الشعبوية وإفلاس السياسة

2019.06.13 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الحملة الشعبوية العنصرية التي يقودها وزير الخارجية اللبناني مع تياره ضد اللاجئين السوريين في لبنان ليست فقط كريهة ومقيتة، وإنما الأمر أنها لا تجد من يضع حداً لها في لبنان أو يشعر من يقوم بها بالعار والخطيئة فهم يبدو أنهم فخورون بما يقومون، اللهم إلا بعض الأصوات الجريئة والعقلانية في المجتمع اللبناني التي تنتقد بحدة هذه التصريحات والتصرفات، ما عدا ذلك يبدو رئيس الجمهورية نفسه جزءا منها وهو ما يضع لبنان في خانة سيئة من حيث نظرة المجتمع الدولي لها ولقادتها الذين يتكلمون باسمها اليوم.

ذكر الفيلسوف أشعيا برلين أن الناس عادةً ما يرغبون بالحصول على كثير من الأشياء المتشابهة: الأمن، المكانة، الحب، العمل الهادف، الحرية وَالثروة الكافيتين لعيش حياةٍ جيدة وفقاً لجميع الطرق المتخيلة. إلا أن توفير هذه الأشياء لأكبر عددٍ من الأشخاص يقتضي أن تستوعب السياسة كلاً من الحرية التي يريدها التقدميون ذوو الأفكار التحررية وَالتجذر الذي يريده المنغلقون أو المتعصبون، فالشعبيون إنما يخاطبون النصف الثاني من المجتمع وهنا يسود شيء من التوتر بين الفريقين.

ذكر الفيلسوف أشعيا برلين أن الناس عادةً ما يرغبون بالحصول على كثير من الأشياء المتشابهة: الأمن، المكانة، الحب، العمل الهادف، الحرية وَالثروة الكافيتين لعيش حياةٍ جيدة وفقاً لجميع الطرق المتخيلة

في كتابه حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية  ’الجمهورية المكسورة‘ (The Fractured Republic)، يزعم يوفال ليفين أننا قد أضعنا اللحظة التاريخية التي كان من الممكن عندها القيام بمزاوجةٍ سهلةٍ بين الرؤيتين. حيث يشير إلى العقود الأولى عقب الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ازدهر الاقتصاد خلالها وَكان بمقدور البلاد أن تصبح أكثر تحرراً وأقل تقليديةً دون أن يعم الشعور بالفوضى أو التكسر كما صار يحدث غالباً اليوم، على الأقل بالنسبة للملايين الكثيرة التي صوتت لدونالد ترامب.

ففي حال ثبتت صحة تشاؤمه فهذا يعني أننا قد نكون نمر عبر مرحلةٍ وعرة. فقد تعرضت أوروبا لأكثر من حكمٍ دكتاتوريٍ، مذابح، قتل جماعي وَثورات للأقليات. لكن وَمع أنه من المستبعد أن يعيد التاريخ نفسه، إلا أنه من الوارد عودة تأجج العنف السياسي الواسع في الشوارع الأوروبية.

لكن ثمة احتمالٌ كبير، في حال استمرت هيمنة الخطاب الشعبوي أن تصبح البلدان التي تحكمها أكثر انقساماً، أقل سعادةً وأكثر سخطاً يتصف بارتفاع التعداد السكاني كما سترافق ذلك مع انسحاب العديد من جماعات الأقليات العرقية وَالاجتماعية المختلفة داخل قوقعه حياتهم الموازية.

سيرتفع صوت الشعبوية المعتدلة ربما كما نجد اليوم في أوروبا بعد أن كانت منبوذة وفي حال لم تقم المجتمعات الحديثة بالسيطرة على الخطاب الشعبوي بما فيها استيعابٍ أفضل لمشاعر وَمصالح المتعصبين منهم فسوف نشهد حدوث المزيد من نماذج الاضطراب السياسي بل لعلنا سوف نشهد أعمال عنفٍ متقطع في حال نجحت أعمال إرهابية في نشر الذعر عبر المدن الأكثر انقساماً.

سيرتفع صوت الشعبوية المعتدلة ربما كما نجد اليوم في أوروبا بعد أن كانت منبوذة وفي حال لم تقم المجتمعات الحديثة بالسيطرة على الخطاب الشعبوي بما فيها استيعاب أفضل لمشاعر وَمصالح المتعصبين منهم

فمعظم الناس حتى ضمن مجتمعاتنا الأكثر غنىً وَحركيةً ما يزالون متجذرين ضمن عائلاتهم وَمجتمعاتهم، فهم غالباً ينظرون للتغيير على أنه يمثل خسارةً لشيء ما وَيشعرون بهرمية تسلسل الروابط وَالالتزامات الأخلاقية نحو الآخرين.

فبوسعنا القول أنه قد صار من الممكن عقب صدمة عام 2016 حيث انتخاب ترامب والبريكست إحداث تعايشٍ أكثر سعادةً. الأمر الذي يعني أن الكأس المقدسة التي يجب أن ترفعها سياسة الجيل القادم يجب أن تتمثل بالمطالبة بتحقيق تسويةٍ جديدةٍ أكثر استقراراً بين المنفتحين والمُنغلقين الأمر الذي سيؤدي إلى المصالحة بين شطري الروح السياسية للإنسانية.