الحل السياسي في سوريا ومسار التطبيع العربي.. تناقضات لا يمكن تجاوزها

2023.05.23 | 18:14 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2023 | 18:14 دمشق

الحل السياسي في سوريا ومسار التطبيع العربي.. تناقضات لا يمكن تجاوزها
+A
حجم الخط
-A

استكمالا لمسار التطبيع العربي مع نظام الأسد الذي قررت المملكة العربية السعودية قيادة عجلته، بعد أن عبر سلسلة من المحطات كان أبرزها فتح الإمارات سفارتها بدمشق 2018، والمبادرة الأردنية القائمة على مبدأ خطوة بخطوة 2021، تتوج الرياض هذا المسار باستضافة نظام الأسد في مدينة جدة للمشاركة في القمة العربية بعد قرار منحه مقعد سوريا بالإجماع.

يمثل الموقف السعودي الأخير خروجا واضحا عن موقفها السابق خاصة إذ ما نظرنا إلى مضمون البيانات الأخيرة التي أصدرتها الرياض أو شاركت في كتابة مضمونها، فعلى سبيل المثال البيان الختامي للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق الصادر يوم 13/4/2023، إذ ركز على ضرورة التوصل لحل سياسي دون الإشارة إلى مرجعية القرارات الدولية ومنها 2254، إلى جانب 6 نقاط ثلاث منها تدعم رؤية نظام الأسد للحل في سوريا والذي يكون عبر "مكافحة الإرهاب"، و"دعم مؤسسات الدولة"، و"عودة اللاجئين والنازحين"، مقابل مضامين أخرى تتعلق بمكافحة المخدرات وإيصال المساعدات، ودعم إجراءات الاستقرار.

تشير الدول العربية المطبعة مع نظام الأسد أن المسار الذي تسلكه من شأنه إحداث اختراق في الحل السياسي في سوريا، حتى وإن كان عبر تجاوز معادلة "إزاحة بشار الأسد عن الحكم"، والقفز فوق العوامل التي دفعت الدول سابقا لمقاطعته بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، واللجوء للحل الأمني لقمع المعارضين عبر قتلهم أو اعتقالهم، واستخدام السلاح الكيماوي وتعزيز تحالفه مع إيران لتعزيز سيطرته الاسمية على مناطق في سوريا.

في ضوء هذه التغييرات من المهم النظر بواقعية إلى مدى تأثير الحراك الدبلوماسي العربي على مسار الحل السياسي في سوريا، وهل يمكن أن يؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار، أم أن التطبيع يمثل خطأ تاريخيا، وخطوة رمزية هدفها تحسين العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية ونظام الأسد وطي صفحة الخلاف السابق.

تشير دراسة صادرة عن مركز راند وبعد تحليلها لعشرات النزاعات الداخلية إلى أن الوصول إلى حل سياسي لأي نزاع داخلي يتطلب مجموعة عوامل موضوعية يجب تحققها أهمها "التماثل، والجمود الضار، والطرف الضامن، التوازن في التدخل الخارجي، التركيز على قضايا الحاضر "، وبالنظر إلى السياق السوري فإن عامل "التماثل" الذي يتطلب أن يكون هنالك توازن في الحضور العسكري والسياسي لأطراف النزاع ، غير متوافر، فالدول العربية المطبعة لم تكتف في إهمال هذا العامل بل عملت ترجيح كفة أحد أطراف النزاع وهو نظام الأسد عبر التواصل معه والتطبيع مقابل إهمال واضح لقوى الثورة والمعارضة، وهو ما سيجعل من الأسد النظر لنفسه نظرة المنتصر الذي لا يحتاج لحل سياسي إلا بالشكل الذي يريده، والأمر نفسه ينطبق على عامل "الجمود الضار" ويعني  عدم قدرة الأطراف المتحاربة الانتصار عسكريا وإدراكهم بأهمية الجلوس للتفاوض، وهنا لم تبدِ الدول المطبعة اهتماما بهذا العامل لعدم امتلاكها القدرة على التأثير في ظل استحواذ روسيا وإيران على الملف العسكري، لا بل على العكس أكدت على أهمية "مكافحة الإرهاب"، ودعم مؤسسات "الدولة".

علاوة على ذلك لنجاح أي مسار تفاوضي يجب وجود طرف ثالث ضامن يضمن التزام جميع الأطراف ببنود أي اتفاق، وهنا لم تقدّم الدول المطبعة نفسها كضامن إنما أظهرت وبشكل علني اصطفافها إلى جانب النظام من خلال تبادل البعثات الدبلوماسية، وإظهار الدعم الكامل له.

ومن العوامل المهمة هو تكافؤ قوة التدخل الخارجي للجهات المتحاربة وخلق حالة توازن عسكري، وفي الحالة السورية وبعد التغييرات التي شهدتها خريطة النفوذ والسيطرة، لم تعد الدول العربية المطبعة تمتلك الفاعلية في هذا المجال وبالتالي باتت محدودة التأثير.

وأخيرا ثمة عامل يمثل البرهان الوحيد على قدرة الأطراف على تحريك الملف السياسي وهو التمسك بقضايا الحاضر، إلا أن التوجه العربي يشير إلى تجاهل هذه القضايا ومنها "الانتقال السياسي، إطلاق سراح المعتقلين" والتركيز على قضايا مستقبلية كدور عربي من شأنه إدارة الملف السوري لتحقيق ما سماها بـ "المصالحة الوطنية" وهي رؤية تتقاطع مع فكرة نظام الأسد للحل السياسي عبر نموذج المصالحات.

ومع عدم توافر العوامل الموضوعية ينبغي معرفة دوافع المسار العربي باتجاه نظام الأسد الذي يختلف من دولة لأخرى، فالرياض ترى في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد فرصة للتعامل مع ملف تهريب الكبتاغون وتحقيق طموحها باستعادة الحضور الإقليمي وهو ما يتسق مع رؤية 2030، وإعادة سوريا إلى الحضن العربي عبر إبعادها عن إيران، أما الإمارات تكاد تكون دوافعها مرتبطة بشكل رئيسي بموقف إيديولوجي تعبر عنه بمناهضة أي تحول ديمقراطي والتمسك بالأنظمة السلطوية وطي صفحة الربيع العربي، أما الأردن تعود أسباب إعادة العلاقات إلى مصالح اقتصادية وأمنية وإيجاد حل لنحو مليون لاجئ سوري على أراضيه.

وبالتالي فإن التقارب العربي مع نظام الأسد لا ينطلق من وجود رغبة لإيجاد أو الوصول لحل سياسي توافقي يرضي جميع الأطراف، بالقدر الذي يظهر أنها محاولة لعدم إبقاء الوضع الراهن على ما هو، مع إعادة تعريف مواقفها من النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، انطلاقا من المصالح الأمنية والاقتصادية والتفاعلات الإقليمية، بالمقابل سيزيد هذا التطبيع من حالة الثقة عند النظام وسيرد عليها بزيادة مستوى التهديد الإقليمي عبر زيادة كميات الكبتاغون المهربة، ومنح إيران امتيازات أوسع كالتي شاهدناها مع زيارة الرئيس الإيراني قبل أيام إلى دمشق، والهدف الضغط على الدول العربية والغربية من أجل الاستجابة لبقية شروط التطبيع، كفك العزلة ورفع العقوبات الاقتصادية عنه وإنهاء جميع أنواع الدعم للمعارضة.

نستطيع القول إنَّ مسار التطبيع العربي مع النظام لن ينعكس بشكل مباشر على مسار الحل السياسي المنشود في سوريا، وحتى وإن سعت الدول المطبعة لرسم مسار جديد يفضي لبقاء الأسد في السلطة، ستصطدم برفض غربي وأميركي، بدأ يتجسَّد في مشروع أميركي قدَّمه الكونغرس يحارب التطبيع مع النظام ولا يعترف بأي حكومة يقودها الأسد.

إنَّ التغيير الحقيقي والمنشود في سوريا لن يتم إلاَّ عبر حل سياسي يتوافق عليه جميع الأطراف، والذي يتمثل في تحقيق الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. ولنا في التجربة الفلسطينية أسوة حسنة حيث لم تسفر عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل عن أي تقدم في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل أظهرت أن الهدف كان مرتبطا بمصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، وليس الرغبة بإيجاد حل سياسي يرتضيه الفلسطينيون.