العنف ضد النساء.. المجتمع "القاتل الصامت"

2022.07.13 | 06:31 دمشق

جرائم قتل
+A
حجم الخط
-A

تتعدد الأسماء والجريمة واحدة، جريمة متكررة ومتسلسلة يستيقظ عليها العالم يومياً، تأخذ نصيبها من الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ثم تخفت مع الوقت لتحل محلها قضايا أكثر أهمية وفقاً للأولويات التي يرتبها عالم ما زال يضع حياة النساء في نهاية سلم أولوياته.

جرائم العنف ضد النساء تسبب جدلاً اجتماعياً عقيماً تختلف فيه الآراء بتطرف وحدة، ولا تفضي إلى نتيجة إذ ما زالت شريحة كبيرة تلقي اللوم على الضحية وتحاول تأطير الموضوع في تفاصيل تمنح الفاعل عذراً مُخفِفاً أو مُحِلاًّ في كثير من الأحيان.

يقول تولوستوي: "إن ارتكاب الجريمة فعل بشري، أما تبريرها فهو فعل شيطانيّ"، تجعلنا تلك الفكرة في مواجهة حقيقية وجهاً لوجه مع الجاني المتخفي الذي لا يشير إليه القانون أو الضحية، ففي أحسن الأحوال تكتفي الأطراف بالإشارة إلى الفاعل مع محاولة إيجاد وخلق مبررات مختلفة، في وقت يتخذ فيها المجتمع الحاضن للجناة والمجني عليهن دور الصامت أو المبرر في كثير من الأحيان في محاولة لالتماس الأعذار للفاعل.

يبقى أثر الغضب الاجتماعي ــــــ وإن وجد ـــــ الموجه ضد مثل هذه الجرائم محدوداً، وتحاول السلطات القانونية في العالم العربي امتصاصه بطرق إطفائية تعمل على حل الأثر الناتج عن المشكلة، من دون التطرق لجذر المشكلة الأساسية التي لولاها لما وصل تردي الحال إلى ما آل إليه اليوم.

ربما يُعزى ذلك إلى الخلاف الاجتماعي الكبير حول مشروعية مثل هذه القضايا، إذ ما زالت كثير من الشرائح الاجتماعية ترفض في المطلق احتمالية مساواة المرأة بشريكها في المجتمع اجتماعياً وقانونياً، وتتعامل معها على أساس أنها لا تتعدى كونها ظلاً وليست شريكة أو فاعلة، فيما يعتقد جزء كبير من المجتمع أنها بخروجها عن الدور المحدد لها تعمل على تثبيت حالة تجاوز اجتماعي وهي بذلك بحاجة إلى تقويم لإعادتها إلى المسار المحدد سلفاً.

إن حالات العنف المتكررة ضد النساء تثبت أن الحلول التي اتبعت سابقاً لم تكن ناجعة بالقدر المطلوب وتثبت أن الحل يجب أن يكون وقائياً بالبناء على أساس مختلف

إن حالات العنف المتكررة ضد النساء تثبت أن الحلول التي اتبعت سابقاً لم تكن ناجعة بالقدر المطلوب وتثبت أن الحل يجب أن يكون وقائياً بالبناء على أساس مختلف، وإلا فإن أي حلول علاجية فحسب فهي مبنية على أسس واهية وسيكون مصيرها الانهيار وخلق فوضى غير محمودة العواقب، أو حصول خلخلة اجتماعية حادة لا يعرف فيها الحق والظلم مثلما يحصل الآن في كثير من المجتمعات.

يبدو وفقاً للأرقام أن جرائم العنف ضد النساء تسجل تناسباً عكسياً مع محاولات المنظمات الحقوقية للحد منها، إذ أوضحت الإحصائيات ارتفاعا في حالات القتل من العائلة أو من المقربين على وجه الخصوص مقابل القتل من طرف غرباء، وفي أحسن الأحوال يحاول الجاني التملص من المسؤولية بمبررات الشرف، أو المرض النفسي، مستخدماً حقه في الدفوع المتاحة له اجتماعياً والثغرات القانونية لتطبيق أقل قدر ممكن من العقوبة، وفي الغالب يحظى بتعاطف اجتماعي ويكون تطبيق القانون غير حيادي لأنه يحظى بتعاطف السلك القضائي.

ويجب ألا يغيب عن الانتباه أنه في أكثر الأحوال تبقى كثير من الجرائم المرتكبة خارج الإحصاءات، بسبب عدم إبلاغ ذوي الضحية عن غيابها وخاصة في حال كانوا هم الفاعلين، عدا عن إهمال أجهزة الدولة والقضاء متابعة مثل هذه الدعاوى منعاً لتضخيم الأمر وتفادياً لحدوث مشكلات اجتماعية قد تخرج عن السيطرة.

تتعرض النساء لعملية اغتيال اجتماعية لا جسدية فحسب في ظل صمت مطبق تجاه الانتهاكات التي يتعرضن لها بشكل يومي

في الحالة الاجتماعية العربية في العموم لا تكفي المطالبة بإجراء تعديلات قانونية قد لا يضعها المجتمع المتواطئ موضع التطبيق، أو قد يحتال عليها رجال القانون ويحاولون النفاذ من ثغراتها في قضايا قد تكون قد كسبت تعاطفهم لأكثر من سبب، ويبقى التطبيق هو المفصل الحقيقي الذي يؤسس لعملية تغيير طويلة الأمد.

تتعرض النساء لعملية اغتيال اجتماعية لا جسدية فحسب في ظل صمت مطبق تجاه الانتهاكات التي يتعرضن لها بشكل يومي، فيما قد يتعدى الأمر ذلك ويتجاوز إلى محاولة تحمليها مسؤولية التجاوزات القانونية التي تُرتكب بحقها فتصبح الجاني والمجني عليه في آن واحد.

إن عملية جلد الضحية ولومها من أقدم الحيل التي قد يتعامل معها الجاني لتبرير سلوكه الإجرامي، المشكلة هنا أننا لسنا أمام جانٍ واحد قد يقنع نفسه بانعدام مسؤوليته عما يرتكبه بحق النساء فحسب، بل أمام مجتمع كامل ينفي عن نفسه هذه المسؤولية ويدعي أن المرأة هي من أوصلت نفسها إلى مرحلة تجعلها عرضة للانتهاكات المتكررة وبالتالي فليس عليها أن تلقي اللائمة على أحد، وبهذا ينكرون على النسويات المدافعات عن حقوق المرأة البحث عن خارطة طريق تنهي المسير في نفق اجتماعي لم يؤدِّ إلى وجهة حتى اليوم، بل ويطالبونهن بالعودة إلى الطريق الاجتماعي التي خطها أصحاب السلطة الذكورية.

ووفقاً لانعدام طريق متفق عليها حتى اليوم للوصول إلى حلّ، تبقى صور النساء اللاتي ذهبن ضحايا للعنف شاهداً على جرمية مجتمع بكامله ما زال ينكر على المرأة التمتع بأبسط حقوقها الإنسانية، ويحرمها حق الحياة أو قد يمنحها إياه بشرط سجنها ضمن زنزانة العرف والتقاليد وتكبيل إرادتها الحرة فتبقى هذه الجرائم دليل إدانة دامغ من دون حكم.