السـلاح للأسـد والوطـن للجميـع!

2018.07.30 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ظهرت تفاهمات "هلسكني" في الواقع السوري، قبل التقاء الرئيسين ترامب- بوتين، من خلال العمل وفق الرغبة الإسرائيلية في الحصول على جنوب سوري مستقر وآمن، تنتشر فيه القوات الروسية على الحدود مع إسرائيل، وعلى المعابر مع الأردن.

خارطة الطريق المتفق عليها بين إسرائيل والأمريكان والروس قبل "هلسكني" وخلالها، ترمي للحصول على مشهد جديد في سوريا، يمكن عنونته بـ "السلاح للأسد والوطن للجميع"، هذا السيناريو، ينحصر فيه تواجد السلاح المتوسط والثقيل بيد الأسد فقط، كقوى عليا بين القوى المحلية، وفيدراليات مؤقتة تحافظ فيها الدول على مكاسبها، بعد ربطها مع دمشق سياسياً وخدمياً، وفي ذات الوقت تحافظ الدول على أوراق الضغط التي تمتلكها، تحسباً للمستقبل.

إذا ما بدأنا من شرق سوريا، حيث قوات سوريا الديمقراطية- المدعومة أمريكياً ومن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، نجد أن المفاوضات غير المشروطة، التي بدأها مجلس سوريا الديمقراطية- الجناح السياسي لقوات "قسد"، مع النظام السوري في العاصمة- دمشق، تمثل بداية تفاهمات مصيرية واستراتيجة للأكراد مع النظام، وفق الرغبة الأمريكية، عوضاً عن التحالف معه، تمهيداً للحصول على فيدرالية محلية شرق البلاد بإدارة وإشراف كردي، مقابل تبعية سياسية وخدمية لصالح النظام السوري، في المرحلة القريبة القادمة.

المنحى الجديد الذي اعتمده الأكراد بإبرام تفاهمات استراتيجية مع الأسد، لم يكن عبثياً أو غير مدروس، بل مسارا أساسيا يندرج تحت سقف مخرجات "هلسكني" 

المنحى الجديد الذي اعتمدته الأكراد بإبرام تفاهمات استراتيجية مع الأسد، لم يكن عبثياً أو غير مدروس، بل مسارا أساسيا يندرج تحت سقف مخرجات "هلسكني"، ووفق ما اتفق عليه ترامب وبوتين، وعلى ما يبدو فإن وحدات حماية الشعب، لا ترغب بدفع ثمن جديد للصفقات الدولية، على غرار ما حصل في عفرين وما حولها، لذلك ستقبل بالتحول إلى شرطة محلية تحمي المصالح الأمريكية، مقابل الحفاظ على تواجدها، الذي لا ترغب واشنطن بطبيعة الأحوال له أن يندثر، كونه ورقة ضغط وبند ربحي لأمريكا معاً، عندما يأتي ذكر تركيا في المعادلة الدولية.

بعد التفاهمات الأولية بين النظام السوري وقوات قسد، وفق الإيقاع الأمريكي الروسي، ستقوم واشنطن على الأغلب مع الدول الأوروبية التي دخلت شرق سوريا، بضبط السلاح بشكل كلي من قبضة الأكراد، عند الانتهاء من ملف تنظيم الدولة، تمهيداً لربطها مع دمشق، عبر البوابات الخدمية والسياسية، بعد إعطائها صلاحية الإدارة المحلية للمناطق التي تسيطر عليها، وهنا لا بد من الإشارة بأن السلاح فقط سيكون بقبضة الأسد دون أي قوى أخرى محلية.

أما التهديدات التي تطلقها قوات سوريا الديمقراطية بما يخص استعدادها للمشاركة في معركة إدلب حال وقوعها، فهي بمثابة مهاترات إعلامية تطلقها "قسد" ضد تركيا، التي انتزعت منها بالقوة العسكرية والسياسة الناعمة مواقعاً لم تكن تتوقع القوات الكردية يوماً ما بأنها ستطرد منها بهذه السهولة.

من جانب آخر، فإن المسار الجديد الذي خطته القوات الكردية مع النظام السوري باتفاق أمريكي روسي، يحمل أبعاداً أخرى، صداه نجده في إدلب، حيث تركيا، إذ إن واشنطن وموسكو، يسعون في حشر أنقرة والمعارضة السورية في الزاوية الضيقة، بهدف انتزاع العديد من الخيارات التي تستحوذ عليها السياسة التركية وعسكرها في الداخل السوري.

الشمال السوري، عملياً، بات وحده خارج السرب، بعد دخول شرق البلاد، بمرحلة الفدرلة، وفق المخطط الأمريكي الروسي، وهذا بدون شك، سيجعل من تركيا تستعجل عملية تحديد مصير الشمال، والانخراط بعملية سياسية حوله، قد تكون مشابهة لما يتم التجهيز له في شرق سوريا.

تركيا- ذات الرقم الصعب في المعادلة الدولية فيما يخص سوريا، تسعى كلاً من واشنطن وموسكو لتوطيد العلاقات معها، ومن هنا يمكن الاعتقاد، بأن القوات التركية لن تخرج من الأراضي السورية، وأن العمل العسكري في إدلب، خيار مستبعد ببعض جزئياته، وموجود في جوانب أخرى.

السياسة التركية، قد تتوزع خلال الفترة القادمة إلى ثلاثة بنود محورية، أولها ضبط السلاح الثقيل في الشمال، ومحاولة فكفكة هيئة تحرير الشام وصهرها ضمن مكون آخر، لإخراج المنطقة من هول الحرب المنتظرة في حال تصدر الهيئة للمشهد.

ومن المتوقع، أن تقوم تركيا بتوسعة الجيش الوطني التابعة للمعارضة السورية، ليشمل كافة التشيكلات المعارضة، والتي قد يكون مصيرها الذوبان لصالح القوة الصاعدة، والتي ربما سيكون مشروعها الأول، خلق بنية أمنية بقوى محلية لإدارة المنطقة، بعد عملية تجميع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من مستودعات الفصائل.

وبعد الانتهاء من الملفات المذكورة أعلاه، ستكون الخطوة التالية، وهي إعادة مؤسسات الدولة، والتي يديرها النظام السوري لإدلب، وتحكم المنطقة القوى المحلية، في واقع جديد، سيكون فدرلة للشمال، بعد ربطه هو الآخر مع دمشق، عبر البوابات الخدمية والسياسية.

ما تعيشه الجغرافية السورية اليوم، يجعلنا أمام التفسير الواضح لما كان يجري سابقاً من تنسيق إيقاع عمليات التهجير المدروسة للمعارضة، وترحيل الثوار، بدون سلاح متوسط على أقل تقدير نحو الشمال السوري

ما تعيشه الجغرافية السورية اليوم، يجعلنا أمام التفسير الواضح لما كان يجري سابقاً من تنسيق إيقاع عمليات التهجير المدروسة للمعارضة، وترحيل الثوار، بدون سلاح متوسط على أقل تقدير نحو الشمال السوري، فهذه كلها بنود للمخطط الدولي لضبط السلاح المؤثر والفعال بيد الأسد وجيشه فقط، وإجبار الفصائل التي فشلت أو تم إفشالها بخلق نظام مضاد للأسد، على التحور والتحول لشرطة وظيفية، تدير الفدراليات التي تبدو بأنها مخطط المرحلة لسوريا، ريثما يتم التوافق على حل سياسي يجعل كل ما سبق من دفاتر الماضي.

قد يسأل البعض، لماذا السلاح الفعال محصور بيد الأسد حصراً؟ وهذا سؤال مشروع بكل تأكيد، فهذا الجيش الباسل، أثبت بأنه جيش احتلال بامتياز، يسحق الشعب المفترض بأنه حامي له، وأعاد سوريا مئة عام للخلف، ومزق النسيج الاجتماعي، وفعل بالسوريين مالم يفعله أي جيش احتلال، وبالتالي فإن بقاء هذه المؤسسة الدموية، وعدم تفكيكها، أمر بغاية الأهمية لتلك الدول، التي ناصرت الديكتاتورية وقمعت أحلام الشعوب.

بالمناسبة، إذا نجحت تركيا في الفترة الراهنة بالحفاظ على إدلب وريف حلب، لصالح أبناء الثورة السورية، فهو إنجاز جيد جداً للسوريين الثائرين، بأنهم لم يخرجوا من المولد بلا حمص، علماً أن كل ما جرى ويجري، لا يعني بأن نظام الأسد، سيعود كما كان قبل عام 2011، بل إن سحب الأسلحة من الثوار، وضبط الواقع السوري، سيكون بداية لحرب سياسية، سيخسر فيها الأسد الكثير من الأوراق لصالح سوريي الثورة، وسوريا الوطن.

علماً أن تركيا، بدورها، تكون قد أنجزت وكسبت الكثير من ذلك أيضاً، من خلال تخلصها من كابوس الوحدات الكردية على شريطها الحدودي، وكذلك امتلكت قوة عسكرية إضافية من حاضنة الثورة السورية، لمواجهة أي مشروع مضاد قد تقوده واشنطن أو غيرها عبر الذراع الكردي، المحافظ على تواجده أيضاً شرق سوريا.

وهنا، لا بد من الإشارة، بأن روسيا- العراب الدولي في سوريا لكل الدول الفاعلة في المستنقع السوري، علاقات قوية مع إسرائيل، وتوافق مع الأمريكي، وتحالف مع تركيا، ووصاية على بشار ونظامه، والجميع يرغب ببقائها والهيمنة مع المقدرات السورية، إذ ستصبح روسيا النافذة التي سيتم التعامل معها، دون نظام الأسد، وهذا ما بدأت به فرنسا، عندما قررت إدخال مساعدات للغوطة الشرقية قبل أيام.

عليكم أن تعلموا، بأن ما تم سرده في الأعلى، من فدرلة سوريا بحسب التوزع الدولي، ومصالحه، جاء كمخطط مدروس من صناع القرار العالمي، لمنع وصول الثورة السورية إلى مبتغاها في سوريا وطنية لا أسد ولا قمع مخابراته فيها، وأن تمزيق جغرافيتها وشعبها، والشد على يد الأسد وجرائمه، كان يرمي لقتل الحلم العربي عبر السوريين بالاستيقاظ من قيود العبودية والحصول على الحرية والعيش الكريم من براثن الأنظمة التي وضعت كاحتلالات محلية عوضاً عن الاستعمار الغربي المباشر.