الصدام الأميركي الإيراني الخجول في سوريا إلى أين؟!

2022.09.18 | 06:21 دمشق

الصدام الأميركي الإيراني الخجول في سوريا إلى أين؟!
+A
حجم الخط
-A

في الأسابيع الأخيرة بات واضحا من خلال الردود القاسية والمباشرة التي استهدفت مؤخرا تموضعات ميدانية إيرانية عديدة في محافظة دير الزور ومحيطها، أن القوات الأميركية كواحدة من أصحاب النفوذ الأكبر على الأراضي السورية، قد قامت أخيرا بتغيير أو تعديل استراتيجيتها وطريقة وديناميكية تعاملها مع التهديدات والاعتداءات المتكررة التي تقوم بها أذرع إيران والميليشيات الولائية التابعة للحرس الثوري، هذه الاعتداءات التي تستهدف إيران من خلالها المصالح والقواعد الأميركية وبالأخص قاعدتي "حقل العمر" للنفط ومعمل "كونيكو" للغاز الواقعتين شرقي الفرات، والقريبتين إلى حد ما من خطوط التماس مع قوات النظام وميليشيات إيران، فضلا عن الاعتداءات الأخرى التي طالت أيضا قاعدة "التنف" المحاذية للمثلث الحدودي السوري العراقي الأردني التي يتواجد فيها جيش مغاوير الثورة مع قوات أميركية وبريطانية تقدر أعدادها بالمئات من الجنود.

القوات الأميركية ومنذ وقت بدأت على ما يبدو بدفع ثمن "تخاذلها" وصمتها اللامسوؤل والطويل عن التغول والتمدد الإيراني داخل الأراضي السورية

مما لا شك فيه أن أذرع الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الولائية وبعد تفرغها وإلى حد كبير من العمليات القتالية الواسعة التي كانت تساند بها وبدعم جوي روسي قوات نظام الأسد، بل وبعد أن وَسَّعَتْ وقَوَّتْ من شوكة نفوذها وتوغلها وتغولها طيلة عشر سنوات مضت على غالبية الأراضي السورية، قد بدأت عمليا في مضايقة وإقلاق القوات الأميركية أكثر من خلال الاستهدافات المتكررة لقواعدها بوسائط عدة كقذائف الهاون والمدفعية وصواريخ الغراد والطائرات المسيرة المفخخة.

عمليا فإن القوات الأميركية ومنذ وقت بدأت على ما يبدو بدفع ثمن "تخاذلها" وصمتها اللامسوؤل والطويل عن التغول والتمدد الإيراني داخل الأراضي السورية، وخاصة مع بدايات الثورة السورية، عندما غضوا الطرف بل لنقل إنهم سمحوا بشكل أو بآخر لإيران وحزب الله بإدخال كل هذه الميليشيات الطائفية الإرهابية العابرة للحدود، وبمسمياتها المتعددة مع كل هذا الكم من الأسلحة والعتاد والصواريخ لدعم نظام الأسد، وإعادة التوازن إليه ومنع سقوطه. ومن ناحية أخرى فعلى ما يبدو أيضا أن القوات الأميركية بالذات منذ وقت ليس بالقصير باتت تدفع ثمن أخطائها الجسيمة وقصر رؤيتها الاستراتيجية، حيث إنها أيضا في فترة وجودها على الجغرافيا السورية تحاشت كثيرا الاصطدام المباشر مع الميليشيات الإيرانية، وقوات النظام في فترات ضعفهما التي لربما مرت وانقضت، لا بل حتى أنها _ أي القوات الأميركية_ وفي أوقات سابقة اشترطت ووضعت مع أجهزة مخابراتها شرطا أساسيا على الجيش الحر والفصائل السورية الأخرى في بدايات تشكيل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب 2014 _هذا الشرط_ الذي نص على عدم السماح لفصائل الثورة بقتال بقايا جيش النظام، وداعميه من إيرانيين وغيرهم في برنامج أسمته برنامج التأهيل والتدريب، وخصصت له في ذلك الوقت نصف مليار دولار لدعم فصائل المعارضة إذا قبلوا هذا الشرط، واقتصر قتالهم على تنظيم داعش فقط، الأمر الذي لم يلق قبولا ورفضته الفصائل جملة وتفصيلا، فاتجهت الأنظار الأميركية لميليشيات قسد التي وافقت بدورها على التصدي لهذه المهمة والقيام بها، وخاصة أن هذه الميليشيات لديها أهدافها الخاصة وليست لها مشكلة أبدا مع نظام الأسد وميليشياته وداعميه.

في الواقع فإن القوات الأميركية أخطأت أيضا خطأ استراتيجيا فادحا، حين وضعت خنجرا مسموما لم تدرك خطورته في خاصرتها، وذلك عندما تخلت وبلا أسباب ميدانية واضحة عن الكثير من قواعدها العسكرية في شرقي الفرات قبل وأثناء عملية نبع السلام التركية _هذه العملية_ التي سيطر بموجبها الجيش التركي والوطني على منطقتي "رأس العين" و"تل أبيض" ومحيطهما، بل لم يتوقف أمر القوات الأميركية على الانسحاب من العديد من القواعد التي سارعت القوات الروسية وقوات النظام وحزب الله والميليشيات الإيرانية لشغلها والتمركز فيها، وتقوية نفوذهم أكثر قرب الحدود التركية، بل وغضت القوات الأميركية طرفها أيضا عن توغل وتغول وتمدد النظام والروس ومعهم ميليشيات حزب الله وإيران في مناطق كثيرة واقعة شرقي الفرات وخاصة المناطق القريبة من طريق M4 ومحيطه اعتبارا من منطقة عين العرب وعين عيسى وصولا لتل تمر ومطار القامشلي.

إن الاستهدافات والاستهدافات المتبادلة الأخيرة بين القوات الأميركية المتمركزة في شرقي الفرات، والميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور، كانت وبلا شك هي الأقوى والأعنف خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية، حيث طالت الغارات الأميركية على مدى يومين مستودعات تسليح "عياش" ومعسكر "الصاعقة" ونقاطا أخرى تقع غربي دير الزور ودمرتهما بما تحويان من صواريخ وعتاد بالكامل، فضلا عن استهدافات عديدة أخرى قام بها الطيران الأميركي الحربي والحوامات بمرافقة من الوسائط الصاروخية والمدفعية التي طالت نقاطا كثيرة للميليشيات الإيرانية في محيط بادية الميادين والعشارة والبوكمال والقورية، وغيرها من المواقع فأحدثت الغارات المنفذة تخبطا كبيرا في صفوف الميليشيات، حيث سارعت لتغيير أماكن انتشارها وتموضعها وإخلاء العديد من مقراتها إلى داخل الأحياء المدنية خوفا من استهدافات قادمة أخرى، طبعا أتى هذا كله بعد الاعتداءات المتكررة لميليشيات إيران المنتشرة على الضفة الغربية للفرات على قاعدتي حقل العمر ومعمل كونيكو للغاز.

من خلال استقراء الوقائع وقراءة المواقف قديمها وحديثها بشكل صحيح ودقيق، أتصور أن الاعتداءات الإيرانية التي تستهدف القواعد الأميركية المنتشرة في كل من سوريا والعراق، وعلى وجه الخصوص تلك التي حدثت أو ستحدث في الأيام والأسابيع القليلة القادمة لا تخرج إلا من تحت عباءة الروس وأقلها لسببين:

موسكو ولتسيد المواقف وإعلاء كعبها أكثر في سوريا ولتفردها في إدارة وإصدار القرارات دون منغصات أو منازع، فمن مصلحتها تقليم أظافر إيران على الأراضي السورية

  1. الروس وفق استراتيجياتهم المرسومة في سوريا خاصة في هذه الأوقات، وبسبب الحرب الأوكرانية المكلفة التي تأخر نصر موسكو فيها كثيرا، والدور الذي تلعبه واشنطن فيها لصالح "كييف" فلهم المصلحة الأكبر بالانتقام، وقيامهم من تحت وفوق الطاولة بتحريض أذرع وميليشيات إيران بشكل دائم للدخول في مواجهات قد تصبح مفتوحة مع القوات الأميركية، والهدف من ذلك إرسال رسالة لواشنطن مفادها أنها _أي موسكو_ ومن خلال قدرتها على تحريك وتحريض "طهران" وأذرعها المتواجدة في العراق وسوريا، قادرة على خلط وبعثرة الأوراق وتعريض أمن القوات والمصالح الأميركية في هذين البلدين للخطر.
  2. موسكو ولتسيد المواقف وإعلاء كعبها أكثر في سوريا ولتفردها في إدارة وإصدار القرارات دون منغصات أو منازع، فمن مصلحتها تقليم أظافر إيران على الأراضي السورية، وخاصة إذا حدث ذلك عبر واشنطن ومن ثم إسرائيل، ولذلك فهي الرابحة في أي استنزاف أو مواجهة قد تصبح واسعة، ووقوع خسائر كبيرة في صفوف الطرفين قد تجبرهما في نهاية الأمر على التفكير بشكل أو آخر بتقليل وجودهما أو الرحيل.

ختاما.. بلا أدنى شك وفي هذا الوقت بالذات فإن الولايات المتحدة الأميركية، أرادت من خلال هذه الغارات العنيفة التي استهدفت وعلى غير العادة الأهداف والتموضعات الإيرانية جهارا نهارا، لأنها حقيقة تريد من خلال هذه الضربات إرسال رسالة إنذارية شديدة اللهجة لطهران، مفادها بأن  القوات الأميركية لا تزال تملك اليد الطولى على الأراضي السورية والقادرة على كبح تمادي ميليشياتها الولائية، وأن بإمكانها الوصول إلى جميع الأهداف والتموضعات الإيرانية وتدميرها في أي وقت شاءت، وعلى طهران الفصل فصلا تاما ما بين المفاوضات التي تجريها مع واشنطن حول ملفها النووي، وما بين الضربات التي توجهها القوات الأميركية للأهداف الإيرانية في سوريا وبأنها _أي واشنطن_ ماضية وبلا هوادة في استهداف أي أطراف كانت قد تهدد أمن جنودها وأمن قواعدها ومصالحها هناك.