصل استباحة دماء الفلسطينيين نهاراً جهاراً وعلى مرأى ومسمع العالم كلّه..

في العودة إلى ما يخص فلسطين الآن، وفي ظل هذا التخاذل والتقاعس العربي، لم يكن مطلوباً من أنظمة الدول العربية إرسال جيوشها لتحارب الاحتلال الإسرائيلي في غزة أو تمدّ الفلسطينيين بالسلاح والذخيرة كما فعلت أميركا لصالح إسرائيل، حتّى إنّ كتائب القسّام -لم تطلب منهم ذلك (لا سمح الله)- لكن كان المطلوب منهم على الأقل اتخاذ موقف عربي موحّد ينقذ الأهالي المحاصرين من مأساة وكارثة إنسانية، عبر مدّهم بالغذاء والدواء، دون انتظار إسرائيل أن تسمح لهم بذلك، وتحدّد ما يمكن إدخاله إليهم، علماً أنّ منفذهم الوحيد إلى العالم هو "معبر رفح"، ومرتبط بدولة عربيّة (مصر) لا أجنبيّة!

ولكن الانعدام المتكرّر لـ رد الفعل العربي المناسب للفعل الإسرائيلي في عموم فلسطين، من أبرز الأسباب التي جعلت وتجعل الاحتلال يواصل استباحة دماء الفلسطينيين نهاراً جهاراً وعلى مرأى ومسمع العالم كلّه، وما جرّأهم أكثر على مواصلة عدوانهم الأخير والمستمر، أنّ السعودية نفسها (أرض الحرمين الممتدين إلى الحرم الثالث في القدس) والتي يُفترض أنّها تمثّل العالم الإسلامي (السنّي)، أطلقت "موسم الرياض" للرقص والترفيه، وسط سيول الدماء وصرخات الاستغاثة في غزّة، وأصرّت على إطلاقه رغم كلّ الدعوات المطالبة بتأجيله تضامناً مع غزّة، واكتفت (لأجلها) بإعلان "قمة طارئة"، على أن تُعقد بعد 11 يوماً!

"القذافي" وربيع الشعوب العربية

يعتبر الرئيس الليبي السابق معمّر القذافي -الذي قتل بثورة شعبية ضدّه عام 2011- أكثر الزعماء العرب فرادةً في الكاريزما "الشعبوية" والخطابات المثيرة للجدل والغارقة بالتشويش وجلد الذات العربيّة والإسلامية، والتي تعبّر -نوعاً ما- عن كثير ممّا يجول في خواطر شريحة واسعة من الشباب العربي، الذي يتداول خطاباته باستمرار، خاصّةً عندما تجدّد إسرائيل انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، وسط صمتٍ عربي لا يخلو من "جعجعة" التنديد والشجب والاستنكار.

ورغم أنّ الغالبية العربيّة والإسلامية تشير إلى "القذافي" كـ"زعيم مجنون"، وبما أنّ الحكمة أحياناً تؤخذ من أفواه المجانين، فلا بأس بالإشارة إلى بعض الخطابات "القذافيّة" (التي افتقدتها القمم العربيّة العادية والطارئة، منذ العام 2011، بعد أن كانت سبباً في متابعة تلك القمم، للتسلية على الأقل)، التي تظهر في كل مرّة كـ"نبوءات"، رغم أنّها بديهية طالما أن التعاطي العربي مع الاحتلال الإسرائيلي لم يتغيّر منذ حرب الـ73 وربّما قبل.

سبق أن شدّد "القذافي" وكرّر في خطابات كثيرة عبر لقاءات وقمم عربية وجلسات أممية، على ضرورة الوقوف إلى جانب فلسطين ودعم قضيتها، موضحاً في كلّ مرّة أنّ "خندق فلسطين هو الخط الأمامي للدفاع عن الأمّة العربيّة، وإن سقط هذا الخط، فستتقدّم إسرائيل للسيطرة لاحقاً على كلّ البلاد العربيّة من المحيط إلى الخليج".

حروب الشعوب العربيّة غير المكتملة على أنظمتهم المستبّدة، أنتجت أنظمة أكثر استبداداً ووظيفية وتبعية، لأنّها هي -في الأساس- مَن كان يخطّط للانقلاب على ربيعهم العربي.

وأشار إلى أسباب تفرّق الأمّة العربيّة بالقول: "لماذا خلقوا ليبيا، تونس، الجزائر، سوريا..، لكي تبقى هذه الأمّة مشلولة غير قادرة على توحيد نفسها.. الغرب أعطانا استقلالاً مزيّفاً وسلّم بلادنا إلى العملاء، رسم الحدود بيننا.. نحن في خطر، لا بدّ أن نستيقظ وأن يكون لنا درع يحمينا ومحتوى اقتصادي يغذّينا"، مستدركا: "أزمنة القومية العربية والوحدة ولّت إلى الأبد، هذه الأفكار التي حشدت الجماهير ليست سوى عملة لا قيمة لها".

رحل "القذافي" -كما ينبغي طبعاً- لأيّ حاكمٍ عربي يواجه شعبه بالنار والرصاص، وبقيت خطاباته فضافضةً تحكي بـ"تهكّم وحسرة" الواقع العربي الراهن، وتشير إلى أنّ حروب الشعوب العربيّة غير المكتملة على أنظمتهم المستبّدة، أنتجت أنظمة أكثر استبداداً ووظيفية وتبعية، كانت -في الأساس- تخطّط للانقلاب على ربيعهم العربي.