السويداء تضع السوريين أمام استحقاق الانتقال من الانتظار إلى الفعل

2023.09.20 | 06:42 دمشق

السويداء تضع السوريين أمام استحقاق الانتقال من الانتظار إلى الفعل
+A
حجم الخط
-A

لم تعرف الثورة السورية منذ انفجارها في آذار 2011م، لحظة تحمل من المتغيرات، والاحتمالات والإمكانات ما تحمله اللحظة الراهنة، وما يجري الآن في سوريا هو تحول عميق وكبير في مسار الحدث السوري، الذي انفجر قبل ما يزيد على اثنتي عشرة سنة، هذا يعني أن ما يمكن فعله في هذه اللحظة قد لا يعود مرة أخرى، وأن تضييع هذه الفرصة قد يضيّع على السوريين جميعهم، فرصة وضع سوريا على بداية الطريق الذي أعلنوا عنه عندما فجّروا ثورتهم ودفعوا من أجله ما يعجز الكلام عن وصفه.

لعل أهم معالم اللحظة الراهنة، وأهم ما يجعلها مميزة واستثنائية، هو ما يأتي:

  1. فرضت الحرب الأوكرانية الروسية على أميركا، أن تسحب تفويضها الذي منحته لروسيا عندما وافقت على تدخلها العسكري في سوريا، وتشير مجمل مجريات التحركات الأميركية والروسية على الأرض السورية إلى تعارض يتسع بين الدولتين.
  2.  هناك عودة قوية لنقاش الوضع السوري بين كل الدول الإقليمية، وضرورة الخروج من حالة الاستعصاء التي شهدها طوال السنوات الخمس الأخيرة، فالخطر الذي يشكّله بقاء هذا النظام، لم يعد مقتصراً على الشعب السوري، بل أصبح يطول كامل المنطقة.

هناك رأي يسود في أوساط القرار الأميركي، وهو أن بقاء سوريا على حالها الراهن يخدم مصالح روسيا والصين، وقد يؤدي استمراره إلى خسارة أميركا لدولة تحتل موقعا فائق الأهمية

  1. الحراك المشتعل في السويداء الذي تخطى بشعاراته وطبيعته معظم مراحل الثورة السورية، واستطاع أن يُشكّل منذ انطلاقه رافعة حقيقية لموجة جديدة للثورة السورية تمتلك خطابها الوطني الواضح، وهدفها الواضح، وتحظى بإجماع السوريين جميعهم، وأيضاً يترافق مع انهيار شبه كامل في قدرة النظام السوري على استعمال أساليبه التي استعملها مع المناطق الثائرة الأخرى، سواء من حيث القدرة على قمعه، أو القدرة على اتهامه.
  2. هناك رأي يسود في أوساط القرار الأميركي، وهو أن بقاء سوريا على حالها الراهن يخدم مصالح روسيا والصين، وقد يؤدي استمراره إلى خسارة أميركا لدولة تحتل موقعا فائق الأهمية، في المواجهة التي تجري الآن بين مشروعين، تتزعم الصين أحدهما، بينما تتزعم أميركا الآخر، وتشارك أميركا في رؤيتها هذه، دولٌ فاعلة أخرى مثل دول القارة الأوروبية.
  3. انتقال نسبة كبيرة من البيئة الموالية للنظام السوري في مناطق سيطرته إلى صفوف السوريين الرافضين لبقائه، وهذا ما بدأت معالمه تتضّح، ويمكن تلمّسه بوضوح في الأشهر القليلة الماضية، في مناطق الساحل السوري التي يزج النظام اليوم بكل قوته القمعية والإعلامية، لمنعها من الانتقال إلى حالة العلن.
  4. انهيار كامل الرواية المضلّلة التي تبناها النظام السوري، خلال سنوات الثورة، وانفضاح زيفها، والتي استطاع من خلالها الاحتفاظ بمواليه، ووقوفهم إلى جانبه في معركته مع باقي الشعب السوري، فهذه الرواية لم تعد قادرة على إقناعهم بالوقوف إلى جانبه، أو ضمان سكوتهم على الأقل.
  5. التحول العميق في عموم المجتمع السوري، بما فيه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فقد أعطت تجارب سنوات الثورة وجها آخر للسوريين، وغيّرت عميقاً في فهمهم للثورة، ومعناها، وفي رؤيتهم لطبيعة النظام وحقيقته، وكذلك في رؤيتهم للتيارات الإسلامية التي خبروها، وبالتالي في رؤيتهم للحلول التي تحتاج إليها سوريا في مرحلتها المقبلة.

باختصار شديد، إن طيَّ صفحة حكم عائلة الأسد بشار الأسد، أصبحت قناعة معظم الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، وإن بشار الأسد وعائلته لم يعد لهم مستقبل في سوريا، وبالتالي فإن ضرورة إيجاد صيغة حل سياسي لسوريا، بدأت تطرح نفسها على مستويات عدة، مع أخذ هذه الأطراف بعين الاعتبار، أن السماح بانهيار الدولة السورية على غرار ما حصل في العراق وليبيا، سيكون تكرارا لخطأ فادح، وهنا لا بدّ من القول: إن السوريين مطالبون بالخروج من حالة انتظار الآخرين كي يقرروا مصيرهم، وإنهم يجب أن يبادروا وبقوة لطرح رؤيتهم التي تعكس مصالحهم الراهنة والاستراتيجية.

بناء على ما سبق، فإن اللحظة الراهنة تقدم شرطا استثنائيا للسوريين يمكن - إذا ما تمكّنوا من استثماره - أن يخرج سوريا من مأساتها، وأن يفتح الطريق أمام إنتاج توافقات تنهي الاستعصاء القائم، توافقات قد لا تتطابق مع شعاراتهم المتباينة التي ترفع في مناطق متعددة من سوريا، لكنها تشكل الصيغة الأنسب، والضرورية إذا ما أرادوا أن تذهب سوريا نحو سلمٍ مستدام، يؤسس للدولة الحديثة التي يريدون.

لا يكفي لأي عقد اجتماعي يعقده السوريون فيما بينهم، أن يحترم هواجس ومخاوف كل المكوّنات السورية فقط، فهو يحتاج أيضا إلى أن يؤسّس فعلا لدولة مواطنة حقيقية

لعلّه من الصعوبة البالغة أن ينجز السوريون توافقاتهم الواقعية اليوم، في ظل الخطاب المنفعل الذي لا يزال معمولاً به بين الأطراف السورية، لكنها توافقات لا بديل عنها، إذا ما أرادوا طي صفحة البعث وعائلة الأسد، فهذه التوافقات ليست مجرد نصوص تُكتب، ووثائق يتعب في صياغتها، وتكرار محتواها حول الديمقراطية، وشكل الدولة، ومعنى الدستور.. وما إلى ذلك من تفاصيل لا تزال تُكرّر وتعاد منذ ما يزيد على عشر سنوات، إنها في جوهرها وأساسها، تنبع من الانخراط في حوار مجتمعي حقيقي، ينتج عنه مصالحة مجتمعية حقيقية، هذه المصالحة تُشكّل الأرضية الحقيقية لصياغة العقد الاجتماعي، والدستور وكل الوثائق الأخرى. 

لا يكفي لأي عقد اجتماعي يعقده السوريون فيما بينهم أن يحترم هواجس ومخاوف كل المكوّنات السورية فقط، فهو يحتاج أيضا إلى أن يؤسّس فعلا لدولة مواطنة حقيقية، لا أن يؤسّس لمحاصصات تنسف الدولة الحديثة - كما حدث في اتفاق الطائف بين اللبنانيين- وتفخخ المجتمع باحتمالات الانفجار والتفتت، ومن هنا تأتي أهمية استعادة الثقة بين السوريين، وأهمية إعلاء الهوية السورية فوق الهويات الفرعية، وأهمية استبدال الخطاب المنفعل السائد، المحرض على العنف والانتقام، بخطابٍ جامعٍ، ينصف السوريين ويوحدهم، تحت مظلة وطنية جامعة.