icon
التغطية الحية

الخطر القادم من الحدود.. قصة الأردن مع "كبتاغون الأسد" منذ البداية

2024.01.16 | 07:12 دمشق

xcv
قصة الأردن مع "كبتاغون الأسد" منذ البداية - إنترنت
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

بعد سنوات من الاعتماد على الخيار الدبلوماسي السياسي مع النظام السوري، أملاً بوقف تدفق المخدرات إلى أراضيها، بدأت الحكومة الأردنية بتغيير الوسائل لتحقيق هدفها بهذا الخصوص، حيث اتجهت أكثر فأكثر باتجاه الخيار العسكري والحزم مع المهربين مهما كانت النتائج.

وفي أواخر العام الماضي 2023، شهدت الحدود السورية الأردنية حوادث غير مسبوقة، واشتباكات عنيفة بين الجيش الأردني، والشبكات القائمة على تهريب المخدرات والأسلحة باتجاه الأردن، وكان لهذا الخيار تكاليف دفعتها عمّان، من بوادرها مقتل جنود أردنيين برصاص شبكات التهريب، ورغم ذلك، يبدو أن السلطات الأردنية عازمة على السير في هذا الطريق حتى النهاية، بعد فشل الوسائل السلمية في كبح جماح المهربين.

وباتت الاشتباكات بين القوات الأردنية وشبكات التهريب على الحدود مع سوريا حدثاً عابراً شبه يومي، لكن ومع التطورات الأخيرة وتصاعد وتيرة المواجهات، ودخول الطائرات الحربية إلى المشهد وقصف مواقع قيل إنها للمهربين في سوريا، يبدو من الضروري التذكير بتفاصيل وأسباب ما يجري على الحدود، وسرد قصة الأردن مع "كبتاغون الأسد" منذ بدايتها في عام 2018.

عام 2018.. نقطة تحول

يبلغ طول الحدود السورية الأردنية ما يقارب 375 كيلومتراً، وهناك عدة محافظات سورية تتصل بشكل مباشر مع الشريط الحدودي مع الأردن، كالسويداء ودرعا وريف دمشق.

وكان للجيش السوري الحر حضوراً وسيطرة على جزء من المنطقة الحدودية مع الأردن، لكن ومع حملة التهجير من قبل روسيا والنظام السوري للسكان والفصائل من محافظة درعا في تموز 2018، باتت غالبية المناطق الحدودية تحت سيطرة النظام، ومن خلفه الميليشيات المدعومة من إيران.

ويسيطر "جيش سوريا الحرة" المدعوم من التحالف الدولي على جزء من الحدود مع الأردن في منطقة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، في حين تبقى لقوات النظام وإيران اليد العليا في الانتشار وإنشاء القواعد العسكرية قرب الحدود.

وفي شهر كانون الأول الماضي، كشف قائد جيش سوريا الحرة محمد فريد القاسم عن استعدادات "الجيش" لضبط الحدود مع الأردن، وتكثيف الرقابة للحد من عمليات تهريب المخدرات، قائلاً في تصريح لتلفزيون سوريا، إن الاشتباكات التي جرت على الحدود الأردنية – السورية "متوقعة"، خاصة مع انتشار الميليشيات الإيرانية هناك وازدياد نشاطها وأعدادها.

وبالعودة إلى عام 2018، كانت عملية التهجير للفصائل وآلاف السكان من درعا نحو الشمال السوري آنذاك حدثاً فاصلاً، إذ لم يمض سوى أسابيع على العملية، حتى بدأت محاولات تهريب المخدرات باتجاه الأراضي الأردنية، بالتزامن مع إعادة بسط قوات النظام سيطرتها على الشريط الحدودي ومنح القوات الإيرانية امتيازات في المنطقة أسهمت في تغلغها بين مختلف المدن والبلدات السورية القريبة من الأردن.

وقال المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" المتخصص بنقل أخبار محافظة درعا، أبو محمود الحوراني، إنه وقبل حملة التهجير من درعا في 2018، لم تُرصد أي عملية تهريب للمخدرات عبر المحافظة باتجاه الأردن، مضيفاً في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن عمليات التهريب بدأت عقب سيطرة النظام وحزب والله والقوات الإيرانية على مساحات واسعة من المنطقة الحدودية.

وأخذت عمليات التهريب بالتصاعد، ويبدو أن السلطات الأردنية لم تأخذ هذه المسألة بالحسبان، خاصة أن العمليات كانت مكثفة وشبه يومية، بطرق وأساليب مختلفة، وبطبيعة الحال كانت أصابع الاتهام دائماً ما توجه نحو النظام السوري وإيران، ومع ذلك لم تحدد عمّان في تلك الأثناء الأطراف القائمة على التهريب، واتبعت طرقاً دبلوماسية مع النظام على أمل أن تسفر عن وقف تدفق المخدرات.

تطبيع "أردني - سوري" يتلوه استياء

شهدت العلاقات بين الأردن والنظام السوري تطبيعاً ملحوظاً خلال عام 2021، عبر عقد العديد من اللقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين، وقد حاول الأردن جاهداً إعادة تعويم نظام الأسد عربياً ودولياً عبر مبادرة حملها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض وعرضها على الرئيس الأميركي جو بايدن، تتضمن تقليص عقوبات واشنطن المفروضة على الأسد بما يخدم المصالح الأردنية.

وفي شهر تشرين الأول 2021، ذكرت صحيفة "العربي الجديد" أن الحكومة الأردنية قدّمت مقترحاً بعنوان "اللاورقة"، للولايات المتحدة والدول المعنية بالملف السوري، تحت مبررات إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، عبر تقديم حوافز للنظام السوري مقابل إجراءات وتغييرات سياسية مطلوبة على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، إلا أن الصحيفة نقلت عن مصادر في واشنطن، أن "اللاورقة" الأردنية لم تلقَ اهتماماً في أروقة الإدارة الأميركية.

وأفادت مصادر دبلوماسية عربية لموقع تلفزيون سوريا في تموز 2023، بأن الأردن مستاء من تعاطي النظام السوري، وعدم إبداء الأخير أي تجاوب مع مطالب عمان المتعلقة بمخاوفها الأمنية، مؤكدة أن زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق لم تكن إيجابية، حيث رفض النظام الموافقة على مطلب الأردن الرئيسي، وهو السماح للقوات الأردنية بالتوغل داخل الأراضي السورية وتنفيذ عمليات أمنية ضد تجار المخدرات، نظراً لعدم نجاح قوات النظام السوري بوقف محاولات التهريب عبر الحدود، مع موافقته فقط على ضربات جوية أردنية في الأراضي السورية، بشرط أن يتم تنسيقها بشكل مسبق بين الطرفين.

"الأسد" يغرق الأردن بالكبتاغون

وكان الجيش الأردني، قد ذكر أن "القوات المسلحة الأردنية تواجه أشبه ما يمكن وصفه بالحرب اليومية ضد عصابات خارجة عن القانون هدفها زعزعة أمن الأردن (..) من خلال تهريبها للمخدرات والأسلحة والذخائر من الجانب السوري".

وأضاف الجيش في بيان أن قواته ضبطت، بين عام 2021 و19 كانون الأول 2023، أكثر من 60280642 حبة كبتاغون، و41717 كفاً و735 كيلوغراماً و13 كيساً من مادة الحشيش، إضافة إلى 100386 حبة و86 شريطاً من مادة الترامادول، و589 ألف حبة من مخدر لكسيس.

وأخذت عمليات التهريب بالتصاعد في عام 2023، خاصة في النصف الثاني منه، ما دفع الحكومة الأردنية لمطالبة النظام السوري بضبط الانفلات الأمني على الحدود بين الجانبين، وذلك على لسان وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين، الذي أكد أن "ارتخاء وضعف السلطة في سوريا هو سبب التوتر على حدودنا الشمالية".

وشنت الطائرات الأردنية غارات جوية على مواقع قالت إنها لمهربي المخدرات داخل سوريا، كما أعلنت السلطات الأردنية قبل نحو أسبوع قتل 5 مهربين واعتقال 15 آخرين خلال مواجهات على الحدود، وتمكنت شبكة "السويداء 24" المحلية، من كشف هويات العديد منهم، إذ تبين أنهم ينحدرون من عشائر محافظات درعا والسويداء وريف دمشق. وتحديداً من مناطق اللجاة في درعا، والمطلة في ريف دمشق، والمقوس في السويداء، ويرتبطون بمخابرات النظام السوري.

من جهته، ذكر مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية العميد الركن مصطفى الحيارى، أن من يقف خلف عملية تهريب المخدرات على حدود الأردن الشمالية "عصابات"، وأن المسؤولية تقع على "الدولة السورية"، مشيراً إلى أن الأردن تواصل مع النظام السوري لأكثر من مرة بشأن تهريب المخدرات، ولكن هذا التواصل لم يؤت ثماره.

من المستفيد؟

كل المؤشرات تؤكد أن النظام السوري وإيران هم القائمون على ملف تهريب المخدرات إلى الأردن، وقال الكاتب السوري حسن النيفي، إنّ "مسألة تهريب المخدرات والأسلحة من جانب نظام الأسد إلى الأردن ومن ثم باتجاه السعودية ودول الخليج، لم تعد مسألةً خاضعة لإرادة رأس النظام في دمشق أو الكيانات التي يسيطر عليها، بل لعل المتحكّم بهذه المسألة هي الميليشيات الإيرانية التي تتحكّم بمفاصل القرار فضلاً عن سيطرتها الميدانية التي تتيح لها أن تفعل ما تشاء.

يضاف إلى ذلك أن تصدير المخدرات والسلاح عبر (التهريب) بات يجسّد أحد مصادر التمويل المالي سواء للميليشيات الإيرانية أو للفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد، وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة لدى نظام الأسد والتي وصلت إلى درجة الاستعصاء، من غير المتوقع التخلي عن هذا المصدر المالي، فمسألة التهريب باتت حيوية جداً بالنسبة إلى النظام وحلفائه.

وأضاف النيفي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "طبعا المستفيد من عمليات التهريب هي ميليشيات إيران والفرقة الرابعة، وذلك بغض النظر عن انعكاسات هذا الأمر على العلاقات بين الأردن ونظام الأسد، لأنه في الأصل، العلاقات بين الطرفين تكاد أن تكون معدومة على الرغم من تبادل السفارات، فنظام الأسد وصل إلى مرحلة العقم، بحيث لا يستطيع الاستفادة من أي علاقة مع دولة أخرى بسبب العقوبات الأميركية، وكذلك ليس لديه ما يغري الآخرين".

وعلى الرغم من الخطورة التي بات يشكلها نظام الأسد على الأردن أو دول الخليج، يرى الكاتب أن مواجهة الدول العربية لهذه المسألة فيها كثير من المهادنة التي تصل إلى مرحلة التخاذل، معتقداً أن غياب الحزم العربي لردع النظام يعود إلى "الخشية من استثارة إيران، الراعي الفعلي لإعادة الأسد إلى الجامعة، وصاحبة المسعى الحقيقي لتعويم الأسد عربياً".

ما خيارات الأردن؟

وحول خيارات الأردن للتعامل مع ملف التهريب من سوريا، قال النيفي: "لقد حاول الأردن معالجة موضوع التهريب من خلال احتواء الخطر الأسدي الإيراني عبر التطبيع القائم على مبدأ (خطوة مقابل خطوة)، كما حاول تعميم هذه الخطوة التي تبنتها الجامعة العربية، ولكن النتائج كانت مخيبة للظن".

وهذا ما جعل الأردن يشعر بالخذلان الكبير، ويرى النيفي أن الأردن لم يرسل بطائراته لاستهداف تجار المخدرات في الداخل السوري، وفي درعا والسويداء تحديداً إلّا حين أدرك أن الخطر يتفاقم، من دون أي إجراء رادع من جانب نظام الأسد.

من جهته، أشار الأستاذ في العلاقات الدولية، سمير صالحة، إلى أن الاشتباكات الأخيرة على الحدود السورية الأردنية تعكس حقيقة وجود أصابع استخبارية وكوادر سياسية وأمنية تدير الأمور من غرف عمليات بعيدة عن المناطق الحدودية وفي إطار خطط مدروسة ومعد لها جيدا، ويشارك أكثر من جهاز وطرف في تحريكها.

وذكر صالحة في مقال لـ موقع تلفزيون سوريا، أنه من حق الأردن أن يلجأ إلى كل الوسائل واتخاذ التدابير الأمنية والسياسية والجغرافية والقانونية للرد على هذا الاستهداف، وأن عليه مراجعة كثير من مواقفه وسياساته وقراراته في التعامل مع الملف السوري ومواجهة ما يتعرض له من أخطار.

ورأى أن الخيارات التي قد تعتمدها القيادة الأردنية في المرحلة المقبلة، ستأخذ بعين الاعتبار وصول التفاهمات بين عمان ودمشق حول التنسيق العملياتي المشترك على ضوء الاجتماعات السياسية والأمنية، والرهان على تحركات التطبيع العربي الأخيرة مع دمشق إلى طريق مسدود، كما ستتوقف عمّان مطولاً عند الأصابع المحسوبة على إيران من ميليشيات تنتشر في جنوبي سوريا وتستفيد من الفراغ الحاصل هناك، ومن منظومة علاقات بنتها مع أطراف محلية.