icon
التغطية الحية

القانون كسلاح بيد الأسد.. متابعة الحرب بوسائل أخرى

2019.04.03 | 14:04 دمشق

دمار في مخيم اليرموك جنوب دمشق (رويترز)
ياسر العيسى - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

لم يكن الرصاص والقنابل والبراميل والصواريخ، الأسلحة الوحيدة التي استخدمها الأسد ضد السوريين على مدار سنوات خلت، بل عمد إلى استخدام أسلحة أخرى للاقتصاص من أعدائه، وثبيت سلطته، ومن بينها "التشريع القانوني"، الذي قد يكون من الوسائل البديلة التي سيستمر الأسد في استخدامها إن خمدت نار السلاح التقليدي، بهدف إعادة رسم وجه سوريا وشكلها وديمغرافيتها، بما يتوافق ويتلاءم مع مصالحه، وترسيخ نظامه.

في نيسان الماضي، كان القانون رقم 10 المثير للجدل، الذي آثار مخاوف سوريين وعدد من الدول الإقليمية والغربية، وعلى رأسها تركيا وألمانيا، وأدى الضغط الدولي إلى تراجع النظام عن بعض بنوده، لكن بقي الخطر القائم بسببه على حاله تقريباً.

السؤال هنا: هل كان القانون رقم 10 التشريع الوحيد الذي استخدمه الأسد كسلاح قانوني، وماذا عن مخاطر قوانين أخرى صادرة ما بعد انطلاق الثورة ضده في آذار 2011، ومن بينها قانون "التعبئة العامة" الذي أصدره مع بدء الحراك السلمي ضده، قانون "مكافحة الإرهاب"، المرسوم التشريعي رقم 19 الصادر عام 2015، المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012؟

القانون رقم 10

القانون رقم 10 بُني على مرسوم سابق صادر عام 2012، يُعرف بالقانون رقم 66، ويسمح للنظام بهدم المباني السكنية غير القانونية بحجة إعادة إعمارها، ووضع اليد على الأملاك العامة.

ونص القانون رقم 10 الذي أصدره الأسد في المادتين الخامسة والسادسة، على إجراء حصر للعقارات خلال مدة شهر فقط، وقيام أصحابها بالتصريح لأجهزة النظام عن حقوقهم وتقديم الوثائق والمستندات التي تُثبت أحقيتهم في العقارات، قبل أن يُجبر تحت بطلب روسي وضغط غربي على تمديد المدة إلى سنة بدلاً من شهر.

ولأن نحو 12 مليون سوري نازح داخل بلاده أو لاجىء في خارجها، وأغلبهم من المعارضين للأسد، ممن أدى القصف والتدمير الذي تعرضت له مدنهم وبلداتهم إلى فقدان أغلب أوراق الرسمية، ولأن الكثير منهم لا يملك أصلاً أوراقاً ثبوتية لأسباب عدة، ومن بينهم سكان العشوائيات، فإن النظام اتخذ هذا القانون لغاية في نفسه، كونه أعلم بحال السوريين الذين حكمهم لعقود خمسة مضت.

ومن المفيد هنا التذكير، بأنه في عام 2004 كان حوالي 40 في المئة من الممتلكات داخل سوريا غير رسمية، والمالك الحقيقي ضمن هذه النسبة ليس لديه التصاريح الصحيحة، أو كانت عقاراته مبنية على الأراضي المملوكة ملكية عامة وغير مرخصة (عشوائيات)، ممن لا يملك أصحابها سندات ملكية (طابو أخضر) تثبت احقيتهم بهذه العقارات.

وهناك تقارير تفيد بأن هذه المساكن تشكل 60 في المئة من المناطق السكنية في سوريا، وأقر النظام على لسان وزير الإسكان في حكومته، حسين عرنوس، أنها تصل لنحو 50 في المئة.

قوانين أخرى

لعل ما يلفت النظر هنا، أن أغلب من انتقدوا القانون رقم 10، غفلوا عن حقيقة وجود العشرات من القوانين الأخرى التي تؤدي الغرض ذاته، وهو ما نوه إليه موقع "ناشيونال"، في تعليق له على قرارات النظام التي تستهدف السوريين.

القانون رقم 66 الصادر في 2012، والذي بُني عليه القانون رقم 10، تحت زعم "تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي"، يقضي بإنشاء منطقتين تنظيميتين في دمشق ومحيطها، تشمل بساتين الرازي في منطقة المزة في العاصمة، ومنطقة أوسع تضم بلدات تمتد من داريا والقدم في الشرق، بهدف إقامة مشاريع قيمتها ملايين الدولارات، يتم منحها لمن اصطلح عليهم بـ"حيتان الاقتصاد" المرتبطين بالأسد، ورؤوس نظامه.

بناء على ذلك، أعلنت محافظة دمشق عن مخطط تنظيمي جديد للمنطقة الواقعة في جنوب شرق المزة، والمعروفة باسم "بساتين الرازي"، وبدأت المحافظة بتوزيع إنذارات إخلاء للقاطنين بالمنطقة تمهيداً لإنجاز المشاريع السكنية الجديدة لشركة "الشام القابضة" المملوكة من سامر فوز  المقرب من الأسد، وهما: "باسيليا ستي" و"ماروتا ستي".

وتزامنت تلك الإنذارات لسكان منطقة "بساتين الرازي" مع خروج مظاهرات ضد النظام، وكان للمظاهرات في هذه المنطقة أهمية بالغة، لكون المنطقة تقع وسط العاصمة دمشق، ومجاورة لعدد من سفارات دول أجنبية، وعلى رأسها الإيرانية.

أجاز هذا القانون مصادرة أراض وتدمير مساكن عشوائية في بساتين الرازي لا يملك أصحابها حقوقاً قانونية، وليس لديهم أي إثبات يوثق ملكيتهم للأرض أو المنازل التي يعيشون فيها، علماً أن معظم سكانها من النازحين الريفيين الذي انتقلوا إلى العاصمة منذ ستينيات القرن الماضي.

ولعل ما يظهر نيّة النظام غير السليمة، أن هذا القانون لم يشمل مناطق عشوائية أخرى تقع ضمن حرم العاصمة ومحيطها كذلك، ومن بينها "المزة 86"، و"عش الورور"، فقط لأنه تقطنها غالبية مؤيدة للنظام.

رأسمالية المحاسيب

ومن الأمثلة أيضاً المرسوم رقم 19 الصادر عام 2015 والذي يجيز للبلدات والمدن إنشاء شركات قابضة خاصة لإدارة الأصول والممتلكات، وهذا القانون يعد من النتائج الكارثية لاقتصاد الحرب الذي فرضه نظام الأسد، وفق ما أكدته دراسة نشرها "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية".

وبحسب الدراسة، فإنه "في ظل الانهيار الاقتصادي في سوريا، والذي يشكل جزءاً واحداً من الانهيار الشامل، أصدر بشار الأسد مرسوماً تشريعياً هو المرسوم 19 بتاريخ 30-04-2015، وكان من أهم أولوياته اعتبارات سياسية وأمنية تفرضها علاقات السلطة بحلفائها وإذعانها لشروطهم، علاوة على المصالح الخاصة العمياء لرأسمالية المحاسيب، التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه". وفق وصف الدراسة.

"التعبئة العامة" ومصادرة السيارات

محاربة السوريين بسلاح القانون، بدأه الأسد مع اليوم الأول للثورة ضده، فالنظام وبناء على قانون "التعبئة العامة" الذي أصدره مع انطلاق الحراك السلمي عام 2011، ويضم 43 مادة، اتخذ عناصره أحد بنود هذا القانون من أجل ابتزاز السوريين، ولجعل سياراتهم هدفاً سهلا لهم، وليستخدمها في عمليات التهريب ونقل الذخيرة والجنود.

وتنص أحد مواد هذا القانون، على تأمين وسائط النقل لمقاتلي النظام - بهدف تسهيل تحركاتهم - وهو ما استغلته قوات النظام في مدن سورية عدة ومن بينها حمص ودير الزور، لممارسة أعمال وصفها سكان بـ"التشبيحية"، عندما تصادر سياراتهم على الحواجز للتنقل بها، وإما أن وإما أن تعيدها وقد أصابتها أضرار كبيرة، أو قد يجري مصادرتها بشكل دائم. وتهدف قوات النظام من استخدام سيارات المدنيين في نقل عناصره وعتادها إلى التخفي، كي لا يجري استهدافها من قبل قوات المعارضة، عندما كانت الجبهات مشتعلة على امتداد أغلب الأراضي السورية.

وبعد مرور عام على الثورة، كان القانون الأشد خطراً على معارضي الأسد، بعد أن أصدر النظام القانون رقم 19 لعام 2012، والذي حمل اسم "قانون مكافحة الإرهاب"، وتحته لم يعد يُشار إلى "المعارض" للأسد بهذا الاسم، بل تعداه النظام لوصفه بأنه "إرهابي"، وبالتالي يتوجب وفقاً للمادة 10 من هذا القانون التبليغ عنه.

وبحجة هذا القانون، تمت ملاحقة آلاف السوريين بتهمة "الإرهاب"، وصادر النظام أملاك الآلاف منهم، بل وطالت هذه التهمة (الإرهاب) حتى من يعمل في المجال الإنساني لمساعدة النازحين، وكذلك الأطباء والممرضين العاملين في مناطق خارج سيطرته، وحتى من شارك في تشييع شهداء أو حفر قبورهم طالتهم هذه التهمة، كما كانت الشماعة التي من خلالها يبرر ملاحقته واستعدائه لمنظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء).

كما أتخذ القانون، كأداة لمعاقبة لطرد الموظفين والعمال غير الموالين له، وتسريحهم من وظائفهم الحكومية ومحاكمتهم ومصادرة أموالهم، وهو ما حذرت منه منظمة "هيومن رايتس ووتش"، حيث قالت إنه "يؤدي إلى تجريم غير عادل لشريحة كبيرة من الشعب دون تطبيق الإجراءات الحقوقية المفروضة ولا المحاكمة العادلة".

بالمجمل، يطوّع النظام القوانين والتشريعات لمعاقبة من خرج ضد، ومكافأة لمن أيده من السوريين أو من وقف معه منه من حلفائه الإقليميين والدوليين، ولإحداث تغييرات ديمغرافية تمكنه من إحكام سيطرته.

ومما يساعده على ذلك، أن أغلب المعارضين له، أو غير المؤيدين له من السوريين، أصبحوا لاجئين ونازحين، فضلاً عن أن كثيرين منهم مطلوبون لفروع المخابرات، وبالتالي لن يكون بمقدورهم المطالبة بحقوقهم، ليعمد إلى مصادرة ممتلكاتهم سواء عبر القانون 10 أو غيره من القوانين، وفقاً لما قاله خبراء لموقع "ناشونال" في تقريره المنشور في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وقد استغلت ميليشيا "حزب الله" و"الحرس الثوري" الإيراني هذا الوضع لشراء عقارات عديدة. بل أن بعض التقارير الموثوقة، أفادت بقيام قوات النظام عام 2016 بإتلاف سجلات أراض عمداً في مناطق معارضة له، من أجل طرد أولئك الذين فروا منها، ولمنع عودتهم، وتزوير سجلات ملكية جديدة للسوريين المؤيدين للأسد.