الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!!

2024.01.31 | 18:10 دمشق

آخر تحديث: 31.01.2024 | 18:10 دمشق

الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!!
+A
حجم الخط
-A

لقد تكررت هذه العبارة على أسماعنا في الفترة الأخيرة "إن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" أو عبارات مشابهة لها على لسان غالبية الساسة الغربيين وصناع القرار في إسرائيل، وبعض المحللين السياسيين في الشرق الأوسط.

دعونا نفند هذا المفهوم الذي تكرر مراراً وتكراراً في الفترة السابقة أي بعد السابع من أكتوبر، مع الإحاطة بإنه ليس وليد الأحداث الأخيرة وإنما عمره من عمر الدولة الإسرائيلية تقريباً.

يلجأ بعض الساسة الغربيين وتحديدا في أوروبا إلى هذا التعبير أمام وسائل الإعلام وأمام الرأي العام كمحاولة من محاولات لا تنتهي لتبرير دعمهم غير المشروط لإسرائيل، وخلال الأوقات التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ومجازر لا تغتفر بحق الفلسطينيين.

ولكن هل بالفعل إسرائيل دولة ديمقراطية؟

لا بد لنا أولاً أن نعيد قراءة الديمقراطية في مفاهيمها الغربية حيث إن مفهوم الديمقراطية نشأ في اليونان القديمة بشكل مبسط في القرن الخامس قبل الميلاد، وتطورت هذه المفاهيم لكي تشمل مشاركة المواطنين وعامة الشعب في اتخاذ القرارات الحكومية وحقوق الإنسان، بينما كان هذا هو الشكل المبدئي للديمقراطية إلا أنها ساهمت بشكل كبير بتشكيل فهمنا لديمقراطية اليوم.

لم يبق الحال على ما هو عليه حتى قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 حيث شهدت فرنسا وأوروبا العديد من التحولات السياسية والاجتماعية، وشكلت هذه التحولات تحدياً كبيراً للسلطات التقليدية والأنظمة المستبدة في أوروبا وفي العالم بعد ذلك.

وفي عام العام نفسه 1789 تبنت فرنسا "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" الذي كان يشجع على المساواة بين أفراد المجتمع ويدعم الحريات العامة والخاصة. وبذلك بدء عقد الجمهورية الأولى في 1792.

ولكن في عام 1830 واصلت فرنسا في توسعاتها الاستعمارية في كل من إفريقيا والشرق الأوسط وبتلك الحقبة كانت فرنسا تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة في العالم.

لم تكن تلك الحقبة هي المحاولة الأولى للفرنسيين بالتوسع والاستعمار فالتاريخ الفرنسي مليء بتلك الأفعال منذ العصور الوسطى إلى اكتشاف الأميركيتين وبعد ذلك (الاستعمار الحضاري) حيث إن فرنسا قد جددت مفاهيمها التوسعية والاستحواذية بما يتناسب مع ديمقراطيتها الحديثة.

لكن كل ذلك لم ينفع في النهاية، الاستعمار هو الاستعمار على أي شكل كان والأمثلة كثيرة.

لا أحد يستطيع أن ينكر دور الثورة الفرنسية بتشكيل الوعي الجمعي لدى الشعوب حيث امتدت تأثيراتها لتشمل العديد من الدول الأوروبية، وساهمت بصياغة مفاهيم حديثة عن القانون وحقوق الإنسان والمساواة وغيرها من المفاهيم التي نتفاخر بها اليوم.

لكن كونها معقل الديمقراطية الحديثة في العالم لا يبرر لها جرائمها ولا تجاوزاتها التي لا تغتفر. أو بمعنى أصح كونها الديمقراطية الوحيدة في العالم لم يمنعها من أن تكون دولة مستعمرة أجرمت بحق الملايين.

لذلك يمكننا القول إن الديمقراطية البونابرتية تتناسب طرداً إلى حد ما مع ديمقراطية إسرائيل، إلا أن الأخيرة تفوقت على فرنسا في الإجرام.

فبغض النظر عن الجرائم الوحشية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، منذ عام 1948 عام النكبة إلى اليوم وعن التمييز والعنصرية التي وقعت عليهم، وتشييد جدار فصل عنصري يفصلهم ويحتجزهم في الضفة الغربية ويمنعهم من التواصل مع باقي الفلسطينيين في القدس وغيرها من مدن الداخل المحتل. فهذه الممارسات هي بالغالب معروفة لدى الجميع. لكن دعونا نتطرق قليلاً إلى قضية المساواة التي تشكل أهم ركن من أركان الديمقراطية، وبالتحديد للمعاناة والتمييز التي يتعرض لها اليهود غير البيض الذين هاجروا إلى إسرائيل وتحديدا يهود الفلاشا، كما تمنع إسرائيل منح أي سلطات دينية كإتمام مراسيم الزواج للحاخامات السود ولا تعترف بهم على عكس نظرائهم من أصحاب البشرة البيضاء.

ولكن وبعد كل ذلك ما المغزى وما القيمة المضافة للغرب من كون إسرائيل هي دولة ديمقراطية ولذلك تستحق دعمهم. وهل بالفعل يكترث الغرب لوجود ديمقراطيات متعددة وقوية في الشرق الأوسط..

لا يخفى على أحد الواقع الظلامي الذي تعيش به شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من استبداد وتدني مستوى الحريات والانفراد بالسلطة على مدى عقود وتهميش المؤسسات الدستورية والقضائية والمجتمعية وغيرها.

وكانت هناك فرصة تاريخية بعد الربيع العربي بأن يكون هناك شركاء ديمقراطيون حقيقيون في المنطقة، لكن الغرب لم يساعد ذلك التحرك بل على العكس تماماً دعم الحكومات المستبدة وشرعن الانقلابات والثورات المضادة التي أرجعت الشرق الأوسط إلى مستوى أسوأ من الذي كان عليه. لذا حديث العالم الغربي عن أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط باتت عبارة مكررة لا قيمة لها ومجردة من معانيها.

ولربما تولد ديمقراطية حقيقية فعلاً يوماً في سوريا من رحم كل تلك المعاناة التي تعصف بسوريا والعالم، وتكون لنا ولكل الحالمين والطامحين بالعدالة سنداً ومربط خيل.. فالتاريخ كذلك لا مجال به للمستحيلات.